صناعة الزجاج المنفوخ في سوريا تواجه خطر الاندثار

شارك

جسر – عبد الله الحمد

تشكل الحرف اليدوية والصناعات التقليدية جزءاً واسعاً من التراث السوري، حيث يعتمد الحرفيون فيها على مهاراتهم الفردية سواء الذهنية أو اليدوية أو الإرث التاريخي لهذه المهن. ومن بين هذه الحرف، تبرز مهنة نفخ الزجاج التي أدرجتها منظمة “اليونيسكو” ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي.

ورغم قدم هذه الصناعة، لا تزال تحظى باهتمام واسع لما تتميز به الآنية الزجاجية الدمشقية من جمال وخصوصية تجعلها تحفاً فنية تزين المنازل والصالونات والفنادق الفاخرة.

تاريخ مهنة نفخ الزجاج

تعود جذور هذه المهنة إلى الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد، حيث اكتشفوا الزجاج أثناء طهو طعامهم على شاطئ رملي باستخدام قدر مدعم بمادة النطرون، بعد أن لاحظوا أن مادة غريبة تقطر من أسفل القدر، مما أدى إلى فكرة صناعة الزجاج.

وطوّر الفينيقيون صناعة الزجاج عبر القرون، وكانت أبرز التقنيات هي النفخ التي ظهرت في القرن الأول الميلادي. وبفضل هذه التقنيات، أصبح الحرفيون السوريون في طليعة هذه الصناعة التي انتقلت لاحقاً عبر الإمبراطورية الرومانية إلى إيطاليا ثم أوروبا.

مهنة نفخ الزجاج والحرب في سوريا

تأثرت هذه المهنة بشكل كبير بالحرب في سوريا، مما أدى إلى تراجع عدد العاملين فيها إلى أعداد قليلة جداً.

ويقول العم أبو زاهر أحد العاملين في هذه المهنة أنها “تحتاج إلى 20 سنة لكي تتقن حرفيتها وأصولها وبحاجة لكثير من الصبر والإتقان، كما أنها وبسبب الأوضاع الأمنية عانت من ضعف التسويق والبيع، وذلك كونها من الكماليات، وحركة بيعها تعتمد على السياح غير الموجودين طيلة فترة الحرب”.

وأردف أن “مهنة نفخ الزجاج تعاني من ضرورة توفير المازوت باستمرار، فمن دون ذلك يتهالك فرن الزجاج، ويصبح مهدّداً بالانهيار، والحجر الحراري الذي يستخدم البناء والترميم من الصعب استيراده”.

وعن هذا الموضوع يضيف الباحث في التاريخ الدمشقي محمد دوه جي: “كانت هذه الصناعة تحتاج إلى فرن من الآجر، وكان الصناع في الماضي يستخدمون ندر الزيتون بعد عصره كمصدر للوقود وبعد استخراج النفط ومشتقاته تم الاعتماد على الديزل”.

وأكد دوه جي أن هذه المهنة التراثية تعتبر من المعارف والمهارات المرتبطة بالفنون والأصالة الشعبية، منوهاً لما يحتاجه تصنيع الزجاج بطريقة النفخ اليدوي من خبرات متراكمة كبيرة وعلى مدار العديد من السنوات على يد شيوخ الكار الذين قلوا جداً، أو غادروا البلاد بسبب الحرب.

خطط وتأملات

بعد إدراج مهنة نفخ الزجاج يدوياً ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لدى منظمة “اليونيسكو”، بدأت الجهود للحفاظ على هذه الصناعة التراثية.

وتمثلت هذه الجهود في إقامة دورات تدريبية للشباب في عمليات النفخ والرسم والتصميم، كما بدأت دراسات لإنتاج عناصر زجاجية تواكب العصر والترويج لها بطرق أكثر فاعلية.

ومن بين الأفكار المطروحة، العمل مع المهندسين والجهات المعنية لإيجاد بدائل مستدامة لوقود أفران الصهر، مثل الاعتماد على الطاقة الشمسية أو الكهرباء، مع مراعاة معايير دقيقة تتعلق بدرجة الحرارة والغرف المخصصة والمسافة بين الحرفي والفرن.

تعكس هذه الحرفة التراثية واقع الحال السياسي والاقتصادي في سوريا، حيث يأمل عشاق هذه المهنة أن تُبعث الحياة مجدداً في كل جوانب البلاد، بما في ذلك الحرف والصناعات التراثية، بعد كابوس طويل امتد لعقود.

شارك