جسر – (خاص)
تسع سنوات مرّت على إسقاط أول طائرة حربية مقاتلة لقوات نظام الأسد، بعد نحو عام ونصف من انطلاق الثورة السورية ضد حكم آل الأسد.
في صباح يوم الاثنين 13 آب/ أغسطس من عام 2012، شهدت مدينة الموحسن بريف دير الزور الشرقي استعراضاً جوياً لطائرات النظام الحربية، والتي كانت آنذاك في جولة يومية، لقصف لمنطقة بوابل من الصواريخ بشكل عشوائي، بهدف القتل والتدمير.
طائرة “ميغ – 23” تابعة لقوات النظام كانت تحلق في سماء المدينة على ارتفاع منخفض، وتؤدي حركات استعراضية، لترهيب السكان، وفيما كان قائدها العقيد الركن الطيار مفيد سليمان يستعد لإطلاق صواريخها على الأهالي عقب استهدافه مسجداً، فوجئ برشقة من مدفع رشاش عيار ١٤،٥ ملم تضرب جسد الطائرة بشكل مباشر، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها وتعطل محركاتها، فبادر إلى مغادرتها بالمقعد المقذوف في الحال، لتواصل سقوطها حتى الاصطدام بالأرض، بينما سقط الطيار في بلدة البوعمر التي يسيطر عليها الجيش الحر ليتم أسره.
كانت كتائب الثوار آنذاك عبارة عن مجموعات تضم بضع عشرات من المقاتلين، لا يملكون أكثر من بنادق الكلاشينكوف، وبضعة رشاشات ثقيلة، لكن مهارة “أبو علاوي”، أحد المقاتلين بكتيبة “عثمان بن عفان”، وجندي منشق عن النظام، مكنته من اصطياد الطائرة النفاثة مستخدماً سلاحه المتواضع، مما أصاب جيش النظام بالصدمة، خصوصاً بعد فشله بالتغطية على سقوط الطائرة، وأسر الطيار من قبل ثوّار الموحسن.
ماذا حلّ بـ”صياد الميغ”؟
بعد إسقاطه ببراعة أول طائرة حربية لنظام الأسد في سوريا، يقال إنه تمكن من إصابة عدة طائرات أخرى، فأطلق الثوّار على “أبو علاوي” لقب “صياد الميغ”، وسميت بلدة موحسن بـ”مقبرة الطائرات”.
مسيرة “أبو علاوي” البطولية تدهورت بعد سنتين تقريباً، عقب سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة في سوريا والعراق، تشمل محافظة دير الزور كاملة. عقب ازدياد سطوته، استقطب التنظيم عدداً من المقاتلين المعروفين في كتائب الثوار التي استطاع تفتيتها والقضاء عليها، وكان من بين هؤلاء “أبو علاوي”، الذي استجاب للدعوة راغباً أو مضطراً، وانخرط في صفوف التنظيم للقتال.
بقي “صياد الميغ” يقاتل في صفوف تنظيم “داعش”، إلى أن استهدفه صاروخ من إحدى طائرات التحالف الدولي في شهر تشرين الثاني/ أكتوبر من عام 2018 -الذي شهد انحساراً كبيراً لنفوذ وسيطرة التنظيم في سوريا- لتنتهي مسيرة “صياد الميغ” بشكل مختلف تماماً عن بدايتها.
ماذا حلّ بطيّار الميغ؟
عقب سقوط الطائرة، لاحق عناصر كتيبة “أحرار الفرات” العقيد الطيّار الركن “مفيد سليمان” وأسروه في منطقة البو عمر، بريف دير الزور.
ونُشر مقطع مصور آنذاك، يظهر فيه الطيّار المأسور معترفاً بمهمته العسكرية بقصف مدينة الموحسن، مطالباً ضباط النظام بالانشقاق، ومتحدثاً عن معاملة إنسانية لقيها من الثوار.
مصدر مطّلع على عملية الأسر أفاد لصحيفة “جسر” بمعلومات تكشف للمرة الأولى، حول هذا الموضوع.
وقالت المصادر إن العقيد الطيّار وأثناء فترة أسره، كان يطلب الحصول على جرعات أكبر من الأدوية المسكنة للآلام، فما كان من أفراد الكتيبة إلا أن أعطوه ظرفاً كاملاً من دواء الالتهاب، وفي إحدى الليالي داخل زنزانته، استخدم الطيار الظرف البلاستيكي الذي توضع بداخله كبسولات الدواء، لقطع شرايين يده، ليجده عناصر الجيش الحر المكلفين بحراسته، في الصباح التالي، جثة هامدة غارقة في الدماء.
مصدرنا أفاد بأن عناصر الجيش الحر كانوا يتفاوضون حينها مع النظام لإطلاق سراح العقيد مفيد مقابل سيدات سوريات معتقلات لدى الأجهزة الأمنية، وكان على اطلاع مباشر على سير عمليات التفاوض، التي انتهت بعد أسابيع برفض النظام إجراء أي تبادل، الأمر الذي أشعره، وفق تعبير مصدرنا، بخيبة أمل كبيرة، دفعته لوضع حد لحياته على أثرها، بسبب تخل النظام عنه.