محمد السكري
منذ إقرار النظام الرئاسي في تركيا، وما تبعه من تحوّل نوعي وسريع في الحياة السياسية للبلاد، بات اللاجئون السوريون أكثر تخوّفاً حول مصيرهم، مع تنامي المخاوف من وصول المعارضة التركية إلى السلطة، بغض النظر إن تفرّدت بها أو شاركت.
وفي انتخابات البلدية 2020 نجحت المعارضة التركية، مستغلة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا ومستخدمة ملف اللاجئين في الوصول إلى رئاسة أكبر ثلاث بلديات وهي إسطنبول، أنقرة، أزمير، ومنذ ذلك الحين تسعى المعارضة التركية متبعةً ذات المنهجية للوصول إلى السلطة أو مشاركتها.
اللاجئون ورقة رابحة:
عولت المعارضة التركية خلال دعايتها الانتخابية على ورقة اللاجئين السوريين في تدعيم حاضنتها الشعبية المستاءة من الوجود السوري؛ لأسباب اجتماعية تتعلق بالعادات والتقاليد والتباينات بين المجتمعين وأخرى تتعلق بعوامل سياسية واقتصادية؛ إذ يرى المعادون للاجئين السوريين أنّ هذا الوجود ساهم بتفاوت فرص العمل جراء رخص العمالة السورية بالمقارنة مع التركية ما يجعلها الخيار الأنسب.
كذلك، نجحت الأصوات المعارضة التركية خلال الفترة السابقة بشكل غير رسمي في تأجيج الشارع المعارض عبر تزوير بعض الحقائق فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والطبابة المجانية والاستثناءات الجامعية. سرعان ما تطور الخطاب المحرض ضد السوريون بعدما أثبتت النتائج خلال السنوات السابقة نجاعة التعويل على هذا الملف في تقليل الرصيد الشعبي لحكومة العدالة والتنمية.
لجأت المعارضة التركية للتركيز على ملف اللاجئين لكونها غير قادرة على بلورة أيّ برنامج انتخابي ناضج مبني على خطط استراتيجية سياسية واقتصادية وتنموية، تقنع الشارع التركي، لذلك هي تُدرك صعوبة واستحالة تشكيل أيّ حامل انتخابي جامع يُعوّل عليه في منافسة حزب العدالة والتنمية جراء فقدان الثقة بها فتعمل بشكل أساسي على استثمار ورقة اللاجئين مستغلة دعم السلطة للوجود السوري وتقديم بعض التسهيلات لهم.
في الحقيقة، رغم إشارة المعارضة التركية لرغبتها بإعادة السوريين إلى بلادهم حال وصولها على لسان رؤساء كبرى الأحزاب كالشعب الجمهوري والجيّد، لكن إمكانية تحقيق ذلك تبدو صعبة؛ لأسباب داخلية عديدة أبرزها خسارة رأسمال كبير قدمته الطبقة الرأسمالية السوريّة ضمن الأسواق التركية.
لذلك، فمن المستبعد أن تقوم المعارضة بخسارة كل هذه الأوراق الاقتصادية الهامة للغاية بعدما أصبح السوريون جزءاً أساسياً من بنية الاقتصاد التركي وخاصةً أنّ الانتقال من حكومة إلى أخرى مغايرة سيؤدي حتماً لبعض الارتدادات ريثما تتضح السياسة العامة وهذا تدركه المعارضة التركية.
بالمقابل، من السهل أن تتخذ المعارضة بعض الإجراءات الهامشية التي لا تؤثر على مصالحها؛ لتقليل حالات الاحتقان والتزاماً بالوعود التي قدمتها.
من المحتمل أن تقوم بإعادة بعض اللاجئين السوريين خاصةً الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية، ويمكن أن يحدث ذلك إما بشكل مباشر أو عبر اتباع سياسات الضغط الإعلامي والشعبي المرنة.
كما فعل حزب العدالة والتنمية “AKP” قبيل انتخابات البلدية في مدينة إسطنبول عندما قام بالتضييق على اللاجئين السوريين من خلال إخراج حمَلة بطاقات الحماية المؤقتة من مدن أخرى إلى مدنهم التي جاؤوا منها وإرجاع آخرين إلى سوريا ممن لا يحملون بطاقة الحماية وذلك لاسترضاء الحاضنة الشعبية، كما طالب أصحاب المحال والمطاعم السورية بتعديل أسمائها إلى التركية بدل العربية.
أما على الصعيد الأكاديمي فمن المستعبد أن يتم منع الطلبة السوريين من متابعة تحصيلهم العملي ولكن هذا لا يعني التراجع عن سياسات الحزب الحاكم من حيث الرسوم التي تم استثناء الطلبة منها (2013) حتى الحكومة الحالية تراجعت عن هذه السياسات خلال العام الحالي بعدما أتاحت الخيار للجامعات لفرض الرسوم على الطلبة السوريين.
معارضة داعمة للوجود السوري:
فرضت سياسة حزب العدالة والتنمية بعض التغييرات في الخريطة السياسية للبلاد على صعيد شكل النظام السياسي، وملف الخارجية، والتوسع الإقليمي، وقد نجم عن ذلك آثار اقتصادية سيئة، مما ساهم في زيادة وتنوع الأحزاب المعارضة ومن أبرزها حزب المستقبل التركي “GP” الذي يرأسه وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، عراب سياسة صفر مشاكل في العلاقات الخارجية التركية.
لا يتفق داود أوغلو وحزبه “GP” مع توجهات المعارضة التركية وخطابها المعادي للاجئين السوريين، بل على العكس يعتبر من الشخصيات التركية التي تدعم هذا الوجود بالرغم من أنّه يتحفظ على ذكر موقفه العلني الحالي من هذه القضية ولكنه يرفض الانخراط في دعاية المعارضة التركية التي تشنها على اللاجئين.
من الصعب أن تكون سياسة هذا الحزب مستقبلياً معادية للوجود السوري، ولا سيما في حال وصوله للبرلمان التركي “TBMM” مما يجعله غطاءً سياسياً للحفاظ على الحد الأدنى من حقوق السوريين في تركيا، وقد يعرقل كثيراً من السياسات المعادية للاجئين في حال تجاوز الحد الأدنى من التمثيل النسبي في البرلمان ” “Seçim baraj “أي 10% في الانتخابات المقبلة (2023).
ويحمل رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض “” DEVA “علي بابا جان ذات التوجه تجاه ملف اللاجئين إذ يرفض استثمار هذه الورقة في الدعاية الانتخابية وقد صرح أنّ هذا التوظيف شعبوي وغير مقبول فلن تستطيع أحزاب المعارضة التركية إعادة اللاجئين السوريين، حتى وإن استطاعت فيعتبر ذلك تصرفاً غير إنساني.
لذلك، من الواضح أنّ هناك أحزاباً معارضة ترفض إعادة اللاجئين واستخدامهم كورقة ضغط وهذا على عكس ما يُصدّر.
رهان تغيير سياسات الدولة:
تلتزم تركيا بالاتفاقيات الدولية التي أبرمتها خلال السنوات والعقود الماضية منها اتفاقية فيينا 1951 واتفاقية الهجرة 2016 الخاصة بدعم اللاجئين في تركيا، التي إن تراجعت عن هذه الالتزامات ستكون في موقف محرج للغاية مع شركائها الاستراتيجيين كالولايات المتحدة الأميركية وستفقد مورداً مالياً مهماً جداً، والذي تحصل عليه وفق اتفاقية الهجرة لدعم اللاجئين في تركيا.
إنّ خيار إعادة اللاجئين إلى سوريا والعلاقات مع النظام السوري كما تحدث رئيس حزب الشعب الجمهوري CHP”” كمال كليتشدار أوغلو سيترتب عليه التنسيق مع موسكو وموافقتها ولكن هذا يعني خسارة تركيا لأوراقها التي حققتها في سوريا وهذا مستبعد.
على سبيل المثال، لم تتراجع المعارضة التركية عن سياستها تجاه القضية القبرصية بالرغم من وصول أحزاب معارضة لهذا التدخل إلى السلطة في أوقات سابقة عبر حكومات ائتلافية.
لذلك، من الصعب هذا إن لم يكن مستحيلاً إعادة اللاجئين إلى سوريا وفق هذه المعطيات وبالصورة التي شكلتها المعارضة التركية لدى أنصارها ومن المهم الإشارة؛ إلى أنّ ضغط المعارضة التركية على اللاجئين وتراجعها عن اتفاقية الهجرة سيؤدي إلى توتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من جراء موجات اللجوء التي قد تتشكل.
لذلك، تبقى الوعود التي تقدمها المعارضة التركية إلى حاضنتها الشعبية بإعادة السوريين بالطريقة التي تروج لها مجرد دعايات انتخابية “بروباغندا”.
المصدر: syria.tv