تخفيف العقوبات الأوروبية على سوريا.. خطوة نحو التنمية أم اختبار للنوايا؟

شارك

جسر – عبد الله الحمد

بعد سنوات من العزلة والعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا خلال حكم النظام السابق، يشهد المشهد السياسي والاقتصادي تحولات جديدة مع إعلان الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات المفروضة على البلاد. هذه الخطوة، التي جاءت في إطار دعم الشعب السوري وتمهيداً لإعادة الإعمار، تفتح باب التساؤلات حول مدى تأثيرها على الاقتصاد السوري، ومدى استعداد المجتمع الدولي لمواصلة هذا النهج.

وبينما تبرز الدعوات لرفع العقوبات بشكل كامل، يبقى الجدل قائماً حول الشروط التي الدول الأوروبية لضمان التزام الإدارة السورية الجديدة بمعايير الحكم الرشيد واحترام الحقوق الأساسية. فهل يمهّد تخفيف العقوبات الطريق لتعافٍ اقتصادي حقيقي، أم أنه مجرد اختبار سياسي للإدارة الجديدة؟

أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات المفروضة على سوريا خلال عهد نظام البائد بشار الأسد، بما يشمل مجالات الطاقة والطيران والتمويل، بهدف توفير الدعم للشعب السوري، وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن وزراء خارجية التكتل اتفقوا على خارطة طريق لتخفيف العقوبات على سوريا، مشيرة إلى أن التكتل يسعى إلى رفع العقوبات بسرعة، لكنه يحتفظ بحق التراجع عن القرار في حال اتخاذ أي “خطوات خاطئة”.

من جانبه، رحّب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بهذه الخطوة، معتبراً أنها تمهّد لرفع العقوبات بشكل نهائي، وتعزز التنمية المستدامة في البلاد.

تاريخ العقوبات على سوريا

فرض الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، عقوبات على أفراد وقطاعات اقتصادية في سوريا، تضمنت حظر تصدير النفط السوري، وقيوداً على استخدام القنوات المالية العالمية.

ويعود تاريخ العقوبات على سوريا إلى عام 1979، عندما أُدرجت ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وظلّت الدولة الوحيدة المستمرة على هذه القائمة حتى اليوم. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، فُرضت عقوبات إضافية ضد النظام السوري والمسؤولين والكيانات المرتبطة به، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

وشملت العقوبات المالية تجميد الأموال والأصول وحظر التمويل، والعقوبات الاقتصادية مثل القيود على تصدير المنتجات النفطية، إضافةً إلى عقوبات على حركة الأفراد، حيث تم فرض حظر سفر على عدد من المسؤولين ورجال الأعمال السوريين.

ورغم الأهداف السياسية للعقوبات، فقد ألقت بظلالها الثقيلة على الشعب السوري، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية وزادت معاناة المدنيين بسبب نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار.

دعوات لرفع العقوبات

بعد سقوط نظام بشار الأسد، بدأت العواصم الأوروبية في إعادة تقييم نهجها تجاه دمشق، وسعت حكومات الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في بدء عملية التنمية في سوريا. غير أن بعض الدول الأوروبية شدّدت على ضرورة اتباع نهج تدريجي وقابل للتقييم، لضمان احترام الإدارة الجديدة للحقوق الأساسية.

قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أوصى دبلوماسيون أوروبيون باتخاذ خطوات سريعة لتعليق القيود في قطاعات مثل الطاقة والنقل، ما يعكس توجهاً نحو تخفيف الضغط الاقتصادي على سوريا.

وأكد الصحفي الاقتصادي همام طبلية في حديثه لـ”جسر”، أن إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي عبر رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية، سيسهّل تدفق المساعدات الإنسانية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار، مما سيساهم في تحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل واستقرار البلاد.

وأشار طبلية إلى أن “العقوبات أثرت بشكل مباشر على المدنيين”، متوقعاً أن يبدأ المسؤولون الأوروبيون في دراسة التفاصيل الفنية لتخفيف القيود قبل تبني التعليق بصورة قانونية.

مطبات وعقوبات تعرقل بناء الاقتصاد السوري

دعا القائد العام للإدارة السورية، أحمد الشرع، خلال لقاءاته مع وفود أجنبية، الحكومات الغربية إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإزالة تصنيف “الإرهاب” عن “هيئة تحرير الشام”، وأوضح أن العقوبات كانت تستهدف النظام السابق، وأن رفعها ضروري لتمكين عودة اللاجئين وإعادة بناء البلاد.

كما طالب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بإنهاء العقوبات، مؤكداً أن عودة المؤسسات السورية للعمل بشكل كامل ضرورية لتحقيق الاستقرار.

بدورها، شدّدت كايا كالاس على أن الاتحاد الأوروبي لن يرفع العقوبات قبل ضمان احترام الإدارة السورية الجديدة لحقوق الأقليات والمرأة، وتشكيل حكومة موحدة بعيدة عن التطرف.

وخلال مؤتمر في الأردن حول مستقبل سوريا، أوضحت كالاس أن القادة الجدد قدّموا إشارات إيجابية، لكنها غير كافية بعد، مؤكدة أن الحكم على الإدارة الجديدة سيتم بناءً على الأفعال وليس التصريحات فقط.

من جانبه، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة تحاول مساعدة سوريا على ضمان رفع العقوبات، مشيراً إلى وجود “رسائل إيجابية” من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.

بوادر إيجابية من واشنطن

بعد جولة مكّوكية لوزير الخارجية السوري في عواصم خليجية وزيارته أنقرة برفقة وفد أمني رفيع المستوى، ظهرت بوادر انفراج من واشنطن، حيث رفعت الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات، في خطوة اعتبرها المراقبون مؤشراً إيجابياً على تحسن العلاقات الدولية مع سوريا.

ويقول الكاتب الصحفي عبده زمام لـ”جسر” إن رفع العقوبات بشكل مدروس سيسمح للدول الغربية بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا، بدل ترك المجال مفتوحاً أمام روسيا والصين، ما يمنح الغرب نفوذاً سياسياً واقتصادياً في مستقبل البلاد.

مع دخول سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط النظام السابق، تبرز محاولات إعادة بناء الدولة واستعادة العلاقات مع المجتمع الدولي كأحد التحديات الكبرى التي تواجه الإدارة السورية الجديدة. وبينما يُنظر إلى تعليق العقوبات الأوروبية كخطوة إيجابية نحو التعافي الاقتصادي، لا تزال هناك عقبات تحتاج إلى تجاوزها، من بينها تحقيق الاستقرار السياسي، وضمان احترام الحقوق الأساسية، وكسب ثقة المجتمع الدولي.

وبينما تراقب العواصم الغربية عن كثب خطوات الحكومة الجديدة، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن السوريون من تحويل هذه الانفراجة إلى فرصة حقيقية لإعادة الإعمار وبناء مستقبل مستدام، أم أن التعقيدات السياسية والاقتصادية ستُبقي البلاد في دائرة التحديات المستمرة؟

شارك