جسر: متابعات
توفيت أميرة الأسد صباح اليوم، الزوجة الأولى لرفعت وابنة عمه، وأم أولاده مضر وفراس وتماضر.
وفي هذا الإطار نشر الصحفي حسام جزماتي على صفحته في “فيس بوك” مقالاً سبق ونشر على موقع “تلفزيون سورية” تحدث فيه عن عائلة رفعت الأسد، وجاء فيه:
لا يعرف كثيرون أن دريد ليس الابن البكر لقائد «سرايا الدفاع» الذي تكنّى به لسبب نجهله. إذ لطالما كانت أخبار آل الأسد جزءاً من أسرار الدولة التي يجب أن تبقى في الظل، منعاً لفهم ما قد تلعبه من دور في تركيبة النظام وتبيّن أوزان الفاعلين فيه، وفضائحهم، وطبيعة العلاقات الأهلية التي تدعمه وتضفره.
تختلف أهمية فروع شجرة العائلة. ويشغل الجذع المنبثق عن رفعت حصة أكبر من الغموض والإثارة بسبب تعدد الزيجات والأبناء، وتفاوت درجة الأضواء التي تلقى على كل منهم في منفاهم الأوروبي الباذخ، حسب تمثيل كل منهم لأبيه في هذه المرحلة أو تلك، في الأعمال والسياسة والعلاقات، وورود اسم أحدهم في تحقيق صحفي أو قضائي يتعلق بمصادر الثروة أو إدارتها أو التحايل على القوانين والضرائب أو طلب الجنسيات… إلخ.
يصعب حصر الزيجات المؤقتة المنسوبة لأبي دريد، ويكاد يكون من المتعذر إحصاء علاقاته النسائية. ويذهب بعضهم إلى أن كشفها -المستحيل- كان سيغذّي تاريخ سورية المعاصر بمعلومات ثرة، سياسية واجتماعية وفنية وإعلامية وسواها، طيلة عقدين قضاهما يتدرج في سلم القوة في ظل أخيه حافظ، منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في 1963 وحتى صدام الأخوين وخروجه من البلاد عام 1984.
الجزء الطافي على السطح من دفتر عائلة رفعت علي سليمان الأسد هو أربع زوجات، أنجبن له ثمانية من الذكور ومثلهم من الإناث.
ربما في عام «ثورة» آذار نفسه، مع انضمامه إلى دورة ضباط مكثفة ابتدعها الحكام البعثيون الجدد لإلحاق أقاربهم وأنصارهم في الجيش، مما سيفتح له باب الصعود المطّرد؛ سيتزوج رفعت لأول مرة، وهو في السادسة والعشرين من عمره، أميرة ابنة عمه الوحيد عزيز، التي كانت تكبره بحوالي العام.
الأرجح أن ترتيباً عائلياً هو ما دفع الشاب إلى الزواج. ربما لعب أبوه، وهو في السنة الأخيرة من حياته، دوراً في ذلك. فالمؤكد أن رفعت لم يكن شديد السعادة بهذه الزوجة التي سيهديها «ضرّة» في العام التالي مباشرة، بعد أن أنجبت ابنه البكر مضر (1964) وابنته الشهيرة تماضر، وستنجب فراس (1966).
بدت الزوجة الثانية لائقة أكثر بضابط طامح. سلمى مخلوف، المعلّمة المناضلة المثقفة من بستان الباشا، قريبة أنيسة زوجة أخيه القدوة. كانت سلمى قوية ومعتدة وذات مظهر عصري. وهي التي ستنجب دريد (1965) وعدداً من الإناث. غير أننا سنتابع سلالة الذكور فقط.
ستُركَن ابنة العم في الهامش وتعاني الظلم والإهمال فتتراوح بين الحزن والتدين، فيما ستصبح ابنة مخلوف الزوجة «المعتمدة». غير أن هذا سيقودها إلى قدَر مألوف ستعانيه، مثل كثير من زوجات المسؤولين البعثيين القادمين إلى العاصمة بزوجات من أصول ريفية في السبعينات، وهو «الضرّة الشامية»!
مع رجاء بركات، أم سومر (1972) وسوار (1975)، ستبدأ معالم الثروة والأعمال والشراكات. باسمها ستسجَّل أراض شاسعة تم الاستيلاء عليها قرب مطار المزة العسكري على كتف دمشق. وبعد خروجها من البلاد، بصحبة زوجها، ستحصل، مع والدها ووالدتها، على وظائف شكلية في البعثة السورية لدى الأمم المتحدة بجنيف. وفي العام الماضي سيتردد اسمها بعدما قرر قاضي محكمة التحقيق بماربيا الإسبانية استدعاءها للشهادة في قضية فساد عقاري منسوبة إلى زوجها. كما شمل الاستدعاء «ضرّتها» الأخيرة لين الخيّر.
كانت أم ريبال (1975) وعلي (1981) ومحمد رفعت (1996) قد جمعت أطرافاً عديدة من المجد مما أهّلها لتكون الزوجة الختام. فبالإضافة إلى انتمائها إلى عائلة شهيرة من القرداحة وتقيم في دمشق، كانت والدتها سلمى نجيب إحدى خمس نسوة لعضوية «مجلس الشعب» في الدورة (1973-1977). وقد لعبت، مع زميلاتها، دوراً كبيراً في تمكين الاتحاد العام النسائي الذي كانت نائبة رئيسه وإقرار القوانين الداعمة له، فضلاً عن ترؤسها عدداً من لجان المجلس الفاعلة. أما لين نفسها فقد درست في كلية الطب بجامعة دمشق وحازت الاختصاص في طب العيون في احتفال لافت حضره زوجها الذي قدّم لها بروشاً عملاقاً من الألماس يمثل شعار دورات «الصاعقة» التي كان يشرف عليها، بالإضافة إلى دورات القفز المظلي التي كانت هذه الصبية الحسناء قد شاركت في إحداها مع بعض أبناء «سيد الفرسان» وبناته في مطلع الثمانينات. وأخيراً فإن أخوة لين، وخاصة المهندس حسان الذي يقيم في باريس، والدكتور سامر، لعبوا دوراً هاماً في إدارة ثروة صهرهم وتحريكها، وربما إدارته هو نفسه، كما يلمّح المنشور المدوّي لفراس الأسد على فيسبوك. هدفت السطور السابقة إلى رسم المعالم الأساسية للبلاط الأسري الصغير لرفعت الأسد، متجاهلة الإناث اللواتي ارتبطن بزيجات عزّزت نفوذ أبيهم، في كثير من الأحيان، عبر المصاهرة مع مسؤولين كبار في النظام. كما أغفلنا الجيل الثالث من الأحفاد الذين نشؤوا في الخارج، فلهؤلاء تركيبة مختلفة بحكم دراستهم في فرنسا أو بريطانيا أو سويسرا أو إسبانيا، واختلاطهم الوثيق بالزملاء والمحيط وتأثيراته.
يبقى أن نشير إلى أن تباين طبائع هؤلاء الأبناء وتوجهاتهم بحكم اختلاف أمهاتهم هو أمر نسبي إلى حد كبير، إذ لطالما نظر «القائد» إلى ذريته بوصفهم أولاده بغضّ النظر عن الولّادات. ومن هنا فإن تفسير المواقف المناهضة للنظام التي عبّر عنها فراس، بوضوح وشجاعة متزايدتين عبر السنوات، بمجرد الاستياء من طغيان والده والانحياز إلى عذابات والدته المضطهَدة هو تفسير قاصر، على الرغم من أن ذلك ربما نثر بذور الاعتراض في نفسه بشكل مبدئي مبكر. أما إحالة الموقف من المقتلة السورية الكبرى إلى أسباب شخصية فهي محاولة لتقزيم هذا الرأي والتقليل من أهمية صدوره عن فرد من العائلة «الحاكمة». وهو ما يهدف إليه دريد في تعقيباته على ذكريات أخيه، حين يدعوه إلى حل «الخلاف» في البيت لا أمام «الغرباء» من السوريين الآخرين على فيسبوك، وفيهم الشامتون و«المصطادون في الماء العكر»، ويبدي أسفه لما يُظهره فراس من «عقوق» وزيغ عن «صلة الرحم» الواجبة وأبسط بدهيات «برّ الأب»!