تزايدت المؤشرات إلى احتمال توسيع نطاق الهجمات العسكرية على مناطق في إدلب ومحيطها، رغم الجهود المبذولة من جانب تركيا لاحتواء الموقف ومنع انزلاق الوضع نحو مواجهة كبيرة، بالتزامن مع تصاعد لهجة التحذيرات الأميركية لموسكو من السماح للقوات النظامية بشن هجوم واسع.
وبدا لافتا خلال الأيام الأخيرة تركيز وسائل إعلام حكومية روسية على تعزيز الحشود حول إدلب تحضيرا لإطلاق عمل عسكري، في وقت تزايدت وتيرة الضربات الجوية التي تشنها طائرات روسية وأخرى سورية على المنطقة. وترافق ذلك مع صمت عسكري روسي رسمي، إذ تجنبت وزارة الدفاع الروسية إعلان موقف واضح حول طبيعة الحشود أو التحضيرات، في حين حافظ المستوى السياسي الروسي على موقفه المعلن حول ضرورة «الحسم العسكري لتقويض الوجود الإرهابي في إدلب» مع الإشارة إلى أن «موسكو لا تفضل الخيار العسكري حاليا لتجنب مفاقمة معاناة المدنيين» وفقا لتصريحات متطابقة تقريبا أطلقها كل من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. وفيما بدا تحذير الأخير واضحا من أنه «لا يمكن القبول بوجود إرهابيين في إدلب إلى الأبد» فإن بوتين كان أطلق إشارة لافتة قبل أيام عندما أكد أن «من يقوم بمواجهة محاولات الإرهابيين للتمدد أو شن هجمات في المناطق المجاورة لإدلب هي الحكومة السورية وليس نحن، وروسيا تقدم لها فقط الغطاء الجوي».
العبارة الأخيرة بدت وكأنها إشارة لها دلالة بأن موسكو لن تتمكن طويلا من ضبط تحرك النظام وأنه يقوم بـ«الرد» على استفزازات المتشددين المتواصلة.
في الوقت ذاته، أبرزت وسائل إعلام حكومية روسية أسبابا دفعت موسكو إلى التريث حتى الآن في إعطاء الضوء الأخضر لانطلاق عملية عسكرية في إدلب. بينها البعد الإنساني والسعي إلى السيطرة على إدلب عبر تأجيج الوضع الداخلي ومن دون تدخل مباشر للقوات المسلحة والعمل العسكري، وثانيا «المخاوف من قيام المسلحين بفبركة هجوم كيماوي، وقتل عدد كبير من المدنيين، لتأليب الرأي العام الدولي على روسيا وسوريا»، وثالثا مواجهة محاولات تركيا لاستخدام ورقة إدلب لتعزيز تحركاتها. ونقلت عن مصادر روسية وسورية تأكيدات أن «الجيش السوري لن يستمر طويلا في ضبط النفس، في ظل الاستفزازات المتكررة من قبل الإرهابيين، المتمثلة في إطلاق النار والقذائف على بلدات شمال حماة، لذلك الوقت بات قصيراً أمام تنفيذ الجيش السوري عملية جراحية موضعية ضد أهداف محددة».
في هذه الأجواء، بدا أن المحاولات التركية لمحاصرة مجالات توسيع احتمالات المعركة في إدلب لم تنجح في تخفيف وتيرة الاندفاع للتحضير لهجوم يبدو وشيكا وفقا لترجيحات الصحافة الروسية، بما في ذلك المحاولة التي تمت خلال مكالمة هاتفية أجراها أول من أمس الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع بوتين، ومساعي أنقرة للضغط على الفصائل المسلحة في إدلب لحملها على القبول بدوريات مشتركة تركية روسية وفقا لاتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ورأت مصادر روسية أن التحرك التركي يهدف لسحب الذرائع الروسية لدعم عملية عسكرية في إدلب، في حين تشير أوساط إلى أن مشكلة إدلب لم تعد تقتصر على تنفيذ التفاهمات بين الجانبين، إذ برز بعد آخر توليه موسكو أهمية خاصة يتعلق بالاتصالات التركية الأميركية الهادفة إلى التوصل إلى صفقة حول المنطقة الآمنة في الشمال السوري. وأعلنت أنقرة أمس أن هذه الاتصالات سوف تسفر قريبا عن توافقات حول الموضوع، وهو أمر تعارضه موسكو بشدة وترى فيه تطورا خطرا يمكن أن يقلب التوازنات التي أقامتها في سوريا بما في ذلك على صعيد تفاهمات الأطراف الضامنة في إطار «مسار أستانة».
ورأت مصادر تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن إدلب قد تدفع ثمن التفاهمات التركية – الأميركية في الشمال، لأن المعركة العسكرية في إدلب ستهدف ليس فقط إلى حسم مسألة سيطرة جبهة النصرة والفصائل القريبة منها على الجزء الأكبر من المدينة بل وبدرجة أهم إلى إعادة خلط الأوراق وتقويض الترتيبات التي تحاول واشنطن تثبيتها. وكانت موسكو حضت الجانب التركي على حل المشكلة الأمنية في الشمال السوري استنادا إلى اتفاق أضنة الموقع مع دمشق في العام 1998. مع ترك الباب مواربا أمام إدخال تعديلات على الاتفاق يتيح لتركيا حرية حركة أوسع في المناطق الحدودية لملاحقة المسلحين. علما بأن اتفاق أضنة كان يمنح أنقرة مجالات للتحرك في حدود خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية بينما تسعى تركيا عبر التفاهم مع الجانب الأميركي إلى ضمان شريط آمن يتجاوز 30 كيلومترا على طول الحدود بين البلدين.
في غضون ذلك، نفت وزارة الدفاع الروسية، أمس، صحة معطيات تداولتها وسائل إعلام حول مقتل 4 جنود روس جراء قصف للمسلحين في محافظة حماة السورية. وأفادت في بيان أنه «خلال الآونة الأخيرة، لم يقتل أي جندي روسي على أراضي الجمهورية العربية السورية. جميع ممثلي القوات المسلحة الروسية الموجودين في سوريا في أمان وسلام وبصحة جيدة ويؤدون المهام الموكلة إليهم». وكانت موسكو نفت أكثر من مرة في أوقات سابقة صحة معطيات مماثلة عن سقوط قتلى في صفوف قواتها وعادت للاعتراف بذلك في وقت لاحق. ما يعد مؤشرا إلى احتمال أن تكون مواجهات وقعت بالفعل، وأن موسكو تفضل الإعلان عن نتائجها عندما تكون الظروف مواتية.
وكان مركز المصالحة الروسي في سوريا، أعلن أول من أمس، أن «المسلحين منذ بداية شهر أبريل (نيسان)، حاولوا استهداف قاعدة حميميم الروسية الجوية ومواقع للقوات السورية في اللاذقية، باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ».
وأوضح رئيس مركز المصالحة الروسي اللواء فيكتور كوبتشيشين، أن المسلحين حاولوا 12 مرة تنفيذ هذه الهجمات، لكن تم صدها جميعا بنجاح. وأضاف كوبتشيشين: «من جانب الجماعات المسلحة غير القانونية الموجودة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، تستمر محاولات مهاجمة قاعدة حميميم الجوية، فضلا عن مواقع القوات الحكومية السورية في محافظة اللاذقية باستخدام راجمات الصواريخ والطائرات المسيرة».