جسر – (خاص)
حصلت صحيفة “جسر” على معلومات خاصة ومفصّلة حول ماهيّة الحجز الذي فرضته وزارة المالية في حكومة نظام الأسد في شهر آب/ أغسطس 2020، على أموال “هاني عزوز” أحد أبرز رجال الأعمال السوريين.
وزارة المالية فرضت حجزاً على أموال التاجر الحلبي وزوجتيه، المنقولة وغير المنقولة، بتهمة التهرب الضريبي وإدخال مواد إلى سوريا بطريقة غير قانونية، ليقع عزوز في شباك أسماء الأسد، كما وقع أقرانه وأمثاله من “حيتان” الاقتصاد والأعمال في سوريا، وأولهم “رامي مخلوف”.
فضلاً عن ذلك، اشتملت المعلومات التي حصلت عليها “جسر” على سيرة ذاتية ومهنية لـ”عزوز” وتفاصيل حول علاقته بعائلة “الأسد”.
هاني عزوز.. سليل التجار
ينحدر هاني عزوز (مواليد ١٩٥٥) من عائلة مسيحية معروفة في حلب، فهو ابن التاجر “كميل عزوز”، وحفيد واحد من أقدم تجار الإطارات المطاطية (الدواليب) في سوريا واسمه أيضاً “هاني عزوز”.
وسطع نجم “عزوز” بعد سنوات قليلة من تولي بشار الأسد سدّة الحُكم في سوريا، وأصبح واحداً من أشهر رجال الأعمال السوريين إلى جانب إلى جانب “رامي مخلوف”.
وإلى جانب أعماله التجارية الخاصة، شارك “عزوز” بتمويل عدة مشاريع تجارية وسياحية متصلة بشكل مباشر برامي مخلوف، وأهمها شركة “شام القابضة”، كما عُرف عنه أنه ممول سخي لنادي “الاتحاد” الرياضي الحلبي.
صديق أولاد الأسد.. باسل وبشار
من المعروف بالنسبة لكثير من السوريين أن “هاني عزوز” صديق حميم لبشار الأسد، الذي دفعه لواجهة المال والأعمال في سوريا، إلا أنه من غير المعروف أن بشار ورث هذا الصديق من شقيقه باسل، الذي كان من المخطط له أن يرث البلاد عن والده حافظ قبل أن يُقتل في ظروف غامضة سنة 1994، وتؤول السلطة نهاية المطاف إلى يد بشار عقب موت حافظ سنة 2000.
وكان “عزوز” صلة الوصل بين بشار الأسد وتجار وعائلات حلب. وعمل التاجر المسيحي على نسج العلاقات بين بشار ومجتمع “النخبة” في حلب، وخصوصاً مع العائلات المسيحية الحلبية. ويتّهم على نطاق واسع، بترتيب علاقات غرامية لبشار الأسد مع عدد من سيدات حلب، كادت إحداها أن تؤدي إلى الزواج، ووصفه عدد من رجال الأعمال الذين تحدثنا إليهم حرفياً بـ”قواد” بشار الأسد في حلب.
امتيازات “سامّة” وحصرية
اختص بشار الأسد صديقه الحميم بامتيازات تجارية لم يحصل عليها أحد سواه، جعلت منه أكبر تجار الفورميكا والمنتجات الخشبية في سوريا على الإطلاق.
ومنح بشار الأسد صديقه “عزوز” رخصة إنشاء معمل للورق بين عامي 2008 و2010، بريف حلب الجنوبي، خلافاً للقوانين التي كانت تمنع آنذاك إنشاء أي مصنع خارج المنطقة الصناعية في منطقة الشيخ نجار بمدينة حلب.
ولكن أبرز الامتيازات التي حصل عليها “عزوز” هي ترخيص استثنائي لتأسيس واحد من أكثر المشاريع التجارية خطورة على صحة البشر، وهو صناعة ألواح الفورميكا وذلك بتشريب نوع من الورق بمواد شديدة السمّية ومن ثم ضغطها ومعالجتها، وهذه الطريقة في صناعة ألواح الفورميكا ممنوعة في دول كثيرة حول العالم، بسبب المخاطر الكبيرة والتلوث الناتج عنها.
وبُني مصنع الفورميكا الذي ألحق به معمل الورق بعد عدة سنوات، بريف حلب الجنوبي، في قرية البرقوم التابعة للزربة.
وبين عامي 2007 و2008 اشتكى عدد من أهالي وسكان ريف حلب الجنوبي، من رمي نفايات ومخلفات مصنع الفورميكا السامة في نهر قرب قرية البرقوم في منطقة جبل سمعان، ليقوم عقب ذلك جهاز الأمن العسكري بإرسال دوريات لاعتقال كل من قدّم شكوى ضد معمل “سيريا ميكا” للفورميكا الذي يملكه “عزوز”، ولم يخرجوا من فرع المخابرات المرعب، إلا بعد التعهد بعدم الاحتجاج مجدداً.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يحصل أي رجل أعمال سوري على ترخيص لإنشاء معمل من هذا النوع في سوريا، إلا بعد مرور سنوات طويلة، حيث حصل تاجر من عائلة “الأشرفي” على رخصة لإنشاء معمل مشابه، ورغم ذلك لم يُنفذ هذا المشروع لأسباب لم تُعرف وبقي حبراً على ورق.
“عزوز” يخسر “منجم الفورميكا” ويغادر سوريا
عقب انطلاق الثورة الشعبية في سوريا عام 2011 وظهور التشكيلات المسلحة، سارع ملك الفورميكا إلى تسليح مجموعات من الأشخاص بهدف حماية مَصنَعيه في منطقتي الزربا والبرقوم بريف حلب.
من جهة أُخرى، اتجه “كميل” ابن “هاني عزوز” لتشكيل فصيل مسلح تابع للنظام، ولكن عام 2012 حمل تطورات مفاجئة بالنسبة لـ”كميل” ووالده، وسيطرت فصائل معارضة عام 2012 على مناطق بريف حلب الجنوبي، وبعد مواجهات مع مسلحي “عزوز” انتصرت الفصائل التي كان يقودها شخص اسمه “باسم شعبان”، وسيطرت على المعامل واستولت على الأسلحة.
شكّلت خسارة المصنعين وبالذات مصنع الفورميكا صدمة كبيرة لـ”عزوز” وطموحاته التجارية، وعلى إثرها خرج من سوريا متجهاً نحو الأردن عام 2013، وحاول تأسيس أرضية جديدة لنشاطاته التجارية، إلا أنه فشل، ما دفعه للانتقال مجدداً إلى لبنان، التي عانى فيها من انكسار حاد في ثروته أدى إلى تردّي حالته الصحية.
ثروة “عزوز” في قبضة “أسماء”
خلال السنة الجارية بدأ النظام بالتضييق على العشرات من رجال الأعمال المقربين منه، للحصول على أموالهم، تحت ضغوط اقتصادية عاصفة ساهمت بها روسيا من جهة، وعقوبات “قانون قيصر” الأمريكية من جهة أُخرى، وأبرز رجال الأعمال الذين استهدفتهم “أسماء الأسد” التي تولت مهمة تحصيل الأموال كانا “رامي مخلوف” و”هاني عزوز”.
مصادر خاصة ومطّلعة أكدت لصحيفة “جسر” أنه بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فرضت حكومة نظام الأسد سلسلة قرارات بـ”الحجز الاحتياطي” على الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يمتلكها “عزوز” إضافة إلى الأموال المنقولة وغير المنقولة المسجلة باسم زوجتيه، وذلك “ضماناً لحقوق الخزينة العامة”.
ونوّهت المصادر في هذا الشأن أن رجل الأعمال المسيحي تزوج زواجاً مدنياً منذ سنوات في قبرص، بسيدة سورية من عائلة “مارتيني”، ما أدى إلى خلافات حادة بينه وبين زوجته الأولى، التي كانت تشاركه إدارة أعماله، وكانت تدير أحد المصانع التي يملكها، وهي من عائلة “جريوة” المسيحية، والمنحدرة من مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي.
واستندت قرارات الحجز الاحتياطي المذكورة على أموال عزوز إلى مخالفات استيراد بضائع “تهريباً” وناجية من الحجز، وذكرت القرارات أسعار البضائع إضافة إلى رسومها والغرامات المترتبة عليها بالحد الأقصى.
وبلغ إجمالي سعر البضائع والرسوم والغرامات 1.472.801.790 ليرة سورية (مليار وأربعمئة واثنان وسبعون مليوناً وثمانمائة وألف وسبعمئة وتسعون ليرة سورية)، أي ما يعادل بسعر الصرف الحالي 1.900.384 دولار أمريكي (مليون وتسعمئة ألف، وثلاثمئة وأربع وثمانون دولار أمريكي).
وأشارت المصادر إلى أن مبالغ البضائع والمخالفات والغرامات المترتبة عليها والتي تقارب مليوني دولار، لا يهدف النظام من استغلالها الحجز على أموال “عزوز” المنقولة وغير المنقولة في سوريا فقط، بل هي وسيلة ضغط لإبرام صفقة مع “عزوز” والحصول على أكبر قدر ممكن من أمواله التي يحتفظ بها خارج سوريا، حيث يعتبر النظام أن هذه الأموال ما كان لـ”عزوز” الحصول عليها دون التسهيلات والامتيازات التي مُنحت له فيما مضى من السنين.
ولا يُعرف إذا ما كان لرجل الأعمال السوري مشاريع تجارية نشطة حالياً في مكان إقامته بلبنان، لكن من المرجح أنه يمتلك أرصدة مالية في بنوك خارجية، خاصة في بريطانيا التي عاش فيها فترة من الزمن، وتعرف فيها على بشار الأسد هناك، بحسب المصادر التي تحدثنا إليها.