جسر: خاص:
أمس، وفي ليل اليوم السادس لاعتصام أهالي تل رفعت ومنغ وديرجمال، وسواها من القرى التي تحتلها “قسد” في ريف حلب الشمالي في منطقة اعزاز، ألتقى وفد، شكلوه أول أمس، بوفد أمني تركي. وكان أهالي القرى المغتصبة، المهجرين في بقية أنحاء الريف الشمالي الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، قد بدأوا اعتصاما عند معبر “باب السلامة” الحدودي مطالبين بالعمل على تحرير قراهم تمهيداً لعودتهم..
وجاء في إيجاز لمضمون الاجتماع، “بين الوفد المندوب عن أهالي القرى المحتلة المعتصمين والوفد التركي”، حصلت “جسر” على نسخة منه، أنه تأجل إلى الليل “ﻷن الوفد الأمني اجتمع بإردوغان، في أورفا قبيل لقاء الأهالي، حتى تكون معلوماته وردوده نهائية، والرد يمثل القيادة السياسية”، وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد زار ظهيرة أمس “مركز العمليات المشتركة” لعملية “نبع السلام” في ولاية “أورفا” جنوبا.
ويبدو أن اهتماما خاصا أبداه الرئيس التركي بالملف، دفع الوفد اﻷمني ﻹعادة توضيح اﻻتفاق التركي الروسي، الذي قال كاتبوا اﻹيجاز إن فهمهم له “غير دقيق”، وأن اﻷتراك لم يوافقوا على دخول النظام إلى تل رفعت ومنبج، وأن كل ما اتفقوا عليه كان “طرد بي كي كي كمرحلة أولى وليس دخول النظام”، وفي حال عدم خروجهم “سيكون لهم تصرف على غرار عفرين”، فيما أبدى نشطاء قلقهم من مصير على غرار بعض مناطق “نبع السلام” التي دخلتها قوات النظام، أو تهدد بدخولها بعد اتفاق النظام/قسد، أوتلك التي شهدت تسيير دوريات مشتركة روسية-تركية، بعد اتفاق سوتشي بين الرئيس إردوغان ونظيره الروسي بوتين، بعد انجاز “المرحلة اﻷولى” وطرد “قسد” منها.
لكن اﻹيجاز يؤكد أن اﻷتراك “لم يتنازلوا عن تل رفعت والقرى المحيطة بها، إذ يقومون بلقاءات مستمرة لحسم هذا الموضوع، والأمر غير منتهي كما يظن أهالي هذه المناطق”، لكن أدنى إشارة لقضية هذه المناطق لم تنبُ عن “اللقاءات المتكررة”، إن الروسية-التركية، أو الثلاثية اﻷستانية، التي أجراها وزراء خارجية البلدان الثلاثة، وآخرها كان في جنيف أثناء اﻻجتماعات التمهيدية لانعقاد “اللجنة الدستورية”، حتى لقاء الوفدين مساء اليوم!.
لم يبدِ الجانب التركي، وهو هنا وفد أمني، مانعا تجاه ما يقوم به اﻷهالي من تظاهر أو اعتصام، لكنه وضع لها سقفا “ألا يبلغ حداً يسمح أن يظهره البعض كعداء لتركيا، يسبب لهم إحراج وضعف في مواقفهم، أمام الروس والإيرانيين”، فيما يبدو رسما لخطوط حمر، لا تطال العمل العسكري فقط، الذي سبق وأن كان رسالة تحريمه واضحة حين فتك الطيران الروسي بمجموعة من مقاتلي الجيش السوري الحر، حاولت استعادة القرى المغتصبة قبل ثلاث سنوات، بعد شهور من تهجيره أهلها بنفس الطريقة، واحتلال “قسد” لها.
خط أحمر رسمه الوفد اﻷمني أمام حراك اﻷهالي المهجّرين، إضافة إلى ذلك المانع ﻷي عمل عسكري يفكر أبناؤهم في القيام به، ألا يظهر “كعداء لتركيا”، فيما يبدو إشارة، ربما، إلى اعتراض المعتصمين من اﻷهالي والنشطاء على رفع بعض مواطنيهم العلم التركي، متسائلين عن مبرر ذلك، بحسب ما وضحت مصادر محلية لـ”جسر” ومبرر الخط اﻷحمر، تحاشي إحراج اﻷتراك وإضعاف موقفهم أمام اﻹيرانيين والروس؛ إذن فاﻷهالي مطالبون، في اعتصامهم، بالمشاركة في أستانة!.
لكن الحقيقة، أن الوفد التركي نقل أن قيادته السياسية لا تمنع من القيام بأعمال عسكرية، لكنهم “غير قادرين على المساعدة العسكرية”، وهو أمر مفهوم في ظل تفاهمات ثلاثي أستانا، المستمرة في التغير تناغما مع التغيرات في الموقف اﻷمريكي، وقد أشار اﻹيجاز إلى أن اﻷتراك “في حالة مفاوضات مستمرة مع الروس”، وأكد أنهم “حلفاء”، وأن أي مساعدة سيقدمونها، ستبدو في نظر حلفائهم “إعلان حرب ضدهم”، لذا، نقل الوفد نصيحة، لا داع لها أمام الخطر الذي قد يمثله الطيران الروسي على أي قوات قد تحاول التقدم إلى القرى المغتصبة دون غطاء جوي أو مضادات أرضية كافية، نصيحة “بعدم التسرع حرصاُ على حياة الشباب”، لكنه طالب اﻷهالي بوضع ثقتهم في الجانب التركي، وإمهاله فترة، “يأملون أن لا تكون طويلة”، مشيراً أن لقاء وزاريا، سيعقد خلال أسبوع، لبحث قضية منبج وتل رفعت، دون إشارة لاحتمال حضور إيراني.
إلى هنا تنتهي ردود الوفد التركي على أسئلة نظيره السوري، بحسب اﻹيجاز، الذي أكد كاتبوه أن الوفد ذكر لنظيره التركي “بالتفصيل كل مراحل النزوح، والوعود المتكررة من قبلهم”، في إشارة لمطالبات سابقة وردود تلتها، إذ سبق أن توصل اﻷتراك لاتفاق مع الروس سمحوا من خلاله للأهالي من المدنيين أو العسكريين، دون سلاح، بالدخول إلى قراهم في ظل السيطرة الروسية، سماح ترافق في حينه مع حظر عودة نشطاء وعسكريين بأسماء محددة، وهو ما رفضه اﻷهالي في ذلك الوقت، وكرر وفدهم رفضه اﻵن، لكن العرض ترافق هذه المرة مع اشتراط دخول “النظام، وكذلك الدوائر الأمنية”، والسماح أيضا، بدخول القوات التركية.
رفض الوفد العرض، بعد أن ذكّر بمعاناة اﻷهالي المهجّرين، وشدد على رفضهم السكن في عفرين وأنهم “لن يستبدلو أراضيهم، بغيرها”؛ الرد، بحسب اﻹيجاز، تأكيد تركي “ونحن لا نريد ذلك لأننا نريد أن نعيدكم إلى قراكم”.
وسبق لمجموعات منضوية في “الجيش الوطني” اﻵن، من أبناء القرى المغتصبة، أن رفضت المشاركة في عملية “غصن الزيتون” التي شنها الجيش التركي بمساندة من بعض فصائل الجيش السوري الحر في حينها، مصرين على الالتزام بتحرير قراهم، وهو ما يبدو أن وفدهم ذكّر الجانب التركي به، ما دفع اﻷخير للتأكيد أن تل رفعت والقرى المحيطة بها، لم تُستثنى من “غصن الزيتون” في ذلك الوقت، بل إن الخطة كانت تقضي بالبدء بها، وهو ما بدا منطقيا في حينه، “لكن الضغط الإيراني والمساندة الروسية للإيرانيين… جعلتهم يتوقفون ويتجهون لعفرين”، وأنهم، أي اﻷتراك “كانوا في مفاوضات مستمرة، خلال العملية لمتابعتها، حتى تحرير تل رفعت ومنغ وكل القرى، لكن الموقف الروسي والإيراني كان أقوى منهم” مرة أخرى.
الوفد اﻷمني أكد أن بلاده لن تتوانى في دعم حق الأهالي في العودة واستمرارها بالعمل على ذلك، وعلى الرغم من إشارته مرارا لضغف الموقف أمام الحلفاء الروس واﻹيرانيون في أستانا، إﻻ أنه أكد على استمرار اﻷـراك في “معركة سياسة حقيقية … مع الروس والإيرانيين، من أجل هذه المناطق” وأنهم لن يتخلوا عنها، لكنهم عاجزون عن “تحديد الوقت … إلا بعد التوصل لاتفاق” متمنين أن لا يظول بهم اﻷمر، متعهدين بالسعي لذلك جاهدين.
فيما يستمر اﻷهالي المهجّرون في اعتصامهم وانتظارهم، الذي ذكر به وفدهم نظيره اﻷمني التركي.