جسر: خاص:
كشفت مظاهرات أهالي دير الزور، المُطالِبة بطرد الميليشيات اﻹيرانية من قراهم التي تحتلها، عن تناقض خفي بين مصالح الحليفين اﻷبرز “شرق الفرات”، التحالف الدولي و”قسد”، اﻷول يدعم الاحتجاجات المناهضة ﻹيران، بل ويحرض عليها، فيما يحاول الثاني كل جهوده في سبيل الحيلولة دون تطورها.
دعم التحالف لمطالب المتظاهرين بدا واضحاً ومفهوماً في سياق تلاقي مصالح الطرفين في إبعاد شبح النفوذ اﻹيراني عن مناطق “شرق الفرات”، وفي ريف دير الزور خصوصاً، فيما بذلت “قسد” كل جهد للحيلولة دون تطور اﻻحتجاجات وتحولها لمواجهة بين اﻷهالي والميليشيات اﻹيرانية قد تضطر للتورط فيها. عبرت “قسد” في حينها عن استيائها من دعم التحالف، وخاصة الاميركيين لهذه التظاهرات والحض عليها، ونقلت مصادر مطلعة عن قادة “قسد” أنهم يخشون تطور هذا الحراك المتنامي، ليتحول إلى صدام مباشر مع الميلشيات الإيرانية، وتجر إليه قسد، التي لا ترغب بهذه المواجهة، ولا تجد أن لها مصلحة فيها.
موقف “قسد” من التظاهرات دفع التحالف للتواصل مع اﻷهالي بشكل مباشر دون اللجوء لقنوات اﻹدارة الذاتية، فيما بدا تعبيراً واضحاً عن عدم رضاه عن الطريقة التي تتعامل بها “قسد” مع اﻻحتجاجات المتصاعدة ضد النفوذ اﻹيراني، وفور رفض اﻷهالي عرض وساطة روسية بينهم وبين إيران، سارع التحالف إلى توجيه دعوة للاجتماع بهم في حقل العمر، لمناقشة وضع المنطقة والوقوف على مطالب المتظاهرين.
انحصرت مطالب اﻷهالي الذين التقوا بممثلي التحالف في حقل “كونيكو” بانسحاب الميليشيات الإيرانية وقوات النظام وروسيا من ريف دير الزور الشرقي، وإيقاف عمليات الاعتقال التعسفي بحجة محاربة داعش، وكف يد “قسد” وتسليم الإدارة للأهالي، إضافة لمطالب معيشية تتعلق بدعم القطاع الزراعي ومشاركتهم في الموارد النفطية، رد التحالف في حينها بدعوة اﻷهالي لضبط النفس وتعهد برد حازم لقواته، وطرد اﻹيرانيين من المنطقة إما بالطرق السلمية او باستخدام السلاح، وأنه على تواصل مع الجانب الروسي وسوف يصلون إلى حل.
مع انطلاق عملية “نبع السلام” سارع اﻷمريكيون إلى سحب قواتهم من الشريط الحدودي في خطوة دلت على علمهم المسبق بالنوايا التركية، تاركين حلفاءهم في “قسد” لمواجهة مصيرهم أمام ثاني أكبر الجيوش في حلف شمال اﻷطلسي، ومع تصاعد تصريحات الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب عن ضرورة عدم تورط بلاده في الصراع التركي-الكردي، تصاعدت تهديدات قادة “قسد” فيما لو تخلى اﻷمريكيون عنهم، فلوحوا بورقة معتقلي داعش، اﻷمر الذي لاقى استهجان العديد من اﻷطراف، وانتهوا بعقد اتفاق مع النظام أمس، في خطوة لا يبدو أن اﻷمريكيين، ومن ورائهم التحالف، راضين عنها.
اتفاق “قسد” مع النظام، لا ينسجم بأي شكل من اﻷشكال مع التوجه العام للأمريكيين والتحالف الدولي شرق الفرات، لقد دعم اﻷمريكيون احتجاجات اﻷهالي المناهضة ﻹيران، وتعهدوا لوجهائهم بقطع دابر الوجود اﻹيراني في المنطقة، وحتى الانسحاب لصالح اﻷتراك، يمكن تفسيره من باب الضغط على حلفائهم في “قسد” الذين أبدوا في أكثر من مرة ميلاً لجهة إيران وروسيا، وتعنتاً أمام مطالب اﻷهالي المتصاعدة بحقهم في إدارة شؤونهم ومواردهم، أضف أن لقاء “كونيكو” بدا رسالة واضحة من التحالف لـ”قسد”؛ أن عليهم تغيير سياساتهم وحسم موقفهم من المنطقة وأهلها.
وعلى الرغم من التصريحات المتتالية للرئيس اﻷمريكي حول ضرورة الانسحاب من المنطقة، وإخلاء عدة قواعد أمريكية فيها، إلا أن قواته سارعت بالتدخل وتعطيل تنفيذ اتفاق قسد/النظام، فاستهدف طيران التحالف رتلا تابعا لقوات النظام في منطقة الرصافة جنوب غرب الرقة، كان في طريقه إلى الطبقة، ويبدو أيضاً أنه أوقف عمليات انتشار لقوات النظام، في سياق تنفيذ الاتفاق، في كل من المالكية ومنبج، التي تتوارد اﻷنباء عن تحضيرات تركية لدخولها، بعد تهديدات أطلقها مستشار الرئيس التركي قال فيها أن لا قبل لقوات النظام بمواجهة تركيا، وأن عليه التفكير قبل التوجه إلى المنطقة وتعقيد الأمور هناك، مذكراً إياه بوجود الجيشين، اﻷمريكي والتركي، فيها.
لا يعدو اﻻتفاق أن يكون ورقة ضغط أخيرة في جعبة “قسد” أمام تخلي الحلفاء في مواجهة تقدم متسارع ﻷشرس اﻷعداء، اتفاق قد يخلط اﻷوراق في منطقة تعج بالجيوش والميليشيات المسلحة، متنوعة الولاءات متضاربة المصالح، لكن لا يبدو أن لدى اﻷمريكيين أي نية في التخلي تماماً عن المنطقة لـ”قسد”، خصوصاً بعد اﻻتفاق مع النظام، الذي سيأتي بلا أدنى شك بمزيد من النفوذ الإيراني الذي لم يبد التحالف بقيادة أمريكا أي تسامح معه، وقدم أكثر من مرة، دعماً وتطمينات للأهالي المناهضين له، أضف أن نسبة كبيرة من منتسبي قوات سوريا الديمقراطية هم باﻷساس مقاتلون في صفوف الجيش السوري الحر، قاوموا النظام ومن بعده داعش، ودخلوا صفوف “قسد” بعد أن سيطرت على مناطقهم بدعم من التحالف، ولا يبدو أنهم بصدد القبول باﻻتفاق، الذي سيتركهم تحت رحمة نظام ناصبوه العداء لسنوات، ومن ورائهم يقف أهالي المنطقة المعارضين في معظمهم للنفوذ اﻹيراني.
ما إن صرح “مظلوم عبدي” عن نيت قواته عقد اتفاق مع النظام، في حال استمر اﻷمريكيون بالتخلي عن “قسد” أمام العملية التركية، حتى سارع وجهاء وشيوخ عشائر دير الزور، الرافضون للنفوذ اﻹيراني، إلى الاجتماع وبحث طريقة للرد على تصريحاته، وجهاء يمثلون أهالي منطقة تمتد على طول الفرات حتى الحدود العراقية، ومن ورائهم أبناؤهم المقاتلون في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، الذين تتوارد اﻷنباء عن رفضهم اﻻتفاق وتناديهم للحيلولة دون تنفيذه، فيما يبدو تمرداً على قيادة اﻷمر الواقع التي يخضعون لها في “قسد”، فهل يلتقي رفضهم بالرفض اﻷمريكي المتبدي في أكثر من موقف منذ إعلان اﻻتفاق مساء أمس؟