جسر: متابعات:
قال المعلق الأمريكي المعروف توماس فريدمان إنالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحاول حرف الانتباه عن مشاكله الداخلية والبحث بخطورة عن عدو داخلي.
وقال في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إن بعض الرؤساء عندما يواجهون مشاكل يحاولون حرف النظر عن مشاكلهم الداخلية من خلال شن حرب في الخارج. ولكن ترامب يريد حرف النظر من خلال حرب داخلية، وربما حصل على ما يريد.
وتساءل فريدمان: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ ويجيب أن المؤرخين عندما سيقومون بتلخيص نهج فريق ترامب بالتعامل مع فيروس كورونا فلن يحتاجوا إلا لفقرات قليلة. وسيكتبون أن الإدارة “تحدثت وكأنها ستغلق مثل الصين وتصرفت كما أنها ستحقق حصانة القطيع كما في السويد. ولكنها لم تفعل أيا من الأمرين. ومع ذلك زعمت أنها أقوى من الطرفين. وفي النهاية حصلت الإدارة على أسوأ ما في العالمين- انتشار واسع للفيروس وكارثة بطالة عن العمل”. ومن ثم أصبحت القصة أكثر ظلاما. وفي الوقت الذي انتشر فيه الفيروس وأغلقت الأعمال وأصيبت المدارس والجامعات بحالة شلل فيما إن كان عليها العودة لفتح أبوابها أم لا، تدنت شعبية ترامب. وتفوق عليه جوزيف بايدن، المرشح الديمقراطي بـ 15 نقطة.
ومن هنا سيقول المؤرخون إن ترامب “في لحظة يائسة من حملته الانتخابية، لجأ إلى كتاب أساليب ديكتاتوريي الشرق الأوسط وعثر فيه على ما يريد خاصة فصل: ماذا تفعل عندما يثور شعبك ضدك؟” والجواب هو “اجعلهم يقاتلون بعضهم البعض ثم قدم نفسك على أنك مصدر النظام والقانون”.
ومن البركة أن أمريكا ليست سوريا، إلا أن ترامب يتبنى نفس النهج الذي تبناه بشار الأسد في عام 2011 عندما اندلعت الاحتجاجات في المدينة الجنوبية، درعا، وطالب المشاركون فيها بالإصلاح الديمقراطي، ثم انتشرت التظاهرات في كل أنحاء البلاد.
ولو رد الأسد بأقل قدر على الطلبات وقدم لهم سياسة تشاركية، لنظرت إليه غالبية السوريين كمنقذ. فقد كان واحدا من شعاراتهم “سلمية، سلمية”. إلا أن الأسد لم يكن راغبا بمشاركة أحد في الحكم وعمل جهده لكي يظهر المتظاهرون بمظهر العنف لا السلم. وأمر جنوده بفتح النار على المتظاهرين السلميين الذي كانت غالبيتهم من المسلمين السنة. ومع مرور الوقت تم تهميش العناصر العلمانية الديمقراطية من حركة الاحتجاج، حيث بدأت العناصر الإسلامية المتشددة بقيادة الحرب ضد الأسد.
وتحولت الانتفاضة من خلال هذا إلى حرب طائفية عارية تقوم على الحكم أو الموت بين الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد والجماعات الجهادية السنية المتعددة.
وحصل الأسد على ما يريد. ولم تكن حربا بين ديكتاتورية وشعب مسالم ولكن بينه والمتشددين الإسلاميين يستطيع من خلالها الزعم أنه يقوم بلعب رجل النظام والقانون تدعمه فيها إيران وروسيا. ودمرت البلاد في النهاية وقتل مئات الآلاف من السوريين وهجر الملايين، ولكن الأسد ظل في السلطة واليوم أصبح الكلب الكبير يقف على ركام.
ويقول الكاتب إنه لا يتسامح مع أي متظاهر يلجأ للعنف في أي مدينة أمريكية لأنه يدمر البيوت والأعمال التي عانت أصلا من آثار فيروس كورونا- ومعظمها مملوكة من أبناء الأقليات، ولأن العنف يصد ويمنع الغالبية من الدفع باتجاه التغيير المطلوب. و”عندما سمعت ترامب يقترح كما فعل في المكتب البيضاوي يوم الإثنين، بأنه سينشر القوى الفدرالية في المدن الأمريكية، حيث لم يطلب منه عمدة المدن ذلك، كانت أول كلمة خطرت ببالي هي سوريا”. وكان مبرر ترامب هو “أريد عمل شيء، وأقول لكم لأننا لن نسمح لنيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا وديترويت وبالتيمور، وأوكلاند التي تعيش الفوضى، لن نسمح بأن يحدث هذا في البلاد”. وأكد ترامب أن هذه المدينة يديرها “ليبراليون ديمقراطيون” و”كلها يديرها اليسار الراديكالي، لو وصل بايدن، فهذا سيحول البلد كل البلد إلى جحيم، ولن نسمح بأن يتحرك نحو الجحيم”.
ويعلق فريدمان أن هذا الكلام يأتي من كتاب ديكتاتوريي الشرق الأوسط، وهذا مثير للخوف. ففي سوريا، استخدم الأسد البلطجية الموالين للنظام بالزي المدني أو ما يعرفون بالشبيحة لسحق المتظاهرين. وفي بورتلاند، ولاية أوريغان “رأينا قوات فدرالية مدججة بالسلاح يلبس أفرادها لباس المعركة وبدون شارات تعلمهم وقام أفرادها باعتقال الناس ووضعوهم في شاحنات بدون علامات. كيف يحدث أمر كهذا في أمريكا؟”.
وانتصر الحكام الشعبويون سواء كانوا فلاديمير بوتين أو جائر بولسونارو في البرازيل أو رجب طيب أردوغان في تركيا أو رودريغو دوترتي في الفلبين أو فيكتور أوربان في هنغاريا أو الرئيس البولندي أو الأسد من خلال “تقسيم الناس وتقديم أنفسهم على أنهم منقذون للأخيار والناس العاديين من العملاء الذي يريدون التخريب وثقافة التلوث” كما يقول الباحث في ستانفورد لاري دايموند. وفي وجه هذا التهديد يحتاج اليسار لأن يكون ذكيا والتوقف عن الدعوة لوقف تمويل الشرطة والتأكيد أن تقليل ميزانيات الشرطة لا يعني تفكيكها، وأنها لا تعني ما تعنيه “الإصلاح”، فوصف الشرطة بالخنازير والسيطرة على الأحياء رسالة يسهل على ترامب استغلالها.
ويرى الكاتب أن الصور التي وصفها مراسل “نيويورك تايمز” مايك بيكر من بورتلاند لليوم الـ 54 للاحتجاجات لم تكن مشجعة و”يخشى بعض قادة المجتمع السود من أن لحظة العدالة الاجتماعية قد ضيعت بسبب العنف”. وفي استطلاع لصحيفة واشنطن بوست وشبكة إي بي سي وجد أن غالبية الأمريكيين يدعمون حركة حياة السود مهمة وأن 69% من الأمريكيين يرون أن السود وبقية الأقليات لا يعاملون على قدر المساواة مع السود. ولكن الرأي العام يرفض تحويل ميزانيات الشرطة للخدمات الاجتماعية أو تدمير التماثيل التي تعود للجنرالات الكونفدراليين أو الرؤساء الذين استعبدوا الناس. وكل هذا العنف في الشوارع والحديث عن قطع مالية الشرطة يلعب في يد دعاية تلفزيونية لترامب: هاتف يرن ويبدأ تسجيل: لقد وصلت إلى الخط الطارئ للشرطة 911 وبسبب قطع الميزانية عن قسم الشرطة، نعرب عن أسفنا لعدم وجود أحد لكي يرد على مكالمتك، فلو اتصلت لكي تبلغ عن اغتصاب انقر على رقم 1 وإن اتصلت لكي تبلغ عن قتل انقر على 2 ولكي تبلغ عن هجوم على بيت انقر 3. أما بقية الجرائم فاترك اسمك ورقم هاتفك وسيتصل بك شخص، وفترة الانتظار لدينا الآن هي خمسة أيام، مع السلامة”.
ودعا فريدمان في نهاية مقاله، المتظاهرين للاستفادة من حملة إمام أوغلو الذي فاز بانتخابات إسطنبول وتبني الجب الراديكالي وشمل الجميع.
المصدر: القدس العربي 22 تموز 2020