جسر: خاص:
أوضح الباحث في شؤون الحركات الجهادية في مركز جسور للدراسات عرابي عبد الحي عرابي في تصريح خاص لصحيفة جسر أن معظم نشاط تنظيم “داعش” في سوريا يتركز في المنطقة الشرقية (ديرالزور، الرقة، الحسكة)، ولذا فإنّ تحليل سياق حضورِ التنظيم يعزّز من فهم طبيعة عمل خلاياه ومناطق انتشارها، فعلى سبيل المثال بلغت عمليات التنظيم المؤكّدة في المنطقة الشرقيّة 197 عمليّة في الأشهر الأربع الأولى من العام 2020، منها 162 عمليّة في ديرالزور، وذلك بنسبة 82.2% من مجموع عمليّاته في المنطقة، تليها الرقّة بواقع 9.1% ثم الحسكة بواقع 8.6%.
وأشار إلى أنه من المهم ملاحظة أن مُعظَم عمليّات التنظيم تقع في ناحية ذيبان على الرغم من أن معظم عمليات الإنزال تقع إما في ناحية البصيرة أو جديد عكيدات، وهذا يؤكد أن التنظيم أرسى هيكليّة جديدة بحيث إن وقعت مجموعة أو شخص في الأسر فإنه لن يستطيع الإخبار بما هو خارج عن المجموعة التي هو فيها، ولذلك تنحصر عمليات الإنزال المحدّدة مسبقا في أماكن حصلت فيها اعتقالات سابقة.
كما يستطيع التنظيم التحرّك بحرّيّة كبيرة في مناطق ريف ديرالزور الشرقيّ، وهذا يدلّ على وجود خلايا فاعلة له في المنطقة خاصّة في ناحيتي ذيبان والبصيرة، وبمتابعة تحركات التنظيم فإنه أعلن عن نفسه، بطريقة غير عشوائية، وعن وجوده في أسواق ناحية البصيرة وذيبان بشكل متكرر عبر تكسير محلّات بيع التبغ، أو المطالبة بإتاوات، أو تهديد أشخاص بالقتل لتعاملهم مع “قسد”، كما يبعث برسائل التهديد لعناصر اﻷخيرة بين الفينة والأخرى عبر الرسائل نصيّة المرسلة إلى هواتفهم، أو من خلال بث الإشاعات أو لصق المنشورات على الأبواب، وفي الأماكن العامة، وذلك بهدف تأكيد حضوره الأمني في المنطقة، مما يؤكد أن حضوره متصل بأفراد مرتبطين بالنسيج المحلّي، ويثبت عدم تحقيق التحالف قضاءه النهائي على خلايا التنظيم على الرغم من عمليّاته المستمرة في المنطقة والاعتقالات والمداهمات التي يستمر بتنفيذها.
وتهدف ضربات التنظيم المتزايدة ضد “قسد” إلى تصفية شبكتها الأمنيّة ودفعها للاستنفار الدائم والمُرهق لها؛ فيما تهدف ضرباته ضد النظام إلى الاستيلاء على الآليات والذخائر المتنوّعة.
بالتأكيد فإن عامل التهريب من العراق إلى سوريا يؤدي دورا أساسيّا في تعزيز إمكانات عناصر التنظيم في المنطقة، إضافة إلى عمل بعض خلايا التنظيم على التخفّي داخل بعض القرى واستقطاب الشباب إليها، فيما يتكفّل عناصر التنظيم المتنقّلين بين سلسلة جبال البشري وقرى ديرالزور بنقل المعدّات والخطط والتوجيهات وتبديل العناصر بين الفترة والأخرى، كما أن متابعة تحركات التنظيم تشير إلى أنه يستطيع المناورة والتحرّك وجمع التمويل اللازم له عبر قنواته المكونة من عدة أشخاص يجبون له الأموال تحت مسمّيات الزكاة والضرائب.
وعلى الرغم من تركيز “داعش” هجماته في المنطقة ضدّ “قسد”؛ إلا أنّ عملياته ضد النظام وحلفائه فيها تصاعدت في الآونة الأخيرة، وقد تركّزت معظمها في ناحية الميادين والبوكمال في ديرالزور، فيما تركّزت بقية العمليات الأخرى في ناحية الرصافة جنوبي الرقة. إضافة إلى عملياته على طريق تدمر-ديرالزور. وقد نفّذ التنظيم هذه العمليّات بطابع يختلف عن عملياته ضد قسد، حيث كان الهجوم الواسع هو التكتيك الأكثر بروزا ضد قوات النظام وحلفائه، تليه عمليات الاغتيال والعبوات الناسفة، وحلّت عمليات الاستهداف عن قرب في نهاية الترتيب، وذلك يدلّ على أن التنظيم يستغل طبيعة الأرض واتساع مساحتها لينفّذ هجمات مباغتة ضد قطع الجيش القريبة من الحدود العراقيّة وضد أرتاله المتحرّكة في المنطقة وتصفية العناصر غير المفيدين له أمنيا أو ماليا من الذين يقعون أسرى في قبضته.
ومن الناحية الاجتماعية بيّن الباحث في مركز جسور للدراسات أن التنظيم قد زاد من أنشطته الدينية والاجتماعية وتدخّله في الحياة اليومية، حيث تزور مجموعات متغيرة من التنظيم وبشكل متكرر المتاجر والدكاكين في نواحي ريف ديرالزور الشرقي وجنوب الرقة، وتطلب من الباعة عدم بيع التبغ، كما قاموا بتكسير عدة محلات بسبب بيعها للخمور. إضافة إلى الطلب من النساء العودة إلى المنازل وعدم توظيفهن في المتاجر لكونه أمر مخالف للشريعة، في تذكير واضح بأنشطة الحسبة التي كانت تقوم بها مجموعاته أثناء سيطرته الجغرافية على المنطقة.
كما استفاد التنظيم من أجواء الحظر الصحي بزيادة عمليّاته الأمنيّة، إلا أن الاعتقالات التي نفذها التحالف بوجود “قسد” ضد قيادات ماليّة أو مسؤولي تواصل؛ قد تؤثر على قدرته في التحرّك مؤقتا، ويتوقع أن تزداد وتيرة عمليّاته لاحقا، وهذا يشير، مرة أخرى، إلى أن التنظيم يتبع نموذج خلايا العناقيد حيث تعتمد المجموعات القريبة على التواصل القريب عبر فرد واحد (ساعي البريد) وتقوم الخلايا بتحديد أهدافها بما تمتلكه من شبكات وإمكانات ذاتيّة.