جسر: متابعات
“إنه مجنون.. ساقه الحب للسجن مرتين، وربما لاقى حتفه من أجل حبه وقد يكون من طرفه فقط”؛ تروي أم محمد قصة ابنها محمد، الذي ترك وظيفته كـ “سجّان” في احدى سجون “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) شمالي ادلب، بعد سجنه لمدة سنة ونصف بتهمة تهريب امرأة من السجن.
نظرات خلف القضبان
“منذ عامين حيث كان محمد يعمل كسجان لنَظَارةٍ في إحدى محاكم هيئة تحرير الشام في إدلب، جاءت السجينة (جيلان) الكردية وزُجّت في السجن بتهمة التجسس على الهيئة لصالح وحدات حماية الشعب الكردية”، تقول أم محمد لـ “روزنة” على لسان ابنها السجين.
وتسرد في قصة ابنها قائلة: “كان يبدو عليه الاضطراب في ذلك اليوم، وحين سألته ما بك؟ أجاب بأنه قد وقع بشراك الحب، بسجينة قد سُجنت اليوم بالنظارة التي يحرسها؛ وأخبرني أنه لم يكلمها بتاتاً فقط اكتفى بالنظر إليها من خلف القضبان وهي تنتظر موتها المُحتم، نصحته وترجيّته بعدم التفكير بها كي لا يقع بحبها ويضع نفسه بمأزق، لكن يبدو أن حبها كان أقوى من قدراتي؛ بعد يومين قال لي أنهما اتفقا على الزواج وأنه سوف يسعى لخلاصها بأي ثمن، لكنني لم أكن أتوقع أنه سوف يُهرّبها من السجن كي يتزوجا”.
بعد عدة أيام، وفي منتصف الليل، دخل محمد غرفة والدته وأيقظها قائلاً “جيلان معي”، وتضيف أم محمد؛ “للوهلة الأولى ظننت أنه يمازحني، لكن حين رأيتها أصابتني الدهشة، كانت جميلة وترتدي عباءة سوداء ووجها الأبيض يمليه الكدمات؛ قال لي سوف نتزوج و أرحل معها إلى ديارها، لكن الآن اعطيني مفتاح منزل شقيقك كي نتوارى عن الأنظار ريثما نستطيع الخروج من المنطقة”.
كان منزل شقيق أم محمد في الطابق الذي يعتلي طابق منزلهم ولا يسكنه أحد؛ ذهبت الأم برفقة محمد وجيلان إلى المنزل، ليغادر بعدها محمد المنزل سعياً في تأمين سيارة أجرة للذهاب برفقة جيلان.
هروب السجينة
تكمل أم محمد قصة ابنها في حديثها لـ روزنة: “بعد أن خرج محمد باحثاً عن سيارة أجرة، سألتُ جيلان كيف استطاع محمد تهريبها من السجن، قالت؛ بعد أن تقدم محمد بطلبي للزواج قال أنه سيُهرّبني من السجن، لكنه أشار إليّ أنه يجب عليّ التمارض أثناء حراسته كي يحضر الطبيبة الخاصة بالنساء لدى “هيئة تحرير الشام”، وحين أعطاني الإشارة بدأت بالصراخ مدعيةُ الآلم، فطُلب من محمد بإحضار الطبيبة إلى زنزانتي والتي كانت منفردة، وحين أتى بها قام بضربها على رأسها حتى فقدت وعيها و ألبسني ثيابها ووضعها في زنزانتي وأغلق الباب، وخرجنا من السجن بحجة توصيل الطبيبة إلى منزلها”.
وتضيف أم محمد؛ “لم تُكمل جيلان حديثها حتى بدأت قوات من الهيئة باقتحام منزلنا بصحبة إبني محمد، فسارعت بالنزول إليهم، كان مُكبّل اليدين والدماء تسيل من وجهه، فطلب مني أحدهم أن أدلي بمعلومات عن السجينة جيلان ومحمد خلفهم يحرك حاجبيه كي لا أتكلم؛ فقلت إنني لا أعرفها، وحين غادروا؛ غادرت جيلان المنزل وقالت لي ما إن خرج من السجن يمكنه البحث عني في منبج سأكون بانتظاره، وكتبت عنوانها لي”.
وتُكمل “حكمت المحكمة التابعة لهيئة تحرير الشام على محمد بالسجن لمدة عامين إضافة إلى تسريحه من عمله، وأرسل إلى سجن ادلب المركزي وحين زيارتي الأولى له كان سؤاله الأول عن جيلان، فقلت إنها غادرت ولم تترك عنوان لها… كان الخوف يلاحقني من أن يخرج مجدداً هارباً من السجن ويلتحق بجيلان ويصيبه مكروه ما”.
وتزيد بالقول: “بعد عام ونصف قُصف السجن المركزي بإدلب من قبل الطيران، وحين سؤالي عنه قالوا؛ انه ليس موجود ضمن السجن وليس بين الموتى أو الجرحى… إذاً هو هارب من السجن، بقيت عدة أيام حتى اتصل بي وأخبرني أنه أصبح في مدينة عفرين بريف حلب والتحق في صفوف الجيش الوطني (المعارض والمدعوم من أنقرة)”.
أهلكه الحُب!
تتحدث أم محمد عن غياب ابنها عنها مرة أخرى بسبب حبه لـ جيلان قائلة: “بعدما انضم محمد إلى الجيش الوطني وبدأت معركة شرق الفرات، زُج محمد بالمعركة، وقبل ذهابه أخبرني أنه يسعى إلى البحث عن جيلان ولكن دون فائدة، وبعد غياب أكثر من 3 أيام اتصل بي أحد أصدقائه وأخبرني أنه قد اعتقل من قبل الجيش الوطني، بسبب سؤاله للأسرى من الوحدات الكردية عن جيلان”.
وتضيف؛ “ذهبت الى مناطق سيطرة الجيش الوطني للسؤال عنه، لكنهم قالوا لي أنه ليس عندهم وهم لم يعتقلوه بتاتاً بل هو قد فقد أثناء المعركة؛ بينما أكد لي أحد أصدقائه أنه قد اعتقل بعد شكهم بأنه يتعامل مع الوحدات الكردية ضدهم، بينما هو قد أضحى بين سجين أو قتيل بسبب حبه”.
وتُردف؛ “محمد هو ابني الوحيد، ليس لدي أحد سواه؛ أهلكه الحب، ولا أدري إن كانت هي تفعل ما فعله لأجلها أم استغلته فقط لخلاصها؟”.
المصدر: موقع روزنة