في السلف ومفهومه
ينتقل المؤلف بعد هذا إلى تمهيد بعنوان “مفهوم السلف: قراءة دلالية تاريخية”، خصصه لبحث معنى “السلف” في اللغة والاصطلاح، مؤرخًا بداية ظهوره وانتشاره ومعانيه وموطنه من “الاحتجاج الديني”، معتمدًا على التفريق الأصولي (أي في منهج أصول الفقه الإسلامي) بين ما هو “إجماع” قطعي معتدّ به شرعًا وواجب الالتزام، وما يقع في دائرة الاختلاف السائغ الاجتهادي، وكيف يجري الخلط بين هذين النوعين من الاحتجاج تحت غطاء “السلف”. ويعرّج على مفهوم “خير القرون”، مثبتًا أن هذه الخيرية هي خيرية أخلاقية مستشهدًا بالنصوص الشرعية وأقوال الفقهاء والمحدّثين.
الطريق إلى سلف المحنة
يؤرخ السمهوري في الفصل الثاني، “لحظة الانفجار وبداية نشوء سلف المحنة”، بداية المحنة وإرهاصاتها في عهد المأمون، ثم اشتدادها في عهد المعتصم، ثم تفاقمها في عهد الواثق، مسلطًا الضوء على موقف أحمد بن حنبل وصموده، معتمدًا على الروايات التاريخية الحنبلية التي رواها شهود العيان من أقدم المصادر المتاحة، ومقارنًا بينها وبين روايات المعتزلة.
في الفصل الثالث، “أحمد بن حنبل وتأسيس سلف المحنة”، تناول المؤلف شخصية أحمد بن حنبل وأهم صفاته، كما تناول مشروعه العلمي، وأهم معالم منهجه في الفتاوى والاستنباط، وموقفه من المختلفين مذهبيًا من الفرق المخالفة؛ كالمرجئة، والشيعة، والجهمية، وغيرهم.
وفي الفصل الخامس والأخير، “تعدد المتخيل: مرحلة البربهاري وما بعده إلى ما قبل ابن تيمية”، يرصد الكاتب تطورات المذهب الحنبلي، واختلاف الحنابلة في فهم كلام الإمام أحمد بن حنبل في العقائد، فالحنابلة تيارات متعددة، وبينهم اختلافات في باب العقائد، وهناك من يعتمد منهج التفويض، وهناك من يعتمد منهج التأويل، وهناك من يقبل ظواهر النصوص. كما يرصد الباحث علاقة الحنابلة بالتصوّف، وبعلم الكلام.