القوارب والصيد.. مشاكل كثيرة يعاني منها الصيادون بطرطوس

شارك

جسر – طرطوس (هبة الشوباش)

تقع طرطوس على الشريط الساحلي السوري، وهي محافظة سياحية يجتمع فيها البحر والجبل وحتى الجزر، وتشتهر المدينة بالعديد من المهن، أبرزها صيد الأسماك وصناعة الأدوات اللازمة للصيد مثل القوارب والشباك.

في حديثه لصحيفة “جسر”، يقول الريس أبو علي إن هذه المهنة مصدر رزق أساسي للكثير من سكان هذه المدينة. وعن طريقة صنع قوارب الصيد أضاف: “تتم هذه الصناعة في جزيرة أرواد، حيث يقوم الصيادون بجلب ألواح خشبية كبيرة، وأكثر الأخشاب المستخدمة هي السوّاد والميغانو.. يتم نقلها إلى الجزيرة، وهناك تُصنع القوارب وحتى السفن الصغيرة.

وأردف: “أرواد مشهورة منذ القدم بهذه الصناعة، ولكن للأسف، هناك مخاوف من زوال هذه المهنة بسبب قلة اليد العاملة مؤخراً، حيث اتجه الشباب للسفر، ولم يبقَ سوى عدد قليل من شيوخ الكار”.

أما عن صناعة الشباك، فقال الريس أبو علي: “نقوم بشراء حبال تسمى الشلل من لبنان أو دول أخرى مجاورة، ويتم تصنيعها على يد عمال من قرية الحميدية في طرطوس أو جزيرة أرواد. بعد ذلك، نقوم بنسجها بطريقة معينة وبمقاسات متعددة للوصول إلى الشكل النهائي للشبكة”.

تحدث الريس عن الأوقات المناسبة للصيد قائلاً: “نلقي شبكة الصيد مساءً ونكشف عليها في الصباح الباكر لاستخراج ما تم اصطياده. أما الصيد في الفترة الصباحية، فيحدث خلال موسم البلميدة.. في هذه الفترة من السنة، يطفو على وجه البحر سمك البلميدة، وهي سمكة شعبية ورخيصة الثمن مقارنة بأنواع الأسماك الأخرى. هذا النوع يحتاج لشباك خاصة به، حيث يتم وضع الشبكة صباحاً والكشف عليها مساءً”.

يتابع: “هناك أنواع خطيرة من الأسماك تُعتبر سامة ونادراً ما نجدها في الشباك، مثل سمكة النفيخة والقراد والفوكو. كما أن الطقس يلعب دوراً مهماً في الصيد؛ فالأيام الغائمة تكون الأفضل، حيث يندفع السمك باتجاه سطح البحر بحثاً عن الطعام، وكذلك الأيام الممطرة بشرط أن يكون الانهمار خفيفاً”.

قيود الصيد قبل وبعد سقوط النظام

تحدث الصياد منهل سلوم عن القيود المفروضة على الصيادين حالياً، وأوضح أنه “تم منع استخدام الديناميت للصيد، حيث كان هذا المنع شكلياً سابقاً مقابل إتاوات، أما اليوم فهناك تشديد كبير. كما تم منع رمي الأقفاص الحديدية الكبيرة واستخدام الفرنيزة، وهي آلة للحصول على الأوكسجين عند الغوص، وكذلك الشباك ذات الفتحات الصغيرة. أشار إلى أن الصيد الجائر ممنوع أيضاً، خاصة في مناطق مخصصة لإباضة السمك، وذلك لمنع هجرة الأسماك من السواحل السورية”.

وقال سلوم إن هناك مراكز محددة في طرطوس وأرواد تمنح رخصة “لانش” للبدء بمزاولة مهنة الصيد، مع قيود صارمة على مناطق المحمية التي كانت سابقاً مخصصة لمسؤولين في النظام. أما الأمور المسموحة حالياً فهي استخدام بارودة الصيد والشباك ذات الفتحات الكبيرة، والتي تعد تكلفة تصنيعها مرتفعة جداً، مما أدى إلى تراجع عدد الصيادين.

بين تاجر الأسماك علي صوان أن “أفضل الأنواع الموجودة في أسواق طرطوس هي الفرّيدة، السلطانة، غزال، اللقز، والقريدس. هذه الأنواع تُعد من أشهى وأغلى أنواع السمك. في المقابل، هناك أسماك زهيدة السعر مثل السردين والبلميدة، حيث يتفاوت سعر كيلو البلميدة بحسب السوق، لكنها تُعد أقل تكلفة من الأنواع الأخرى”.

متى ستعود الأسماك لموائد السوريين؟

في السنوات الأخيرة، أصبحت المأكولات البحرية ترفاً لا يقدر عليه سوى الأغنياء في سوريا، حيث تسببت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع تكاليف المعيشة في دفع معظم السوريين إلى الاستغناء عنها، على الرغم من قيمتها الغذائية العالية وفوائدها الصحية التي لا تُحصى. كانت الأسماك، التي كانت جزءاً من النظام الغذائي اليومي، تتحول تدريجياً إلى سلعة نادرة لا تتوفر إلا على موائد القادرين.

في الماضي، كان سعر 2 كيلوغرام من السمك يعادل راتب موظف حكومي، لكن اليوم باتت الأسعار تتجاوز إمكانيات معظم العائلات، ما جعل السمك يختفي من المطابخ السورية، باستثناء المناسبات النادرة أو لدى العائلات الميسورة. يُضاف إلى ذلك تأثير الصيد الجائر وتراجع كميات الأسماك المتاحة بسبب القيود المفروضة وانخفاض عدد العاملين وصانعي القوارب نتيجة الهجرة والضغوط الاقتصادية.

مع ارتفاع أسعار الوقود والمواد الأساسية المستخدمة في الصيد، أصبح تأمين الأسماك عملية مكلفة وشاقة، مما زاد العبء على الصيادين ورفع أسعار المنتجات النهائية. من جهة أخرى، تسعى الأسواق المحلية لتوفير البدائل الأقل سعراً، مثل البلميدة والسردين، إلا أن هذه الأنواع لا تزال بعيدة عن متناول الكثيرين.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى الأسئلة مطروحة: هل سنعود لمشاهدة القوارب الكثيرة في الساحل السوري؟ وهل ستتمكن سوريا من إعادة الأسماك إلى موائد الجميع؟ المستقبل وحده سيحمل الإجابة.

شارك