جسر: خاص:
هل تخيلت يوماً أنك في منزل من زجاج، يرى الآخرين كل ما تفعله وتقوم به، ويعرفون متى تنام، ومتى تستيقظ، ماذا تأكل، ماذا تلبس، ماذا تفعل طوال اليوم، مع من تكلمت، لمن كتبت… مع عدد لا متناهي من أدق التفاصيل، وأكثرها خصوصية، بينما تظن نفسك في منزل آمن، وخصوصيتك محفوظة؟ هذا هو حالنا نحن مع أجهزتنا الذكية.
حتى ساعة كتابة هذه المقالة أكون قد امضيت ساعات كثيرة وأنا أعمل من خلف الشاشة، تخيلوا أن كل ما فعلته خلال هذه الساعات يراه الجميع.
هل لاحظت مثلاً، أنك ذكرت أسم شخص ما، لتفتح بعدها فيسبوك , وتجده أنه قد اقترحه كصديق لك؟
هل بحثت عن شيء معين على شبكة الانترنيت، من خلال هاتفك أو جهاز الكمبيوتر، لتدخل بعدها على انستغرام وتجد إعلانات لنفس الشيء الذي بحثت عنه؟
هذه هي (الخصوصية على شبكة الانترنيت) التي نخوض حروبهاً يومياً لأجلها، ولحماية بياناتنا، صورنا، معلوماتنا؟
كثيراً ما تشكل (الخصوصية على شبكة الانترنيت) هاجس حقيقي لدى شريحة كبيرة من الناس، يسعى من خلالها المدافعون عن حرية المعلومات والبيانات، إلى منع شركات التكنولوجيا وشركات التواصل الاجتماعي، من استخدام أي من بياناتنا ومعلوماتنا، التي يتم جمعها أثناء استخدامنا لهذه الخدمات.
تنكر معظم الشركات أنها تستخدم البيانات التي يتم جمعها من المستخدمين، وفي حال صرحت بعض الشركات بشكل مباشر، أنها تقوم بجمع بعض المعلومات لتحسين خدمتها، فإنها سرعان ما تنكر أي عمليه مشاركة لهذه البيانات مع أطراف ثالثة.
أصبحت الأجهزة الذكية بمختلف أنواعها وأشكالها جزء أساسي من حياتنا وعملنا وعلاقاتنا. فالذين أبعدتهم الحروب وفرقتهم السياسة، جمعهم فضاء (أون لاين). والذين التزموا الحجر المنزلي نتيجة فيروس كورونا، قضوا جلّ وقتهم على منصات التواصل الاجتماعي، أو برامج المحادثة ومشاركة قصصهم ويومياتهم.
ويعد تنزيل التطبيقات على أجهزتنا الذكية، أسهل من اجراء مكالمة عادية أو ارسال رسالة نصية. كل ما يتطلبه الأمر أن نذهب لمتجر التطبيقات ونبحث عما نريد من التطبيقات ونضغط على تنزيل (التالي.. التالي.. موافق.. مشاركة الموقع الجغرافي “موافق”، استخدام الكاميرا “موافق”، استخدام المايك ” موافق “، إمكانية الوصول الى الصور والفيديوهات موافق، التالي..التالي .. تهانينا.. لقد تم تحميل التطبيق بنجاح).
نعم تهانينا عزيزي المستخدم، لقد أصبحت للتو مستخدم لتطبيقنا الذي يعرف عنك كل شيء، هذه هي الرسالة الحقيقية التي تتجنب شركات التكنولوجيا إظهارها لك.
وسط هذا الواقع، تواجهنا يومياً الاسئلة المتكررة، هل يتم حقاً التجسس علينا؟ كيف يمكنني معرفة انهم يتجسسون علي؟
ويعج الفضاء الأزرق، والمواقع الالكترونية بسيل جارف من الأجوبة والتعليقات والمقالات، لكنها جميعاً لا تلبي شغف القارئ للوصول الى أجابه واضحة ( نعم أو لا).
كلا الإجابتين تحمل أسبابها ودوافعها ونظرياتها ومبرراتها، لكن الذي لا يمكن إنكاره ولا يحتمل أي تأويل هو أنه فعلاً… أجهزتنا تتجسس علينا.
أنشئت مواقع التواصل الاجتماعي، للتفاعل بين المستخدمين وتقريب المسافات ومشاركة حياتهم الاجتماعية فيما بينهم.
هذا ما نطلق عليه ” الجزء الجميل ” من وجهة نظر الشركة تجاه المستخدمين. لكن وجهة نظر الشركة تجاه المستثمرين هي جني الأموال، ويليها، التحكم بمصدر المعلومات وتدفقها، تعويم قضية معينة، إخفاء قضية أخرى. التضامن في الكوارث الدولية والمحلية والإقليمية لكسب التعاطف، واستمرار تدفق المستخدمين لهذه الشبكات.
بحسب البيانات الرسمية لشركة فيسبوك فإنه لديها: (مكاتب في 70 مدينة حول العالم ، 17 مركز بيانات حول العالم، 52,543 موظف بدوام كامل) , جميع هذه المكاتب والمراكز والموظفين تحتاج الى موارد مالية ضخمة ليتم تغطيتها، فهل سأل المستخدمون أنفسهم كيف يتم تامين هذه الموارد، وماهي العملية التجارية التي تجني من خلالها فيسبوك الأموال.
هذا السؤال ينطبق على كافة شركات التواصل الاجتماعي , إذ أنه لا تختلف حجم تكاليفها كثيراً، وتعتمد شركات التواصل الاجتماعي على الإعلانات بشكل رئيسي كمورد مالي لها، وعلى سبيل المثال:
فيسبوك: ٪ 98.5 من الوارد المالي يأتي من خلال الإعلانات.
تويتر: 82% من الوارد المالي يأتي من خلال الإعلانات.
سناب شات: 98% من الوارد المالي يأتي من خلال الإعلانات.
وكلما تنوعت الخدمات التي تقدمها الشركات تنوعت مصادر الدخل ولم تعد تعتمد على الإعلانات بشكل رئيسي
مثل شركة مايكروسوفت وامازون التي تعتمد تبيع منتجات وبرمجيات مما يحقق لها تنوع بمصادر الدخل.
بالعودة إلى سؤالنا المحدد، ولكن تم تغيير ” الأجهزة بالأنظمة “، فهل مازالت الأنظمة تتجسس علينا؟
سنخصص المقالة القادمة بإجابة محددة.