جسر – صحافة
يفصل ما بين اجتماع اللجنة الدستورية السورية الأول واجتماعها السادس أخيراً عامان. ويفصل ما بين البذور الأولى لفكرة تشكيل اللجنة المتضمَّنة في قرار مجلس الأمن رقم 2245 عام 2015، وما بين أول اجتماع عقدته في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أربع سنوات، وقد استغرق الجدل حول اللجنة ووظيفتها وتشكيلها خمس سنوات، حدثت خلالها منعطفات سياسية وعسكرية كثيرة طاولت شكل تموضع القوات على الأرض وأشكال التحالفات الإقليمية… يعتبر مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، اللجنة الدستورية أول “اتفاق” سياسي ملموس بين النظام والمعارضة. ويعطي هذا التصريح، مقروناً بمخاض السنوات الخمس، مؤشّراً سلبياً حول الزمن الذي يمكن أن يأخذه تشكيل القرار النهائي على الدستور، وهو الوثيقة الأساسية المفترض أن يجتمع حولها السوريون بأطيافهم، فمدة الخمس سنوات التي تم استهلاكها لإنتاج اتفاقٍ يمكن لمسه تعني أن إنتاج دستور توافقي في حاجة إلى مدة طويلة جداً.
يعكس التكوين السياسي لهذه اللجنة وجهة النظر الدولية التي تداخلت لابتكار هذا الكيان، فالقرار الذي أصدره مجلس الأمن، ومن رحمه خرجت اللجنة، ينصّ على استحالة وجود حلّ عسكري، بمعنى أنه يفضّل أن يسود التعادل، فلا يتغلّب طرفٌ على طرف. وعلى هذا الأساس ضمّت اللجنة ثلاث كتل متساوية في العدد والثقل السياسي، ثلث للنظام وثلث للمعارضة والثالث لمنظمات المجتمع المدني وتختاره الأمم المتحدة. يبدو أن المجتمع الدولي لم يقرأ التاريخ السوري جيداً، أو لا يعرف حقيقة أن فريقاً تحدّى الجميع، وفرض سيطرته بالسلاح على جزء كبير من المجتمع السوري بدعمين، روسي وإيراني، وصيغة لا غالب ولا مغلوب التي تتحدّث عنها اللجنة الدستورية، وتكرّرها، تبدو بعيدة عما يحدُث على الأرض، فالمشكلة السورية التي طفت على السطح منذ شهر مارس/ آذار عام 2011 ذات أصول عميقة ترتدّ إلى اللحظات الأولى لانقلاب عام 1963، حينما توقف المجتمع عن المشاركة في الحياة السياسية التي احتكرها الجيش، ووضع في المقدمة قالباً سياسياً ذا واجهة مدنية هو حزب البعث، وتغوّلت تجربة 1963 لتختصر الدولة والحكومة إلى سطوة عائلة صغيرة، يندرج مفهوم الوطن داخلها. وترغب الأمم المتحدة اليوم في أن تتم حالة التعادل ما بين النظام ذي الحكم العائلي القائم على القوة العسكرية وقوى اجتماعية مختلفة ترنو إلى بناء مجتمع مدني يتطلّع إلى الديمقراطية.
خلال السنوات الست الأخيرة، تكرّر سيناريو واحد في اجتماعات اللجنة الدستورية، وتبادل فيها وفدا النظام والمعارضة الأدوار، يقدّم وفد النظام مقترحات فترفضها المعارضة، ويقدّم وفد المعارضة مقترحات يرفضها وفد النظام، وتتركّز مطالبات النظام وأهدافه على إلصاق صفة الإرهاب بالمعارضة، من دون تفريق بين جماعاتها وأفرادها، محاولاً التركيز على نسف المطالبة برحيل الأسد وإعطاء مؤسسات الأمن والجيش وظائفها الوطنية. ولم يتم الاتفاق على شيء، ولا حتى بالخطوط العريضة. ولا تبدو الجولة الحالية واعدة أيضاً، على الرغم من أنها بدأت بما يشبه الاختراق بجلوس رئيسي الوفدين على طاولة واحدة، فما زالت المسافة بعيدة والخوض بالتفاصيل يجعلها بعيدة أكثر. وإذا ما فكّر الراعي الدولي بحثّ الأطراف على الاتفاق على عموميات، فإنه يطلق العنان بحرية لشيطان التفاصيل. وإلى جانب القناعة بصعوبة اتفاق الأطراف على نتيجةٍ مثمرةٍ خلال فترة قريبة، هناك مطبّاتٌ جديدةٌ في انتظار الحل “السلمي” المنشود، حيث لا غالب ولا مغلوب، منها استفتاء جماهيري على الاتفاق، يمكن أن ينشأ عنه خلافٌ جديدٌ وطويلٌ على من هو الذي سيصوّت ومن لا يحقّ له، ومن سيراقب ومن سيوافق، وكيف ستتشكّل لجنة مراقبة الانتخابات. أما التحدّي الأكبر فهو وضع ذلك الاتفاق في سياقٍ تنفيذي، الأمر الذي يتطلّب إزالة عقباتٍ عميقة وأساسية، معظمها ذو طبيعة عسكرية مليشياوية، بما يفرض انتصار طرفٍ على طرف، وهو ما لا يريده القرار الأممي الذي أنشأ اللجنة، ما يوقعنا في تناقض منطقي لا يفضي إلى شيء عملي.