قبل ستة أسابيع، كانت تركيا تهدد بغزو المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا، وفي يوم الأحد الماضي، أجرت القوات الأمريكية والتركية دوريتها البرية المشتركة الأولى في تلك المنطقة، بالتعاون مع الجانب الكردي. هنا، باتت النتيجة “1-0” لصالح الدبلوماسية الأمريكية، المدعومة بالقوة العسكرية الأمريكية الصبورة.
وكان الرئيس دونالد ترامب، قال في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إنه يريد سحب فريق عمل للعمليات الخاصة كان يساعد الأكراد السوريين في قتال تنظيم “داعش”. ولكن بعد عدة أشهر، لا يزال جزء من تلك القوة الأمريكية قائما، ما يساعد على استقرار المنطقة بتكلفة منخفضة نسبيا.
“تلعب أمريكا دور الوسيط بيننا وبين الأتراك”، هذا ما أخبرني به الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، في مقابلة عبر الهاتف في نهاية الأسبوع الماضي، قبل ساعات قليلة من بدء الدورية الأمريكية التركية المشتركة الأولى. وقال: “نحن نعلم أن الأمريكيين يعالجون المخاوف التركية”، بشأن أمن الحدود. وفي المقابل، يريد الأكراد “تنسيقًا سيكون مفيدًا لجميع الأطراف”.
ولتفادي أي غزو تركي مهدد، وافق “مظلوم” في 7 أغسطس على خطة وضعها المبعوث الأمريكي الخاص جيمس جيفري من أجل “منطقة آمنة” جنوب الحدود التركية. وقال “مظلوم” إن قواته انسحبت من الشريط الحدودي الذي يتراوح من 5 إلى 14 كم، عبر مجموعة من المناطق في شمال شرق سوريا. بالإضافة إلى ذلك، سحبت قوات سوريا الديمقراطية أسلحتها الثقيلة على بعد 20 كيلومترًا على الأقل من الحدود حتى لا تمثل تهديدا لتركيا.
لا تزال هناك العديد من التعقيدات، ومثل معظم الجهود الدبلوماسية في الشرق الأوسط، لا يزال هذا الجهد قيد التقدم والتقييم. “مظلوم” يحتج على أن الأتراك يقومون برحلات مراقبة من جانب واحد بطائرات بدون طيار، مما يعرض قوات التحالف للخطر. ويشكو الأتراك من أن الأكراد يبنون تحصينات جديدة داخل المنطقة، والتي أخبرني “مظلوم” أنها ببساطة ملاجئ للمدنيين الأكراد في حالة وقوع هجمات في المستقبل.
كانت الولايات المتحدة تأمل في تأخير أول دورية مشتركة إلى أن تعمل الوحدات الأمريكية والتركية معًا لفترة أطول، وأن يتم تدريب قوة أمنية محلية يمكنها أن تحل محل قوات سوريا الديمقراطية، لكن تركيا أرادت إطلاق العملية المشتركة يوم الأحد الماضي، لذا يبدو أن القوات تم نقلها من “منبج” إلى المنطقة، حيث كان هناك تعاون أمريكي ـ تركي مماثل منذ شهور في منطقة “منبج”.
لا يزال الطريق المسدود والفجوة العميقة قائمة، حتى في الوقت الذي يعمل فيه المسؤولون الأمريكيون بأقصى جهدهم. لا تحب تركيا فكرة حتى الاتصال غير المباشر مع قوات “مظلوم” التي يبلغ عدد أفرادها 70 ألف شخص، بحجة أن وحدات حماية الشعب الكردية تسيطر على قوات سوريا الديمقراطية، وأن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب جماعة إرهابية. وحتى بعد أن نجحت أول دورية أمريكية تركية مشتركة في المنطقة على ما يبدو، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صدم الجميع، قائلاً إنه إذا لم تغادر قوات سوريا الديمقراطية المنطقة بالكامل بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، فإن “تركيا ليس لديها خيار سوى الانطلاق من تلقاء نفسها”. وعلى ما يبدو، فإن تلك التهديدات تجدد خطر الغزو.
وقال “إردوغان”: “يبدو أن حليف تركيا [الولايات المتحدة] يسعى إلى منطقة آمنة في شمال سوريا، ليس بالنسبة لتركيا ولكن بالنسبة للجماعة الإرهابية”، مضيفا: “نحن نرفض مثل هذا النهج”. ولكن على الرغم من خطاب “أردوغان”، وإصرار “ترامب” في ديسمبر/كانون الأول الماضي على أن يسحب القوات الأمريكية، فقد تم إنشاء المنطقة ويبدو أنها تحتفظ بدعم عسكري أمريكي مستمر. ويقول “مظلوم”: “نأمل أن تؤدي هذه العملية إلى تطبيع الوضع في منطقتنا وتؤثر على العملية للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا، تجذب الشمال الشرقي في نهاية المطاف إلى حكومة سورية يجري إعادة تنظيمها”.
ما هو مذهل في التحدث إلى “مظلوم”، هو هدوئه، فالقائد الكردي المحاط بشخصيتين بركانيتين، ترامب وإردوغان، لا يزال قائدًا هادئًا. وعندما سألته عما إذا كان لا يزال يثق بالولايات المتحدة بعد إعلان “ترامب” عن سحب القوات، أجاب ببساطة: “ما زلنا نعمل معًا”.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات
الكاتب: ديفيد اغناتيوس/ واشنطن بوست