جسر: متابعات
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا الاختفاء القسري أنَّ النظام السوري استخدم الإخفاءالقسري كسلاح حرب استراتيجي مُشيرة إلى وجود ما لا يقل عن 98 ألف مختفٍ قسرياً في سوريا منذ آذار/ 2011.
وأوضح التقرير الذي جاء في 35 صفحة أن الاختفاء القسري ينطوي على كمٍّ مرعب من الانتهاكات التي يتعرض لها الشخص المختفي كالتعذيب والحرمان من الرعاية الصحية، والعرض على المحاكم السرية، التي تفتقر إلى مبادئ التقاضي العادلة، أو المحاكمة بإجراءات موجزة، والموت بسبب التعذيب أو الإعدام، وأضافَ أن القلق والمعاناة اللحظية الناتجة عن الاختفاء القسري والتي يعاني منها ذوو المختفي كانت هدفاً مخططاً من قبل النظام السوري لضرب الحراك الشعبي نحو الديمقراطية ولتحطيم وإرهاب المجتمع.
ونوَّه التقرير إلى أن القانون الدولي حظر استخدام الإخفاء القسري تحت أي ظرف من الظروف ولا يجوز التَّذرع بالحالات الطارئة كالنزاعات والحروب لممارسته، مشيراً إلى المادة السابعة من نظام روما الأساسي، التي وصفت الإخفاء القسري بالجريمة ضد الإنسانية إذا ما ارتكب في إطار هجوم واسع أو سياسة عامة وهو ما أكدته المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وذكر التقرير أن المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصَّت على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو لأي ضرب من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، وكذلك المادة 14 من العهد ذاته، التي نصَّت على تجريم إكراه أي شخص على الاعتراف ضدَّ نفسه أو الاعتراف بجرم لم يرتكبه، وبحسب التقرير فإنَّ الإخفاء القسري ينتهك مجموعة حقوق في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما ينتهك الاختفاء القسري حقوقاً أساسية كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
استعرض التقرير حصيلة ضحايا الاختفاء القسري منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا آذار 2011 حتى آب 2019 وركَّز بشكل رئيس على الانتهاكات التي سجَّلها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان بين 30/ آب/ 2018 حتى 30/ آب/ 2019، واعتمد التقرير على تعريف الاختفاء القسري وفقاً للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 وهو ’’القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون‘‘ مشيراً إلى أن منهجية التقرير تعتمد مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
واستند التقرير على لقاءات مع عائلات الضحايا المختفين قسرياً من مختلف المحافظات السورية إما عبر الهاتف أو برامج الاتصال المختلفة أو عبر زيارتهم في أماكن وجودهم داخل سوريا وخارجها، واستعرض 15 رواية، تم الحصول عليها بشكل مباشر وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد عانى المجتمع السوري من أنواع متعددة من الانتهاكات التي شكَّل بعضها جرائمَ ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب، لكن جريمة الإخفاء القسري التي مارسها النظام السوري على مدى ثماني سنوات تُعتبر سلاح الحرب الأقوى والأكثر سادية، وإنَّ حجم حصيلة الاختفاء القسري مقارنة بعدد السكان في سوريا يُعتبر مرعباً ومدمراً، وتُشكِّل جريمة ضدَّ الإنسانية مرتكبةً من قبل السلطات الحاكمة، استمرت معاناة ملايين السوريين منها لسنوات ماضية، ولا يوجد أي أمل بالكشف عن مصير هؤلاء دون تغيير النظام الحاكم الذي تسبَّب باختفائهم”.
وتحدث التقرير عن عمليات مراسلة دورية مستمرة يقوم بها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع فريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري، وأشار إلى ورود العديد من الردود الرسمية حول الحالات التي أرسلها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حيث يقوم المقرر بمراسلة النظام السوري حول جميع تلك الحالات المرسلة، كما يقوم بإيرادها في الملحق الخاص المتعلق بالتقرير الذي يُعدُّه فريق الأمم المتحدة عن الاختفاء القسري في سوريا، وأشار التقرير إلى ورود وثائق من فريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري عن عدد من الحالات التي زوَّدته الشبكة السورية لحقوق الإنسان بها، وتم الطلب من النظام السوري الكشف والإبلاغ عن مصيرها.
ونوَّه التقرير إلى وجود استمارة خاصة على الموقع الرسمي للشبكة السورية لحقوق الإنسان تقوم العائلات بتعبئتها وترسَل أوتوماتيكياً إلى فريق قسم المعتقلين والمختفين قسرياً الذي يقوم بمتابعة الحالة والتواصل مع العائلات لإتمام عملية التوثيق والتسجيل.
وفي هذا السياق طالب التقرير أهالي الضحايا وذويهم بمزيد من التعاون من أجل إيصال أكبر قدر ممكن من الحالات إلى فريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري، مُشيراً إلى أن فريق العمل في الشبكة السورية لحقوق الإنسان يعمل على مدار أيام الأسبوع من أجل بناء علاقات واسعة مع أهالي المختفين قسرياً وتحصيل أكبر قدر ممكن من البيانات وتخزينها ضمن قاعدة البيانات الخاصة بالمختفين قسرياً.
سجَّل التقرير منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2019 ما لا يقل عن 144889 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا، النظام السوري لا يزال يعتقل128417 بينهم3507 طفلاً و7852 سيدة (أنثى بالغة)، في حين أن التنظيمات الإسلامية المتشددة لا تزال تعتقل 10721 بينهم 349 طفلاً و461 سيدة (أنثى بالغة) منهم8715 بينهم326 طفلاً و402 سيدة في سجون تنظيم داعش و2006 بينهم 23 طفلاً و59 سيدة في سجون هيئة تحرير الشام.
وقال التقرير إنَّ 2844 شخصاً بينهم 329 طفلاً و846 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في سجون فصائل في المعارضة المسلحة، إضافة إلى وجود2907 أشخاص بينهم631 طفلاً و172 سيدة لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية.
وطبقاً للتقرير فقد بلغت حصيلة المختفين قسرياً ما لا يقل عن 98279 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء القسري منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2019 على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا، بينهم83574 لدى قوات النظام السوري بينهم1722 طفلاً و4938 سيدة (أنثى بالغة)، و10594 بينهم326 طفلاً و408 سيدة (أنثى بالغة) على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة،8648 منهم أُخفوا على يد تنظيم داعش بينهم319 طفلاً و386 سيدة، فيما كانت هيئة تحرير الشام مسؤولة عن إخفاء ما لا يقل عن 1946 بينهم 7 طفلاً و22 سيدة (أنثى بالغة).
وبحسب التقرير فإنَّ2234 شخصاً بينهم222 طفلاً و416 سيدة لايزالون قيد الاختفاء القسري في سجون فصائل في المعارضة المسلحة، و1877 شخص بينهم52 طفلاً و78 سيدة لا يزالون مختفين في سجون قوات سوريا الديمقراطية.
وقد استعرض التقرير مؤشراً تراكمياً لحصيلة المختفين قسرياً منذ آذار 2011 وتوزُّع تلك الحصيلة أيضاً بحسب الأعوام وأظهرَ التوزيع أنَّ عام 2012 كان الأسوأ من حيث حصيلة المختفين قسرياً، يليه عام 2013.
كما استعرض التقرير توزع حصيلة المختفين قسرياً على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا بحسب المحافظات أي تبعاً للمكان الذي وقعَت فيه حادثة الاعتقال، وليس تبعاً للمحافظة التي ينتمي إليها المعتقل، وكانت محافظة ريف دمشق بحسب التقرير قد شهدَت الحصيلة الأكبر من ضحايا الاختفاء القسري، تليها حلب ثم دمشق.
أكَّد التقرير أن الاختفاء القسري ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق ضد فئات السكان المدنيين كافة، ويُعتبر النظام السوري أول الأطراف المرتكبة له ويتصدَّر بقية الأطراف الفاعلة بفارق شاسع ولا يوجد أي مجال لمقارنته مع أيٍ من أطراف النزاع الأخرى، فهو أعطى الأوامر بالاعتقال ثم الإخفاء القسري، وهو على علم تام بها وهو ما يُشكِّل جريمة ضد الإنسانية وفق المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لا يخضع لقانون التقادم، وقد أعطت المادة ذاتها الحق لأسر الضحايا في جبر الضرر ومعرفة مصير المختفين، كما يُعتبر جريمة حرب وفق المادة 8 من نظام روما ذاته لممارسته في إطار منهجية وسياسة عامة في التعامل مع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية من قبل النظام السوري بشكل أساسي.
وأشار التقرير إلى أن انتهاكات النظام السوري لم تتوقف عند معادلة الاعتقال ثم التعذيب والإخفاء القسري بل ذهبت لأبعد من ذلك عندما بدأت ترد مطلع عام 2018 قوائم لمختفين قسرياً على أنهم متوفون في دوائر السِّجل المدني في كافة المحافظات السورية دون إعطاء ذوي الضحايا أية معلومات حول الوفاة باستثناء تاريخ الوفاة وزمانها، وكان قد مضى على وفاة معظمهم سنوات دون إبلاغ ذويهم بوفاتهم، وبحسب التقرير فإنه من ضمن قرابة 83 ألف حالة اختفاء قسري لدى النظام السوري، سجل فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان 931 حالة كشفَ النظام السوري عن مصيرهم بأنَّهم قد ماتوا جميعاً بينهم 9 اطفال ولم يقم بتسليم الجثث للأهالي.
أكد التقرير أن النظام السوري لم يفي بأيِّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، بشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، عبر توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية مشيراً إلى تحوّل قرابة 65% من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً ولم يتم إبلاغ عائلاتهم بأماكن وجودهم، وفي حال سؤال العائلة تُنكر الأفرع الأمنية والسلطات وجود أبنائها، وربما يتعرَّض من يقوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
وجاء في التقرير أنَّ الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي وأيضاً بموجب القانون الجنائي الدولي.
وذكر التقرير أن بقية أطراف النزاع مارست جريمة الإخفاء القسري وإن لم تكن على المركزية ذاتها، التي يتميز بها النظام السوري، كما تختلف عنه في كَمِّ الحالات وتوزعها.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشأن الخطير الذي يُهدد مصير قرابة 98 ألف شخص، ويُرهب المجتمع السوري بأكمله.
كما أكَّد التقرير على أهمية أن يتَّخذ مجلس الأمن خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت، وشدَّد على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز.
حثَّ التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان إعداد تقرير خاص وتفصيلي يُسلِّط الضوء على هذه الكارثة بكافة أبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية ودعم منظمات حقوق الإنسان المحلية الفاعلة في سوريا.
وشدد التقرير على أهمية أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بمتابعة قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا وتسليط الضوء عليها ضمن جميع الاجتماعات السنوية الدورية، وتخصيص جلسة خاصة للنظر في هذا التهديد الرهيب.
وأوصى المقرر الخاص المعني بالاختفاء القسري بزيادة عدد العاملين في قضية المختفين قسراً في مكتب المقرر الخاص المعني بحالات الاختفاء القسري في سوريا؛ نظراً لكثافة وحجم حالات المختفين قسرياً فيها.
طالب التقرير النظام السوري باالتَّوقف عن إرهاب المجتمع السوري عبر عمليات الإخفاء القسري والتعذيب والموت تحت التعذيب والتلاعب بالسِّجلات المدنية وتسخيرها لخدمة أهداف العائلة الحاكمة وتحمُّل التَّبعات القانونية والمادية كافة، وتعويض الضحايا وذويهم من مقدرات الدولة السورية.