فوضى السلاح بسوريا الجديدة.. قلق متزايد في وضع معقّد

شارك

جسر – دمشق (عبد الله الحمد)

بعد سقوط نظام الأسد، بدأت في الأيام الأولى ظاهرة انتشار السلاح في سوريا، ما شكل مصدر قلق كبير للأهالي، وذلك بالتزامن مع دعوات فورية لاقت قبولاً شعبياً وحققت نتائج مرضية أطلقها ناشطون وأوجه مجتمعية سورية وعلى رأسها رجال الدين، في الأحياء والمناطق، لتسليم هذه الأسلحة إلى المساجد القريبة، ليصار إلى تسليمها فوراً ووفق لجان معتمدة من إدارة العمليات العسكرية دون مساءلة ضمن فترة محددة.

لم يكن تخوف وقلق الأهالي من الأسلحة التي نهبت من المراكز والأفرع الأمنية المنتشرة بكثرة بين الأحياء السكنية، بل تعداها ليشمل جميع مراكز الشرطة وإداراتها، إضافة إلى ترك عناصر جيش النظام السابق معدات عسكرية وذخائر على الطرقات وفي الأماكن العامة، ما يجعلها عرضة للنهب أو الاستخدام غير المشروع.

وما زاد المشهد تعقيداً رفض بعض سكان بعض المناطق في دمشق وبقية المحافظات، كانوا يعملون في الأجهزة الأمنية للنظام ومراكز الجيش والشرطة، تسليم أسلحتهم رغم الوعود والضمانات المتكررة من السلطات بعدم التعرض إليهم.

شهادات عن سرقة وانتشار الأسلحة صباح السقوط

يقول “أبو فهد” الرجل الستيني من سكان حي برزة الدمشقي، القريب من فرع ال 211 الأمني وقيادة الشرطة العسكرية: “صباح سقوط النظام اتجه عشرات الشبان وبطريقة جنونية نحو فرع 211 والشرطة العسكرية، وقاموا بسرقة العديد من الأسلحة لدرجة أنك صرت ترى فتى لا يبلغ سن الـ 15 عاماً يحمل بندقية.. نهبوا كل الأسلحة ولم يتركوا شيئاً”.

الشاب محمود من سكان المزة، أكد أنه “تم اقتحام مطار المزة العسكري بطريقة مخيفة من قبل بعض الشباب من المناطق المجاورة فجر يوم السقوط، وأنهم سرقوا أسلحة كثيرة وذخائر.. وحتى بعض الأدوات العسكرية التي لا يمكن استخدامها في الحياة المدنية”.

“أبو يوسف” أحد الضباط في جيش النظام والذي فر مع أسرته صباح يوم السقوط، إلى قريته في ريف حمص قال: “كنت أستقل سيارتي على طريق دمشق حمص ومعي عائلتي وتفاجأت بكميات هائلة من الذخيرة والمعدات عسكرية المتنوعة، والتي تشمل معدات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، على أطراف الطريق”.

دعوات لجمع السلاح

أئمة المساجد تصدوا فوراً لهذا الحدث المخيف عبر دعواتهم الدينية واجتماعاتهم بالأهالي، محذرين من خطورة بقاء هذه الأسلحة في الأماكن العامة، محذرين من أن تقع هذه الأسلحة والذخائر في أيدي العصابات الإجرامية، مما يشكل تهديداً حقيقياً للمجتمع.

الشيخ يوسف المصري إمام وخطيب جامع عبدالله بن عباس بدمشق، وجه دعوات واضحة لتحذير المواطنين والأهالي من التعامل مع هذه الأسلحة، وتسليمها لإدارة المسجد فوراً، دون الكشف عن الهوية وبلا مساءلة وبضمانته شخصياً، وذلك بعد تواصله مع إدارة العمليات التي كلفت لجنة مخصصة لاستلامها من المسجد، وقال إنه تفاجأ بكميات الأسلحة المسلمة والمعدات حيث تم تسليم حتى طائرات ال”درون” أخذت من مطار المزة.

كما قامت بعض المنظمات الأهلية والفعاليات بتوجيه مناشير ورسائل على الجوالات SMS تضمنت دعوات واضحة لتحذير المواطنين من التعامل مع هذه الأسلحة والألغام في بعض المناطق، مشددة على ضرورة سحب جميع الأسلحة لضمان السلامة العامة.

وضع السلاح المنتشر بعد مرور شهر على سقوط النظام

تبذل الإدارة الجديدة في سوريا جهوداً كبيرة لإعادة المعدات إلى قواعدها العسكرية، وتسليمها للمقرات الأمنية بعيداً عن الأماكن العامة، وقد نجحوا ضمن الإطار الزمني إلى حد بعيد. ووسط حالة من التفاؤل يرى السوريون اليوم أن هذه الجهود تعتبر إنجازاً عظيماً للشعب والقيادة الجديدة، ووفق شهادات عديدة من الأهالي فإن الإدارة لا تتسامح أبداً بموضوع حمل السلاح العشوائي والاستعراض له أو الاتجار فيه.

الطالب الجامعي حسان يحيى قال: “تخلصنا من النظام المجرم الذي كان يستخدم الأسلحة علناً ويهدد الناس ويرهبهم به… الرجال اليوم الي بيقول أنا عندي سلاح”، فيما اختصر أبو رامي وهو رجل مسن، الكثير من الكلام، بقوله: “الأمل الآن هو في بناء مجتمع آمن لأبنائنا وأحفادنا وخالي من الفوضى المسلحة”.

أحياء “موالية” و”فلول”!

يختلف المشهد كثيراً في الأحياء التي يسكنها عدد كبير من عناصر جيش وأمن النظام سابقاً، مثل أحياء “المزة 86، وعش الورور، وضاحية الأسد، ومساكن الحرس، والتضامن”.

وفيما أعلن مختار حي المزة 86 خلو حيه من الأسلحة بعد عدة اجتماعات وحملات تفتيش منظمة قامت بها إدارة الأمن العام وبإشراف وجهاء من الحي، رفض قاطنو حي عش الورور تسليم سلاحهم رغم الضمانات والتعهدات الحكومية بعدم التعرض أو الملاحقة، وتم منحهم مهلة زمنية محددة قبل أن يتم التعامل بحزم مع الموضوع، ولكن بالعموم فإن استخدام هذا السلاح كما أدعى قاطنو هذه الأحياء هو للدفاع وليس للهجوم، ووفقاً لمصادر محلية خاصة بـ”جسر” فإن الأيام القادمة تحمل أخباراً طيبة بهذا الشأن وفق تفاهمات جديدة.

تحديات وطموحات

إن التحدي الرئيسي أمام الإدارة السورية الجديدة سيكون في توفير الأمن والأمان للمواطنين، ما يتطلب إيجاد طريقة فعالة ومدروسة للتعامل مع سلاح وعتاد الفصائل المختلفة المنتشرة في أنحاء البلاد حالياً، فهناك عدد كبير من هذه الفصائل التي تحتاج إلى معالجة دقيقة وشاملة، في إيجاد الكيفية والطريقة للتعامل مع حاملي هذه الأسلحة، والتي قد تعتمد بالدرجة الأولى على عوامل متشعبة ومتعددة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

شارك