عقيل حسين
منذ نشوء التيار السلفي الجهادي، كان لافتاً أن أشرس المعارك هي تلك التي تدور بين الجهاديين أنفسهم، الذين إذا ما اختلفوا بين بعضهم بعضاً، يكون كل منهم على استعداد تام لتدمير الآخر وسحقه جسدياً ونفسياً.
حقيقة حملت الأيام الأخيرة الماضية تأكيداً جديداً عليها، بالنظر إلى الشتائم والتشهير والتهجم الشخصي، ناهيك عن الاتهامات الخطيرة التي تبادلها أنصار وقادة هيئة تحرير الشام مع خصومهم من الحركة الإسلامية والتيار الجهادي مؤخراً، تظهر من جديد مستوى الأزمة الأخلاقية قبل السياسية التي يعيشها هذا التيار.
لم يتوانَ أنصار الهيئة وبعض قادتها أيضاً عن استخدام أقذع الألفاظ والعبارات ضد خصومهم، بما في ذلك سيدة كانت بالأمس إلى جانبهم وجزءاً من مشروعهم، لكنها عندما اختلفت معهم بدؤوا بشن حرب نفسية عليها، قالت هذه السيدة إنها شملت إضافة حسابها على مجموعات إباحية بهدف التشهير بها!
تجاوز الأمر حد الإساءة الشخصية لهذه السيدة لتصل إلى زوجها الذي اتهم من قبل الطرف الآخر (بالدياثة الفكرية!)، وكذلك مؤيديها الذين تم اعتبارهم (أشباه رجال) تقودهم امرأة..إلخ من هذه العبارات القاسية التي طفحت بها حسابات أنصار “تحرير الشام”، فقط لأن هذه السيدة قالت إنها تعمل على إطلاق مشروع سياسي جديد.
ما سبق تزامنَ مع ظهور (أبو العبد أشداء) أحد قادة الهيئة في تسجيل مصور، هاجم فيها قيادة التنظيم ووجه لها فيه اتهامات بالفساد المالي والاستبداد والتسلط والتهاون العسكري والتقصير الخدمي، وهي اتهامات كان قد سبقه إليها قادة آخرون مستقيلون من الهيئة، وشخصيات وازنة في التيار الجهادي الداعم لها.
كل هذا التاريخ المشترك لم يكن كافياً لإبقاء الخصومة بين أصدقاء و(إخوة الأمس) في دائرة الخلاف وتباين وجهات النظر
إلا أن كل هذا التاريخ المشترك لم يكن كافياً لإبقاء الخصومة بين أصدقاء و(إخوة الأمس) في دائرة الخلاف وتباين وجهات النظر، الأمر الذي يذكّر بسلسلة طويلة ومؤلمة من الإسقاط والحرب النفسية والإعلامية التي شنها هذا التيار ضد خصومه من التيارات الأخرى، أو الناشطين المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي تيار سياسي أو أيديولوجي.
لقد استخدم هذا التيار كل الوسائل والأدوات الممكنة وغير المشروعة في النيل من المختلفين معه، ولم تكن داعش حالة فريدة على هذا الصعيد، رغم كل ما حاول بقية الجهاديين إظهاره من تمايز وأفضلية، فلم يتوانَ أتباع مختلف تشكيلات هذا التيار، وفي مقدمتهم أتباع وأنصار بل وحتى قادة هيئة تحرير الشام، عن تخوين وتفسيق وتكفير وتشويه سمعة خصومهم، سواء الذين نجَوا منهم أو أولئك الذين اعتقلوهم أو اغتالوهم!
المفارقة التي يعرفها الكثيرون أن ضحايا اليوم هم شركاء جرائم الأمس بشكل أو بآخر، والذين اعتقتلهم هيئة تحرير الشام أو الذين بدأت بتشويه سمعتهم والإساءة لهم والتعرض لشخوصهم وعوائلهم والتعريض بأخلاقهم وتاريخهم خلال الفترة الأخيرة الماضية بسبب انتقادهم لها، ممن كانوا حتى الأمس القريب جزءاً من الهيئة أو من أشد داعميها أو من المدافعين عنها، لم يتوان أكثر هم في السنوات السابقة عن المساهمة في الحرب التي كانت تشنها تحرير الشام ضد خصومها ومنتقديها، بمن فيهم تلك السيدة التي بدأنا الحديث عنها.
لقد وقف هؤلاء إلى جانب تحرير الشام في قتال الفصائل وتصفيتها، وشاركوا معها في تخوين الناشطين، والتصدي للمنتقدين وتلفيق الاتهامات لهم، والدفاع عن ممارسات قادتها وأمنييها، واعتبار كل مختلف معها خائناً أو ربما مرتداً!
ما قاله خصوم الهيئة المستجدون وما ساقوه من اتهامات وما كشفوه من تجاوزات وما قدموه من وقائع وشهادات لم تحمل جديداً يُذكر
ما قاله خصوم الهيئة المستجدون وما ساقوه من اتهامات وما كشفوه من تجاوزات وما قدموه من وقائع وشهادات لم تحمل جديداً يذكر، لكن هؤلاء أنفسهم كانوا يعتبرون من يشير إليها (عدواً للدين)، متآمراً مع الأعداء أو مستأجراً من قبلهم، واليوم يجدون أنفسهم في موقف ضحاياهم، متهمين بكل ما اتهموهم به، محاربين بالأسلحة ذاتها التي كانوا يستخدمونها ضدهم.
لم يقدم هؤلاء أي اعتذار لضحاياهم السابقين، ولم يعترفوا لهم بأنهم كانوا على حق حين انتقدوا، وأنهم كانوا مظلومين حين أُتهموا وحين لوحقوا واعتقلوا وعذّبوا، وحين خُونوا وكُفروا وشُردوا وهُجروا..وحتى وهم يؤكدون كل ما قاله ضحاياهم سابقاً، لم يتنازلوا ويقدموا اعتذاراً بسيطاً لمن أساؤوا إليهم وشاركوا في جريمة قتلهم المادية والمعنوية!
لا يمكن التصديق بأي حال أن هؤلاء اكتشفوا فجأة كل هذه المثالب وأنها كانت خافية عنهم، وعليه، لا يمكن وضع هذه الأزمة بينهم وبين الهيئة خارج سياق خلافات الأسرة الواحدة من جديد، لذا فإن ما يحدث هو أن تحرير الشام، وباختصار، تأكل أبناءها العاقّين!
المصدر: تلفزيون سوريا-١٧-٩-٢٠١٩