جسر: متابعات:
الخلاف السطحي بين موسكو وأنقرة، يتعلق بتفسير اتفاق سوتشي. لكن واقع الحال يكشف عن وجود مقاربتين، روسية حول النفوذ الإقليمي، وأخرى تركية تتعلق بالأمن القومي. ولا شك أن حدود الاختبار التركي لروسيا يعود إلى قرار الرئيس فلاديمير بوتين من جهة، وإمكانات الدعم التي يمكن أن تقدمها أميركا و”حلف شمال الأطلسي-ناتو” إلى أنقرة.
بعض تجليات اختلاف المقاربتين، أن الجيش التركي عزز قواته وكأنه يستعد لغزو سوريا ويشارك بشكل مباشر في دعم فصائل معارضة، والجيش الروسي يشارك بشكل مباشر في تقديم الدعم الجوي والبري لقوات الحكومة. أيضا، مقتل 13 جنديا تركيا بقصف من الجيش السوري وعدم تدخل موسكو لردع دمشق.
كانت روسيا أبرمت اتفاقات “خفض التصعيد” في أربع مناطق: غوطة دمشق، ريف حمص، وجنوب سوريا، وشمال غربها. توصلت موسكو إلى تفاهمات مع قوى إقليمية وأميركا كي تعود الحكومة إلى ثلاث من مناطق “خفض التصعيد” وترحيل معارضين إلى المنطقة الرابعة في ربيع 2018، ثم توصل الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان إلى اتفاق سوتشي في أيلول/سبتمبر 2018، كان يعتقد الجانب التركي أنه بالإمكان الوصول إلى تفاهمات رئاسية ومقايضات مناطقية سورية، والعلاقات الاستراتيجية الثنائية ستترك المجال كي يكون وضع إدلب مختلفا، أو على الأقل سيكون هناك تفاهم حول الوضع النهائي في إدلب مع ربطه بالملف الكردي ومآلات الأزمة السورية.
فوجئ الجانب التركي بإصرار موسكو على الانخراط في الفترة الأخيرة في دعم تقدم قوات الحكومة السورية شمال حماة، وجنوب شرقي إدلب، وجنوب غربي حلب، وتقديم طهران الدعم البشري لهذا الهجوم. أي قيادة وزارة الدفاع للموقف الروسي. وفوجئ الجانب الروسي بإصرار أنقرة على وضع حدود لتقدم القوات السورية حيث انها تربط إدلب بالأمن القومي ومخاطر تدفق اللاجئين والإرهاب. وذهب الطرفان يتبادلان الاتهامات بعدم تنفيذ بنود اتفاق سوتشي. أنقرة، تقول إن موسكو خرقت الاتفاق بأنها شاركت في العمليات العسكرية وتوغلت إلى ما وراء خطوط التماس التي عبرت عنها النقاط التركية الـ12، بحيث باتت ثلاث نقاط محاصرة ومعزولة. “الأخطر” بالنسبة لها، أن الجيش الروسي لم يمنع الجيش السوري من قتل الجنود الأتراك. موسكو، تقول إن أنقرة لم تنفذ بندين في اتفاق سوتشي يتعلقان بـ”فصل المعتدلين في المعارضة عن الإرهابيين وحل مشكلة (هيئة التحرير الشام)، إضافة إلى عدم فتح الطريقين الدوليتين بين دمشق وحلب وبين حلب واللاذقية”.
حاول الطرفان الوصول إلى استعادة تنفيذ اتفاق سوتشي. عقدت جلسات في أنقرة. تبادل الطرفان الاتهامات. موسكو أصرت على فتح الطريقين ووقف هجمات المسلحين على قاعدة حميميم ومناطق الحكومة وقواتها. أنقرة اصرت على عودة قوات الحكومة إلى النقاط السابقة للتماس، حتى أن الاتصال الهاتفي بين بوتين وإردوغان مساء أول من أمس، لم يصل إلى نتيجة. الاختراق الوحيد، كان أنهما اتفقا على عقد جلسة تفاوض جديدة في موسكو. حتى أن الهدنة الكلامية بين الطرفين، لم تصمد طويلا. عاد إردوغان إلى التهديد بالرد على أي هجوم على جنوده. وضع أربعة خطوط حمراء: عودة قوات الحكومة السورية إلى خطوط سوتشي قبل نهاية الشهر، استخدام القوة التركية في تنفيذ ذلك بعد المهلة، تحييد الطائرات من قصف الأماكن السكنية المدنية في إدلب، الرد على أي استهداف لجنود أتراك بغارات أوسع من مصدر القصف. كما أن الكرملين تدخل للرد على إردوغان بتحميل أنقرة مسؤولية الهجمات، ثم تدخلت وزارة الدفاع بتحميل الجيش التركي “سوء الوضع”.
لا شك أن إردوغان يختبر بوتين. لكن القرار مرتبط بإمكان التحرك بعيدا من “ضوء أخضر” روسي. أيضا، مرتبط بإمكانية الدعم القادم من واشنطن و”حلف شمال الأطلسي-ناتو”. وزير الدفاع التركي خلوصي أكار طلب من نظيره الأميركي مارك إسبر في بروكسل “تقديم أميركا وحلف الناتو مساهمات ملموسة أكثر حول التطورات في إدلب”. الرد الأميركي جاء في شكل غير مباشر من مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، الذي قال إنه “من المستبعد أن تتدخل أميركا عسكريا في إدلب، وأن واشنطن ليست ملزمة بحل المشاكل القائمة في تلك المنطقة”. وزاد: “واشنطن ليست في وضعية تلزمها وقف الفاعليات السيئة للنظام وروسيا وإيران”، مشيرا إلى “عدم وجود شيء سحري لإنهاء الوضع السيئ في إدلب”. وقال مسؤول غربي إنه من المستبعد تفعيل المادة 5 من ميثاق “ناتو” في دفاع الدول الأعضاء عن بعضها بعضا؛، إذ إن مقتل الجنود الأتراك حصل في سوريا وليس في تركيا.
عليه، بات مستقبل إدلب رهن الحدود التي سيذهب بها إردوغان واستعداد بوتين للمغامرة بعلاقة مع “شهر العسل” بدولة عضو في “ناتو”، وعمق الدعم الأميركي وما إذا كان سيقتصر على كلمات المبعوث جيمس جيفري عن الدعم باللغة التركية لدى وصوله إلى أنقرة مساء أول من أمس.
جولة المفاوضات المقبلة، ستكون اختبارا ما بين “الطلاق” الروسي – التركي او صوغ نسخة جديدة من اتفاق سوتشي… بانتظار جولة جديدة!
(الشرق اﻷوسط)