وسرعان ما تجاوب قادة “الجيش الوطني” للحملة، إلا أن جزءاً من هذه المؤازرات قد سمح له بالعبور إلى مناطق القتال، الأمر الذي فتح باب التكهنات من جهة، والتراشقات الإعلامية بين قادة وأنصار كل طرف من جهة أخرى.
عضو “المجلس الاسلامي السوري” عبدالكريم البكار، حمّل “هيئة تحرير الشام” المسؤولية عن تعثر التوصل إلى اتفاق، متهماً زعيمها أبو محمد الجولاني شخصياً بمنع مقاتلي فصائل “الجيش الوطني” من العبور إلى الجبهات المشتعلة في ريفي حماة وإدلب.
اتهام رد عليه سريعاً وبقوة عضو مجلس قيادة “الهيئة”، أبو ماريا القحطاني، الذي نفى وبشدة أن تكون “تحرير الشام” هي الطرف المعرقل، مطالباً بقية الفصائل بالكشف عن الطرف المتسبب بتأخر وصول المؤازرات بالفعل.
إلا أنه وبعد حماسة كبيرة أبداه قادة فصائل في “الجيش الوطني” استجابة لدعوة إرسال المؤزرات إلى ريفي حماة وإدلب، وحماسة مقابلة أبداها أغلب قادة الفصائل التي تقاتل في هذه المنطقة تجاه هذا التجاوب الايجابي، التزم الجميع الصمت خلال الأيام الثلاثة الماضية، بينما أكد مصدر عسكري معارض لـ”المدن” التوصل مع “هيئة تحرير الشام” إلى ما يمكن تسميته بـ”نصف اتفاق”.
وإذا كان أبو ماريا القحطاني قد حاول التلميح في رده على اتهام البكار لـ”هيئة تحرير الشام” بمسؤولية تركية عن عرقلة التوصل لاتفاق كامل، حين طالبه بالكشف عن موقف “حلفائهم” من المعارك الدائرة بشكل عام، فإن ما كشفته التراشقات الإعلامية بين الجهاديين، والتفاصيل التي حصلت عليها “المدن” عن سير المفاوضات من جهة أخرى، تؤكد عكس ما أراد القحطاني التلميح له.
في ما يتعلق بالاتفاق الذي قبلت به “هيئة تحرير الشام” بعد مفاوضات عسيرة، تقول مصادر “المدن”: إن “الهيئة” اشترطت على “الجيش الوطني” أن تقتصر المؤازرات التي قرر إرسالها على على مقاتلين من ثلاثة فصائل فقط هي “فيلق الرحمن” و”أحرار الشرقية” و”الجبهة الشامية”، وقد بدأ بالفعل وصول أولى دفعات المؤازرة إلى منطقة المواجهات.
ورطة “تحرير الشام”؟
وحصلت “المدن” على معلومات خاصة، أكدت رفض قادة في “جبهة حراس الدين” و”لواء أنصار التوحيد” السماح لمؤازرات فصائل “الوطني” بالدخول إلى مناطق سيطرتهم. بل إن بعض هؤلاء القادة أكدوا أن عناصرهم لن يشاركوا أفراد المؤازرات أي جبهة. اتهام هذه الفصائل السلفية الجهادية لـ”الجيش الوطني” تجاوز “الارتزاق والابتداع” إلى الردة بسبب التحالف مع تركيا.
وتدعم ذلك ردود الأفعال التي عبّر عنها مناصرو “حراس الدين” و”أنصار التوحيد”، والتي اجمعت على التهجم على “الجيش الوطني” ورفض دخول قوات جديدة منه إلى ريفي حماة وإدلب. فقد شن معظم هؤلاء الناشطين هجوماً عنيفاً على “تحرير الشام” بسبب قبولها التفاوض مع “الجيش الوطني” بهذا الخصوص، كما أكدوا أن الكثيرين من المهاجرين سيلتحقون بزملاء لهم رفضوا المشاركة في المعارك الأخيرة مسبقاً.
وكان عدد غير قليل من مقاتلي الفصائل الجهادية قد أعلن قبل ذلك رفضه المشاركة في صد هجوم قوات النظام المدعومة من روسيا والمليشيات الإيرانية بسبب اعتقادهم “أنها معارك عبثية الهدف منها خدمة الأجندة التركية” التي يتهمون “تحرير الشام” وفصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” بتنفيذها أيضاً.
موقف شهد بعض الحلحلة، عندما أصدرت القيادة العامة لتنظيم “القاعدة” بياناً رسمياً دعت فيه جميع الفصائل في سوريا إلى نبذ الخلاف والتعاون من أجل صد هجوم قوات النظام وحلفائها.
وإلى جانب التحاق الكثير من المستنكفين بجبهات القتال، بعد صدور هذا البيان، بدأت المواقع السلفية التي كانت تعارض بحزم دخول مؤازرات “الجيش الوطني” بالترويج للقبول بها وتبرير ذلك من الناحية الفقهية.
حساب منسوب لـ”أبو محمد المقدسي” في تلغرام، نشر دعوة غير مباشرة للقبول ببيان “القاعدة”، والقبول بدخول المؤازرات. وأضاف: “عدم استيعاب اختيار الضرورة التي يفرضها واقع المسلمين وامكاناتهم، فيه اغفال لما وسعه الله علينا في قتال الدفع”.
حساب مناصر لـ”لواء أنصار التوحيد”، وهو التشكيل الذي يضم من تبقى من مقاتلي “لواء جند الأقصى”، رفض الدعوة، وأكد أن بيان “القاعدة” لم يكن يقصد “الجيش الوطني”.
الحساب قال: إن “جهاد الأمة يستوعب المنحرفين وليس المرتدين، وبيان القاعدة الأخير لم يكن يقصد الجيش الوطني المرتد بأي حال”، قبل أن يهاجم أيضاً أنصار “هيئة تحرير الشام” الذين دافعوا عن الهيئة ضد اتهامها بمنع دخول مؤزارا الجيش الوطني قائلاً: “يرون في منع دخول الجيش الوطني تهمة..هنيئاً لكم وطنيتكم وتفريطكم وادخالكم الجيش المرتد”.
“أبو أنس المصري” المقرب من قيادتي “حراس الدين” و”أنصار التوحيد”، اعتبر في تعليق له: “بيان القاعدة الأخير يثبت كم أصاب التنظيم من الوهن، وكم أصبحت قيادتها بعيدة عن الواقع وباتت أقرب إلى المميعة”.