جسر: متابعات:
لا ينهي الاعلان عن مقتل حمزة بن لادن، إن صح، الحديث عن تجهيزه لخلافة والده مؤسس تنظيم “القاعدة”، بل وينهي أيضاً الحديث عن إمكانية انتقاله إلى سوريا، الخيار الذي كان متداولاً على نطاق واسع في الأوساط الجهادية السلفية، خاصة أثناء الخلاف بين “القاعدة” و”هيئة تحرير الشام” بين العامين 2016 و2017.
العام 2015 كان قد أزاح اللثام عن خلافات بين قيادة القاعدة وبين فرعها السابق في سوريا “جبهة النصرة”، لتبلغ ذروتها مع تغيير “النصرة” اسمها مرتين، وصولاً إلى إعلانها الانفصال عن القاعدة في حزيران/يونيو 2016. ورافق ذلك سجال جعل تفاصيل الخلاف وتبعاته معروفة للجميع. وأهم تلك التفاصيل هو زج قيادة “القاعدة” باسم حمزة بن لادن، في المعركة الإعلامية مع “هيئة تحرير الشام”، والترويج من قبل أنصار القاعدة لاحتمال انتقال بن لادن الابن إلى الشام لقيادة “القاعدة” هناك بشكل مباشر.
كان واضحاً مدى توجه قيادة “القاعدة” للاستثمار في اسم بن لادن، الذي يحظى بوقع كبير في الأوساط الجهادية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها زعيم القاعدة أيمن الظواهري، إلى استغلال الاسم لترجيح كفته.
وسبق أن أعادت “القاعدة” حمزة بن لادن إلى الواجهة خلال صراعها قبل ذلك مع تنظيم “الدولة الإسلامية”. ونشر إعلام “القاعدة” في آب/اغسطس 2015 التسجيل الصوتي الأول لحمزة، المولود في مدينة جدة عام 1989 من الزوجة الثالثة لأسامة بن لادن، ودعا فيه إلى “وحدة الفصائل الجهادية في بلاد الشام”، كما حث أنصار “القاعدة” في مختلف أنحاء العالم إلى “استهداف أعداء الأمة في كل مكان”.
تنظيم “الدولة الإسلامية” كان متنبهاً إلى رمزية اسم بن لادن في الصراع على زعامة التيار الجهادي، فتجنب توجيه أي اساءة إلى حمزة، بل وتجاهل تماماً الاسم، في الوقت الذي كان يشن فيه الهجوم تلو الآخر ضد قيادات تنظيم “القاعدة”، الذين وصفهم في أحد إصداراته عام 2015 بـ”يهود الجهاد”. “الدولة” سخر من الظواهري شخصياً، وبشدة، ثم كفّر “القاعدة” بشكل عام، واعتبر أنها “حادت عن منهج أسامة بن لادن والقادة المؤسسين”. تنظيم “الدولة” لم يتوان عن تسمية العديد من كتائبه ومعسكرات التدريب التي انشأها في سوريا والعراق باسم “بن لادن”.
وحمزة، وهو واحد من نحو عشرين ابناً لاسامة بن لادن، الذي تزوج ست مرات. وظهر في تسجيل صوتي ثاني في أيار/مايو 2016، تحدث فيه عن ضرورة نبذ الخلافات بين القوى الجهادية، خاصة في سوريا. وغاب بعد ذلك عن الظهور المباشر، على الرغم من التداول الواسع لاسمه ابان الصراع بين “القاعدة” و”هيئة تحرير الشام”، بعد الإعلان عن انفصال الجانبين. وروج أنصار “القاعدة” عام 2016 ومطلع العام 2017 عن قرب انتقال حمزة إلى سوريا.
ويبدو أن الترويج كان مدروساً، خاصة أنه جاء بعد شهور من الكشف عن بعض الوثائق التي عثرت عليها وكالة المخابرات الأميركية في مقر أسامة بن لادن في باكستان. وثائق أظهرت أن بن لادن الأب كان يُعدُ حمزة، رغم أنه الـ15 في الترتيب بين أولاده، لخلافته في زعامة “القاعدة”. ويقول أسامة في إحدى الرسائل التي عثر عليها مكتوبة بخط يده: “حمزة صلب ولا يخشى أن يختار بين النصر أو الشهادة”، ناهيك عن أنه رافق والده في العديد من مراحل حياته في أفغانستان وباكستان.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد بدت إمكانية وصول حمزة، المقيم حتى ذلك الوقت في إيران مع بعض قادة “القاعدة”، إلى سوريا ممكنة وقتها. وقد وصل عدد من قادة “القاعدة” من إيران إلى حلب وإدلب بالفعل، ومنهم القيادي المصري “أبو الخير المصري” الذي دخل سوريا عام 2016، بعد صفقة تبادل بين طهران وفرع “القاعدة” في اليمن، ليبارك بنفسه إعلان انفصال “جبهة تحرير الشام” عن “القاعدة”. وجعل ذلك من إمكانية سلوك حمزة الطريق ذاته محتملة.
الترويج لوصول حمزة إلى سوريا تصاعد أكثر بعد تشكيل فرع جديد لـ”القاعدة” في سوريا مطلع 2017، عقب إفراج “هيئة تحرير الشام” عن أربعة من قادة “التنظيم” انشقوا عنها ورفضوا انفصالها عن “القاعدة”. وجمع أولئك المنشقون بعض الكتائب الجهادية في تشكيل أطلقوا عليه اسم “حراس الدين”، الذي اعتبر منذ ذلك الوقت فرع “القاعدة” في سوريا. ودفع ذلك أنصار “القاعدة” للترويج عن قرب وصول حمزة إلى “الشام” ليكون على رأس التشكيل الجديد، بالقرب من القدس، التي أعلن في آخر تسجيل صوتي بث له “أن تحريرها هو الهدف الأهم للقاعدة”.
وعلى الرغم من استخدام قادة “هيئة تحرير الشام” وأنصارها سياسة الغمز بالإشارة إلى إقامة أيمن الظواهري وبقية زعماء تنظيم “القاعدة” في إيران، وعلاقتهم بها، وهو السلاح الذي سبقهم إلى استخدامه تنظيم “الدولة الإسلامية” في هجومه على “القاعدة”، إلا أن هذا الغمز لم يثن أنصار “القاعدة” عن الحديث عن إمكانية وصول حمزة بن لادن إلى سوريا، عبر صفقة ما مع إيران. وهو الأمر الذي أسهم في نجاح القادة المنشقين عن “هيئة تحرير الشام”، وعلى رأسهم الأردنيين سامي العريدي و”أبو جليبيب”، والسوري “أبو همام الشامي”، في استقطاب أعداد إضافية إلى “حراس الدين” الذي أسسوه ليحمل راية “القاعدة ” في بلاد الشام.
الفترة التالية على تأسيس “حراس الدين”، أي منذ العام 2017، شهدت غياباً كاملاً لاسم حمزة. وعلى الرغم من بث “القاعدة ” تسجيلات صوتية لأيمن الظواهري، وتنويع النشاط الإعلامي في العامين الماضيين، إلا أن أياً منها لم يتطرق الى حمزة. كذلك، قالت وسائل إعلام أميركية، أن حمزة قُتل في غارة جوية، في وقت ما خلال العامين الماضيين.
وكذلك، سيبقى المكان الذي قتل فيه بن حمزة، موضع تساؤل، خاصة في ظل الاحتمال بأن يكون قريباً من سوريا، أو في الطريق إليها، بالاعتماد على الضخ الإعلامي الذي استثمرته “القاعدة” حول هذا الأمر. فهل قُتِلَ حمزة، قبل عامين، وهو في طريقه إلى سوريا؟
المدن ٢ آب/ اغسطس ٢٠١٩