جسر: متابعات
تبدو إسطنبول ظاهريا بالنسبة للسوريين هادئة، فلا ضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي حول ترحيل السلطات التركية المخالفين، خوفا من “الإجراءات العقابية والانتقامية” التي ستطال المعترضين.
سامر، الذي استخدم اسما مستعارا، لم يستطع أن ينقل بطاقة حمايته المؤقتة إلى إسطنبول، رغم توافر شروط الاستثناءات التي أعلنتها وزارة الداخلية منذ حوالي الشهرين، فعائلته التي تضم زوجته وأولاده يحملون “كيمليك إسطنبول”.
وبعد أن حاول بكافة الوسائل الممكنة، من ذهاب وإياب إلى عدة مراكز حكومية مسؤولة عن اللاجئين ونقل الكيمليك، إلا أنه لم يلق تجاوبا.
وقال سامر “ذهبتُ إلى مركز السلطان بيلي، وإلى مركز بيازيد وإلى الفاتح أيضا، وفي كل مرة أخرج خائبا من دون نتيجة”.
ونقل 6416 سوري مخالف من إسطنبول إلى مراكز إيواء مؤقت خلال 15 يوما بعد انتهاء المهلة الأخيرة، بحسب أرقام والي اسطنبول التي أعلنها قبل يومين فقط.
وما بين الاختباء وتغيير الطريق المعروف بوجود الشرطة فيه، يمكث الكثير من السوريين الذين لا يملكون بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن اسطنبول.
وأما عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى مخالفة القانون وعدم المغادرة، فلا علاقة لها بالاستخفاف بالقوانين، وإنما بحياة عائلات كاملة تعيش في إسطنبول منذ سنوات. فمغادرة المدينة يعني غياب العمل، باعتبار أن إسطنبول هي المدينة الأهم تجاريا واقتصاديا، وهذا أمر معروف لدى الأتراك قبل السوريين.
وتتنوع حالات المخالفين ما بين شباب عزاب يرفضون المغادرة، ليقينهم بصعوبة إيجاد عمل في أي مدينة صغيرة أخرى، مثل حالة أحمد الذي يعمل في تصليح الأدوات الكهربائية، ويقول إن لديه عددا كبيرا من المعارف السوريين وإن زبائنه اعتادوا عليه، وإن المغادرة إلى مدينة ثانية يعني البدء من الصفر مجددا.
وأما الحالة الثانية تكمن في عدم المغادرة، فهي في معظمها لعائلات يملك جزء منهم بطاقة الحماية من اسطنبول، فيما لا يملكها الآخرون، والطريقة الوحيدة للبقاء في المدينة ألا يخرج من لا يحمل البطاقة من المنزل، مثل حالة “أبو علي”، الذي يملك بطاقة الحماية من مدينة بورصة، بينما تحمل زوجته وأولاده كيمليك إسطنبول.
وعادة كان يستخرج إذن سفر كل ثلاثة أشهر من بورصة، القريبة من اسطنبول، وبالتالي يبقى محافظا على العائلة والقانون، ولكن الأمر اليوم اختلف إذ تم إصدار قانون شفهي وتمت كتابته على ورق ألصق على المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الأجانب واللاجئين، بأنه لم يعد مسموحا الحصول على إذن سفر من أي مدينة باتجاه إسطنبول، ما يجعل أبو أحمد مخالفا للقانون.
بالعودة إلى أرقام ولاية اسطنبول، فإنه تم ضبط 42888 مهاجرا غير شرعي منذ 12 يوليو الماضي، وتم نقلهم إلى مراكز الإعادة في الولايات التي حددتها وزارة الداخلية التركية في إطار ترحيلهم خارج الأراضي التركية.
متاهة من المشاكل
متابعة ما يحدث مع السوريين في إسطنبول، يبدو أقرب للدخول إلى متاهة من المشاكل، فعدا عن مشكلة الكيمليك والعائلات المنقسمة ما بين الإطار القانوني والخروج عنه، توجد مشكلة عدم توفير تصاريح للعمل.
وخلال الحملة التي قامت بها ولاية إسطنبول منذ بداية الشهر، تم ضبط 1169 عامل غير مسجل، منهم بحسب بيان الولاية 906 أتراك و118 سوريا فيما يحمل الباقون جنسيات مختلفة.
وتم تغريم أصحاب العمل والمعامل الذين لم يستخرجوا إذن عمل لعمالهم، بما يقارب ستة ملايين و160 ألف ليرة تركية.
ومعظم السوريين الذين لم يحصلوا على إذن عمل سواء لرفض صاحب العمل أو لرفض الحكومة، تركوا العمل وبدأوا عملية البحث عن مصدر رزق آخر، مثل رامز، الذي كان يعمل في مطعم سوري في منطقة الفاتح، وبعد انتهاء المهلة أول الشهر الحالي، بدأ بمحاولة العمل في البيت مع زوجته.
وفيما يعد الطبخ في المنزل مهنة شائعة بين السوريين في تركيا، إلا أنها بالكاد يمكنها أن تعيل عائلة، بسبب كثرة العاملين وانخفاض أسعار الوجبات نسبيا في إسطنبول.
ترحيل إلى سوريا
وقبل يومين أعادت بلدية حي أسنيورت، وهو الحي الأكبر والأكثر استقبالا للسوريين في إسطنبول، مشهدا جسدته قبل حوالي ثلاثة أشهر يتمثل في ترحيل عائلات سورية إلى بلادها.
واعترف رئيس البلدية بأنه تم إرسال 150 سوريا إلى بلادهم، وذلك في خمس حافلات كبيرة حينها، ولكنه قال إن هؤلاء جميعهم تقدموا بطلبات للعودة إلى سوريا، وأن البلدية ساعدتهم واستعانت بالهلال الأحمر لتحقيق ذلك.
ما بين كلام البلدية، وكلام سوريين يقطنون في ذلك الحي اختلاف كبير، إذ أكد عدة أشخاص لقناة الحرة، أن من غادر إلى سوريا قبل يومين ومن غادرها قبل أشهر قليلة، جميعهم تم ترحيل أزواجهم ومعيليهم سابقا، ما جعلهم بلا معيل فاضطروا إلى طلب السفر إلى سوريا.
والملاحظ من الصور التي انتشرت “بشكل محدود” على الإنترنت، أن معظم المرحلين هم من النساء والأطفال، ما يدعم نظرية اضطرارهم للعودة لعدم وجود معيل، وللم شمل عوائلهم من جديد.
إلغاء ملفات الجنسية
معن، طبيب سوري يعيش مع زوجته وطفليه في إسطنبول بوضع نظامي، وربما كان وضعهم لما قبل أيام أفضل من كثير من السوريين، إذ قبل عامين ونصف العام وصلت رسالة من دائرة الجنسية الاستثنائية تطلب منه تحضير أوراق رسمية، لأن اسمه ترشح للحصول على الجنسية التركية، وبالطبع فإن هذه الرسالة بمثابة هدية إلهية لكل من تصله.
انتظر معن وعائلته سنتين ونصف للحصول على الجنسية، بسبب بقاء أسمائهم في “المرحلة الرابعة من الحصول على الجنسية الاستثنائية” وهي مرحلة التحقق الأمني وتستغرق عادة ستة أشهر على الأقل.
وفي حالة معن و13 ألف سوري آخرين، فإن هذه المرحلة ظلت في جمود لعامين ونصف، ولكنها انتهت أخيرا. إلا أن النهاية غير سعيدة، إذ وصلت لآلاف السوريين رسالة أفادت بإلغاء طلب الجنسية، بحسب المحامي السوري مجد طباع.
ويفرق المحامي طباع بين الإلغاء والإيقاف بقوله: “الإلغاء يعني مسح الملف تماما، أما الإيقاف فإنه لا يدمر الأمل تماما”.
معن ليس الخاسر الأكبر، إذ قال المحامي المتابع للشأن السوري، إن هناك رجال أعمال سوريين، بدأوا بتصفية أعمالهم في دول الخليج بعد أن دخلت أسماؤهم في نظام الجنسية الاستثنائية، واشتروا عقارات في تركيا بنية الاستثمار والاستقرار، ولكن عددا منهم ألغيت ملفاتهم وباتت الجنسية حلما مستحيل المنال.
وفيما تعد تسهيلات الاستثمار في تركيا للأتراك كثيرة ومغيرة، إلا أنها تختلف عن التسهيلات للأجانب.
وقد أثار إلغاء ملفات الجنسية حالة من الغضب بعد القضاء على أحلام البعض بالتخلص من جواز السفر السوري الذي يبدو نقمة على صاحبه أكثر منه نعمة.
منظمات مدنية ومعارضة نائمة
يحيى مكتبي، عضو الائتلاف السوري المعارض وأحد المتابعين لموضوع الكيمليك ضمن اللجنة التي أعلن الائتلاف تشكيلها بالاشتراك مع الداخلية التركية، قال للحرة إنهم حاولوا مساعدة السوريين عن طريق وضعهم رابطا على الموقع الإلكتروني للائتلاف لشرح قضية السوري الذي يحتاج إلى بطاقة كيمليك.
لكنه أوضح أن الاستجابة ضعيفة، وتتبع لمزاجيات، وأنه في كثير من الحالات لم يستطع الائتلاف عمل شيء. واستدرك قائلا إن اللجنة ساعدت في إعادة بعض السوريين الذين تم ترحيلهم إلى سوريا ويحملون بطاقة الكيمليك.
منبر الجمعيات السورية، أعلن قدرته على المساعدة أيضا، وفق ما أكده مكتبي الذي أشار إلى أن المنبر جزء من اللجنة وله اتصالات مع الوالي في إسطنبول.
الكلام حتى اللحظة نظري، إذ نشر المنبر رابطا مشابها للذي نشره الائتلاف، لاستقبال الحالات الخاصة والمشمولة بالاستثناءات التي أعلنتها الداخلية التركية.
قناة الحرة حاولت استخدام كلا الرابطين، وقامت بتعبئة معلومات حالة سورية لا تحمل الكيمليك وتنطبق عليها شروط الاستثناءات، إلا أن الجهتين لم تتصلا بصاحب الطلب، ولم يرد رئيس منبر الجمعيات على محاولات القناة للتواصل معه لمعرفة سبب عدم الاستجابة.
المصدر: قناة الحرة