جسر: ثقافة:
شكّلت الأمراض هواجس عديدة عند القدماء محاولين التخلص منها عبر اكتشاف العلاج لكل جائحة، إلا أنهه لجأوا في معظم الأحيان إلى التعاويذ والرقى؛ رغبة منهم في إخلاء مسؤوليتهم وتبرير جهلهم بهذه الأمراض عبر عزوها إلى قوى شريرة خفية كانت تترصد بهم، وأن على الإله الاستجابة لابتهالاتهم لينقذهم من هذه الأمراض.
مرّ الإنسان خلال مسيرته الطويلة بالعديد من الأمراض واﻷوبئة، منها ما كان ذو تأثير محدود النطاق، ومنه ما كان فتّاكاً حصد أرواح الملايين من البشر، وقد أشارت النصوص الأثرية بشكل عام إلى أن الأمراض لا تحل إلا بسبب غضب الآلهة أو الأرواح الشريرة والسحر، عدا عن اعتقاد القدماء بأن الآلام والأسقام التي يعانون منها لا تصيبهم إلا نتيجة لآثام قاموا بارتكابها كنوع من العقاب أو بسبب غضب الآلهة والأرواح الشريرة عليهم بهدف تلقين الإنسان درسا في الحياة أو القضاء والقدر، وهنا لا بد له من تلاوة الصلوات وقراءة التعويذات التي تلائم تلك الأمراض، حيث عُثر في مصر القديمة وحدها على أكثر من 700 تعويذة للعديد من الأمراض.
وعلى الرغم من توصل الحضارات القديمة لبعض الوسائل التي تحد من الأمراض عن طريق العلاجات والأدوية أو عن طريق الوقاية، استمرت اﻷوبئة في الظهور واﻻنتشار، مثل الطاعون الأنطوني الذي اجتاح الإمبراطورية الرومانية خلال خمسة عشرة عاما امتدت بين 165 ـ 180 ميلادية، وتسبب في موت حوالي 5 ملايين شخص، أو طاعون جستنيان منتصف القرن السادس الميلادي، والذي يعتقد أنه حصد أرواح أكثر من 30 مليون شخص حول العالم، ومرض الجدري الذي أودى بحياة أكثر من 50 مليون شخص مطلع القرن السادس عشر، أو الكوليرا بين عامي 1817 و 1932.
الموت القادم من الشرق عبر التاريخ
في استعراض لتاريخ الأمراض واﻷوبئة، نجد أن بدايات معظمها كانت من الشرق، من الصين أو من الأقاليم الجغرافية المحيطة بها، ففي عام 735 واجهت اليابان كارثة مرضية قد تكون الأقسى في تاريخها وهو وباء الجدري الياباني، حيث كانت بداية انتشار هذا المرض من طوكيو وذلك في عهد الإمبراطور شومو (701 ـ 756 م)، وانتشر غربا بعد إصابة أحد البحّارة الذي دفعته الأمواج حاملا المرض إلى شبه الجزيرة الكورية، وقد تسبب هذا المرض بتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية بشكل كبير، وهجرة سكان المدن، كما فقدت البلاد حينها حوالي 30% من إجمالي عدد سكانها.
أما في منتصف القرن الرابع عشر فقد ظهر الطاعون الدُّملي والذي أُطلق عليه أيضا العديد من اﻷسماء؛ الموت الأسود، الطاعون الأسود، الموت العظيم، ويُعتقد أن بدايته كانت في الصين أو في الأقاليم المحيطة بها (شمال الهند أو سهول أواسط آسيا)، ومنها انتقل إلى معظم أرجاء القارة الأوروبية عن طريق إيطاليا، ومنها إلى معظم دول العالم، حيث قتل هذا الطاعون في الصين وحدها ثلث السكان، وزاد مجموع ضحاياه حول العالم عن 200 مليون شخص.
في منتصف القرن التاسع عشر ظهر في الصين أيضاً، في مقاطعة يونان تحديدا، الطاعون المعروف بـ”الوباء الثالث”، والذي انتشر وقتها ليقتل أكثر من 12 مليون إنسان في الصين والهند فقط، وظل العالم يعاني من آثاره أكثر من مئة عام امتدت بين 1855 و1959، وتشير المصادر الطبية إلى أن انتشار هذا الوباء جاء من مصدرين هما تجارة المحيطات عبر نقل الناس والجرذان على متن السفن، والآخر هو مرض يصيب الرئة مسبباً السعال وضيق التنفس وثم الموت. وحصد هذا الوباء في تلك الفترة أرواح أكثر من 12 مليون شخص. فيما تسبب مرض الإنفلونزا الآسيوية التي ظهرت في الصين أيضا بوفاة مليون شخص في عام 1956، كل ذلك عدا عن أمراض أخرى كالكوليرا والإيدز وجوائح الإنفلونزا المختلفة.