جسر:متابعات:
شهدت محافظة دير الزور، الغنية بالنفط، الواقعة في شرقي سوريا، تصعيداً بين السكان العرب المحليين وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يسودها الأكراد. وكان من المفاجئ للقوات الكردية والجيش الأمريكي أن المتظاهرين سيطروا على عدد من المدن والقرى، ويبدو أنهم على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك.
أفادت مصادر مقرّبة من “قسد” في البداية بأن المحتجّين حصروا مطالبهم في إيجاد الحل لعدد من المسائل الثانوية فقط، ولكن سرعان ما اتَّضح أن الأمر ليس كذلك، وأن المشكلة الحقيقية كانت متجذِّرة في وجود قسد في المنطقة. لم يضع المتظاهرون وقتاً للتحوّل من ترديد الشعارات إلى بسط السيطرة على البلدات، واستولوا في يوم واحدٍ على كلّ من شحيل والحوايج وذيبان، وأجبروا أفراد قسد على المغادرة قبل إغلاق الطرق.
اندلعت الاحتجاجات مباشرة عقب سلسلة من الاغتيالات لشيوخ قبيلتي العقيدات والبقارة، قُتل ثلاثة من مشايخ دير الزور في أقل من أسبوع، قُتل بالرصاص الشيخ سليمان خلف الكسار، من عشيرة العقيدات، في 30 يوليو/تموز، في بلدة البصيرة. وفي اليوم التالي قُتل الشيخ سليمان الويس من عشيرة البقارة، بعدما أطلق مسلحان على دراجة نارية عليه الرصاص في الرأس، في بلدة الدحلة. وأخيراً قتل بالرصاص الشيخ مطشر الحمود الهفل، في ضواحي الحوايج، يوم الأحد 2 أغسطس/آب. وأصيب أيضاً قريبه الشيخ إبراهيم الهفل بجروح، لكنه نجا.
في مصادفة غريبة، قبل أسابيع قليلة من الاغتيالات، تسلم مشايخ العشائر دعوة إلى لقاء مع قائد “قسد” مظلوم عبدي والجنود الأمريكيين. وبحسب ما ورد تضمّن جدول الأعمال مناقشة التعاون بين العشائر و”قسد”. وذكرت التقارير أن أحد الضحايا على الأقل، وهو مطشر الهفل، رفض المشاركة والتعامل مع الأمريكيين.
يمكن الحصول على نظرة ثاقبة على تفاصيل هذه الاجتماعات من خلال التقارير حول صفقة نفطية، يُزعم أنها وقعت من قبل “قسد” وشركة نفط أمريكية صغيرة معروفة “ديلتا كريسنت إنيرجي” (Delta Crescent LLC). مُنحت الشركة الأمريكية حقوقاً حصرية لإنتاج وتكرير وتصدير النفط من حقول دير الزور، التي من المحتمل أنها تحقق أرباحاً سنوية تبلغ مئات الملايين من الدولارات، وفقاً لتصريحات المسؤولين الأمريكيين. وقد قوبلت الصفقة بردِّ فعل قاسٍ من قِبل الحكومة السورية، التي وصفتها بـ”صفقة بين لصوص تسرق ولصوص تشتري”.
أفادت مصادر محلية بوجود الدلائل القوية على أن ضحايا الاغتيالات كانوا يشاركون في هذا الرأي ويعارضون الصفقة، إلا أن تصفية الشيوخ لن تحقق النتائج المرجوة بالعقول المدبرة لهذه العملية. حالة أخرى تضحي فيها الولايات المتحدة بحليفها الكردي في سوريا، وتجبر الأكراد على تحمل عواقب السعي العشوائي لتحقيق المصالح الأمريكية.
في الوقت نفسه، بدأت قيادة “قسد” بحشد القوى على مقربة من المناطق المتضررة من القلاقل. وصلت تعزيزات من الشدادي والسوسة وباغوز إلى القاعدة العسكرية الأمريكية، قرب حقل العمر النفطي، بالإضافة إلى ظهور مروحيتين أمريكيتين “أباتشي” في المنطقة. تؤكد هذه التطورات، مقترنةً مع عدم وجود المعلومات عن أي تواصل أو تفاوض بين “قسد” والمتظاهرين، أن “قسد” تعتزم استخدام القوة لتفريق الاحتجاجات.
هذه ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها “قسد” القوة حين تواجه الاحتجاجات والمعارضة من قِبل السكان المحليين، رغم أن هذا النهج لن يحقق النتائج الإيجابية. لقد تعرَّضت جميع المناطق التي تشهد الاحتجاجات حالياً لعشرات من عمليات الإنزال والمداهمات بقسد والقوات الخاصة الأمريكية. ولم يفشل البنتاغون في الإشارة إلى أن هذه العمليات أدت إلى القبض أو القضاء على إرهابيي “الدولة الإسلامية”. ما جاء دون ذكر في تقارير البنتاغون هو ما يُسمّى بـ”الأضرار الجانبية”، لاسيما الضحايا المدنيين الذين قُتلوا في عمليات الولايات المتحدة وحلفائها.
الاضطراب الحالي في دير الزور هو علامة أخرى على أن “قسد”، التي اعتادت أن تكون حركة مستقلة، صغرت حتى صارت وسيلة أو أداة نفوذ لواشنطن، لتجد نفسَها تُقاتل العواقبَ بدلاً من تحديد السبب الجذري وراءها؛ تفشي الفساد داخل الإدارة الكردية، والتدهور المأساوي للحالة الإنسانية.
انقلبت الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن السياسة الأمريكية المتغيرة باستمرار، أو حتى عدم وجود السياسة الواضحة، ضد واشنطن أخيراً. التصعيد الأخير في دير الزور ليس سوى نتيجة ثانوية لهذه السياسة سيئة التصميم، وهي قد تكون نذيراً على بداية النهاية لهيمنة الولايات المتحدة و”قسد” في شمال شرقي سوريا.
نشرت في عربي بوست