عقيل حسين: عبّر بعض الثوار والمعارضين عن رفضهم، أو لنقُل عن عدم تفضيلهم خوض معركة (نبع السلام) التي أطلقتها القوات التركية بالتشارك مع الجيش الوطني السوري للسيطرة على مناطق خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرقي البلاد.
وإذا استثنينا الأشخاص أو القوى السورية المرتبطة بدول على خصومة مع تركيا، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء المعارضين للمعركة، يعتبرون شخصيات وطنية تشهد لهم مواقفهم قبل الثورة وبعدها.
لا ينطلق هؤلاء في معارضتهم للمعركة من موقف مسبق تجاه تركيا، بل يعبرون عن موقف مبدأي رافض لأي معركة تستنزف القوى العسكرية السورية المعارضة خارج الهدف الرئيس للثورة، كما أنهم يأخذون بعين الاعتبار وجود الآلاف من المقاتلين السوريين من العرب وغير العرب، كثيرون منهم كانوا جزءاً من الجيش الحر، في صفوف قسد الآن، وهؤلاء مع المدنيين الذين يعيشون في تلك المناطق، سيكونون ضحية معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وحسب معرفتي ببعضهم على الأقل، فإن أصحاب وجهة النظر هذه يعارضون أيضاً أي عملية عسكرية قادمة يمكن أن تشنها تركيا وفصائل المعارضة ضد هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الجهادية شمال غرب سوريا، وذلك انطلاقاً من الموقف نفسه، أي الحرص على أرواح المدنيين، وكذلك وجود المئات، بل والآلاف من المقاتلين السوريين في صفوف الهيئة، وهؤلاء سيكونون أيضاً ضحية لمواجهة لم يفكروا فيها يوماً.
موقف لا يمكن أن يجادل فيه اثنان من الناحية الإنسانية، إلا أنه عملياً، هو في النهاية موقف عاطفي لا يأخذ بعين الاعتبار وقائع سياسية وعسكرية باتت شبه محسومة، وبيد قادة (البي واي دي) وهيئة تحرير الشام فقط تغييرها.
موقف لا يمكن أن يجادل فيه اثنان من الناحية الإنسانية، إلا أنه عملياً، هو في النهاية موقف عاطفي لا يأخذ بعين الاعتبار وقائع سياسية وعسكرية باتت شبه محسومة
لقد أثبت تصويت كل من الولايات المتحدة وروسيا يوم الخميس ضد بيان في مجلس الأمن يطالب تركيا بوقف عمليتها العسكرية الحالية، أن الأمور في سوريا تسير باتجاه الحسم، بعد توافقات كبرى أنجزت أو يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها.
من بين التصريحات الكثيرة المتضاربة التي أدلى بها ترمب خلال الأيام الثلاثة الأخيرة الماضية، فيما يتعلق بعملية نبع السلام، هناك تصريح وحيد لم يأخذ حقه من الاهتمام، رغم أنه بتقديري كان أهم ما أدلى به الرئيس الأمريكي مؤخراً.
“آن لهذه الحرب السخيفة أن تنتهي” .. هذه الجملة التي وردت بين سلسلة تصريحات ترمب يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن مجرد جملة عابرة أو إضافة بلا معنى، بل إن الدعم الثنائي الأمريكي-الروسي لتركيا ضد حليف مدلل هو “قسد” يؤكد أن ما اتفقت عليه الدول الثلاث أكبر بكثير مما هو معلن حتى الآن.
يبدو أن عملية (نبع السلام) تسير كما هو مخطط لها، وقد لا يمر وقت طويل إلا وتكون تركيا قد أنجزت ما تريد من هذه العملية، وبلا شك فإن التالي سيكون ملف إدلب.
وبلا شك أيضاً فإن روسيا، وحتماً الولايات المتحدة، لم تمنحا أنقرة هذا التفويض في شرق الفرات إلا مقابل اتفاق ما حول الشمال الغربي، وبالتالي فإن من المتوقع أن تكون وجهة الجيش التركي القادمة هي إدلب، إلا إذا استطاعت الحكومة التركية إنجاز اتفاق، سيكون تاريخياً، لتجنيب هذه المنطقة معركة مؤلمة.
وبلا شك أيضاً فإن روسيا، وحتماً الولايات المتحدة، لم تمنحا أنقرة هذا التفويض في شرق الفرات إلا مقابل اتفاق ما حول الشمال الغربي، وبالتالي فإن من المتوقع أن تكون وجهة الجيش التركي القادمة هي إدلب
تدرك هيئة تحرير الشام ومختلف الفصائل السلفية الجهادية التي تنشط في المنطقة هذا الأمر مسبقاً، لكن أحداً لا يمتلك يقيناً قاطعاً حول موقفها من أي توجه تركي لإنهاء سيطرتها على إدلب وما حولها، إلا أن الجميع يخشى أن يكون قرار هذه الفصائل هو المواجهة.
نظرياً تمتلك الهيئة، وهي أكبر هذه الفصائل وأكثرها قوة، ما يكفي من البراغماتية والليونة لتقديم تنازلات، لكن ليس إلى درجة القبول بأن تحل نفسها، وإن كان احتمال قبولها بهذا الخيار يبقى وارداً، إلا أن العقدة الأخطر ستبقى قائمة مع التنظيمات الصغيرة الأخرى.
وإذا استثنينا الحزب الإسلامي التركستاني الذي يدور في فلك الهيئة ولا يتبنى مواقف عدائية تجاه الحكومة التركية، فإن عدة تشكيلات أخرى تمتلك، على صغر حجمها وقلة أعداد مقاتليها، القدرة على تشكيل مخاطر حقيقية على أرواح من يعيشون في مناطق سيطرتها من المدنيين، إذا ما قررت المواجهة.
لن تسمح تركيا باستمرار وجود حزب العمال الكردستاني وقيادته لقوة كبيرة بحجم قوات سوريا الديمقراطية على حدودها الجنوبية طال الزمان أم قصر، ومخطئ من يعتقد أن “نبع السلام” ستكون الأخيرة إذا ما استمر الحزب الكردي الراديكالي بنشاطه في سوريا.
وبالمقابل، لن يسمح العالم، وعلى رأسه روسيا وأمريكا، باستمرار وجود ونشاط جماعات جهادية في سوريا أيضاً، وخيار المواجهة مع هذه القوى يبدو خياراً محسوماً اليوم أكثر من أي وقت مضى، وعليه فإن الأمل الوحيد المتبقي هو أن تقتنع هذه التنظيمات بإيجاد مخارج سلمية من خلال أنقرة، تجنب المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم حروباً يدركون أنها أكبر بكثير من طاقتهم، أو على الأقل تجنبهم عودة النظام تحت غطاء القوة الروسية المدمرة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا