جسر: متابعات:
تطورت الخلافات على نحو متسارع داخل حركة “أحرار الشام” الإسلامية خلال الساعات ال24 الماضية، لتبلغ ذروتها مع إعلان القائد السابق للحركة حسن صوفان عزل القائد الحالي جابر علي باشا وتعيين نفسه بديلاً منه، الأمر الذي رفضه مجلس شورى “أحرار الشام” ورد عليه علي باشا بكلمة دان فيها “الحركة الانقلابية” وأعلن قبوله بمبادرة جديدة لحل الخلاف.
وقال علي باشا في تسجيل مصور إن “القيادة الحالية هي القيادة الشرعية الوحيدة، وهي ترفض محاولات الانقلاب التي يقوم بها صوفان وتعتبر تشكيل قيادة جديدة للحركة خطوة كاذبة، فجميع كوادر الحركة وقياداتها ونخبها على قلب رجل واحد ملتفون خلف قيادتهم الشرعية”.
كما أصدر مجلس شورى الحركة بياناً داخلياً رد فيه على إعلان صوفان، وجدد التمسك بالقيادة الحالية، لكن مع ترك الباب مفتوحاً على امكانية التغيير، حيث تضمن البيان التأكيد على متابعة باشا المهام المكلف بها إلى حين اختيار قائد جديد للحركة لاحقاً، إذا تطلّب الأمر.
كما قرّر مجلس الشورى، وهو أعلى مرجعية في الحركة، إعادة هيكلة التنظيم من خلال تشكيل مجلس قيادة جديد بعضوية كل من أبو موسى الشامي، أبو عبد الرحمن الحمصي، أبو يحيى الغاب، أبو حمزة الحموي وأبو العز إدلب، مع ترك الباب مفتوحاً من أجل إضافة أعضاء آخرين.
وسبق أن أصدر مجلس الشورى بياناً عقب إعلان الجناح العسكري إقالة قيادة الحركة في 20 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن فيه تشكيل لجنة لحل الخلاف، لكن صوفان وقادة الجناح العسكري واصلوا العمل على السيطرة على مقاليد الأمور داخل الحركة، بالتعاون مع هيئة تحرير الشام، حيث سيطر الطرفان على مواقع ومقرات “أحرار الشام” في ريف اللاذقية الشمالي ومدينة أريحا بريف إدلب الغربي.
ورغم تأكيد تحرير الشام عدم تدخلها في هذا الخلاف، إلا أن قوات تابعة لها دعمت منذ اللحظة الأولى حراك صوفان، في خطوة تستهدف التخلص من قادة “أحرار الشام” الذين يرفضون تطبيق مشروع المجلس العسكري في إدلب قبل إدخال تعديلات عليه بما يضمن عدم هيمنة تحرير الشام عليه.
وتقول مصادر مقربة من قيادة الحركة إن عدد العناصر الذين بايعوا صوفان والنقيب أبو المنذر قائد الجناح العسكري في الحركة لا يتجاوز العشرات، بينما يتمسك الآلاف الآخرون بالقيادة الشرعية، كما يؤكدون على أن الطرف الأول يرفض جميع المبادرات لحل الخلاف، وآخرها مبادرة حملة “إرم بسهم” التي تم الإعلان عنها يوم الأحد ورد عليها صوفان بتنصيب نفسه قائداً للحركة.
لكن صوفان في البيان الذي أعلن فيه قبوله تفويض الجناح العسكري لقيادة الحركة، اتهم قادتها الحاليين بعرقلة مبادرات الصلح “على الرغم من التنازلات التي تم تقديمها حرصاً على لمّ شمل الحركة” حسب البيان.
وأضاف صوفان أنه “بهدف معالجة حالة الشلل وتحقيق عودة أحرار الشام للعب دور مؤثر على مختلف الأصعدة وخاصة العسكري، وجدت لزاماً علي القبول بتفويض الجناح العسكري بقيادة الحركة وتسيير شؤونها مؤقتاً في هذه المرحلة لحمايتها وإعادة لم شملها وترتيب صفوفها”.
وكان صوفان استفاد من نفوذه في منطقة الساحل لقيادة حركته التي تستهدف تغيير مجلس قيادة التنظيم انطلاقاً من مواقع الحركة في ريف اللاذقية، بعد عامين على انتهاء ولايته كزعيم ل”أحرار الشام” التي امتدت بين أيلول 2017 وأيلول 2018 حيث تسلم قيادة الحركة عقب أشهر من إطلاق سراحه من سجن صيدنايا حيث كان يمضي عقوبة السجن المؤبد في عملية تبادل بين “أحرار الشام” والنظام.
مصادر مقربة من قيادة “أحرار الشام” أكدت ل”المدن”، أن القيادة الحالية تشعر بالأريحية بعد إعلان صوفان تنصيب نفسه بهذه الطريقة، وترى أنها خطوة “رعناء” كشفت للجميع أن الهدف هو الزعامة بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام وليس إصلاح التنظيم أو معالجة ما يقول إنه قصور وأخطاء في عمل قيادته.
ونقلت المصادر عن قادة في الحركة قولهم إن صوفان فاجأ الجميع بخطوته المتهورة هذه في وقت تطرح فيه مبادرات ثلاث لحل الأزمة، بما فيها المبادرة التركية التي قبلت بها قيادة أحرار الشام، وعليه فإن التفاف العناصر خلف هذه القيادة وحصولها على الرواتب المقدمة من قبل تركيا يؤكد على فشل حركة صوفان وقرب انتهائها.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الاسلامية عرابي عبد الحي في حديث ل”المدن”، أن “هناك فرضيتين محتملتين حول مآلات هذه الأزمة، أولها أن تستمر تحرير الشام في دعم صوفان وقادة الجناح العسكري وانجاح مخططهم للسيطرة على مقاليد الأمور في الحركة، وهذا يتطلب التكفل بالرواتب والمصاريف التي تُقدم من قبل الأتراك حالياً، وهي مبالغ كبيرة لا يمكن لتحرير الشام أن تفي بها، أو أن يتم التوافق على الحلول التصالحية وهو أمر لا يبدو مرجحاً في ظل النهج الحالي لحسن صوفان”.
ورجّح أن تستمر قيادة الحركة قي خطتها الحالية لمعالجة هذه الأزمة، وهي القبول بمبادرة الحل بانتظار ما إذا كانت أنقرة سترسل كتلة الرواتب الشهرية لهذه القيادة كما هو معتاد أم لا، وهو الأمر الذي سيكون الفيصل في تقرير مستقبل الأمور في الحركة.
واستبعد عبد الحي أن تؤدي هذه الأزمة إلى تقويض حركة أحرار الشام “على اعتبار أنه لا ثقل للمجلس العسكري وصوفان داخل الحركة، خاصة وأنهم لا يسيطرون سوى على عشر نقاط من أصل ثمانين نقطة للحركة في قطاع الساحل، وأن الثقل الحقيقي هو في العلاقات الخارجية للقائد العسكري عناد درويش (أبو المنذر) وهو أمر لا يلعب دوراً في تحديد ولاء عناصر ومقاتلي الحركة”.
مع إعلان حسن صوفان تنصيب نفسه قائداً ل”أحرار الشام” تدخل الحركة منعطفاً جديداً وخطيراً في أزمتها الأخيرة التي تواجهها بعد سلسلة من الأزمات التي مرت بها منذ تأسيسها عام 2012، والتي استطاعت تجاوزها لكنها أضعفتها وأنهكتها، بعد أن كانت أكبر فصيل بين قوى المعارضة، الأمر الذي يجعل من الأزمة الحالية محطة فارقة قد تحدد مستقبل الحركة على الرغم من محاولة قيادتها التقليل من خطورتها.
المدن ٣ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٢٠