جسر: متابعات
تجولت كاميرا “الحرة” في معتقل تديره قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، ويحتجز فيه عناصر ومقاتلون من داعش، بعد أن وقعوا في قبضة هذه القوات عقب سقوط آخر معقل للتنظيم المتشدد في الباغوز في مارس 2019.
وحصلت “الحرة”، خلال الجولة الحصرية في السجن، على شريط فيديو التقطته كاميرات مراقبة يوثق محاولة عشرات المعتقلين احتجاز حراس السجن عبر خدعة، تمهيدا لعملية فرار جماعي، إلا أن مخططهم باء بالفشل إثر تدخل قوات خاصة تابعة لـ”قسد”.
وقد دخلت كاميرا “الحرة” إلى السجن المحصن في منطقة الحسكة للاطلاع على أوضاع المعتقلين في ظل التطورات الأخيرة التي شهدها الشمال السوري إثر عملية عسكرية تركية وانسحاب جزئي للقوات الأميركية، وقد سبقته إجراءات أمنية مشددة وتعليمات محددة وجب الالتزام بها حرفيا.
ويقبع في هذا المعتقل حوالي خمسة آلاف داعشي، بينهم متشددون أجانب، ولم يسبق لمعظمهم الخضوع لعمليات استجواب، وهم شبه منقطعين عن العالم الخارجي والتطورات التي شهدتها الأشهر الأخيرة من مقتل زعيم التنظيم الإرهابي أبوبكر البغدادي إلى العملية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات.
وأعلنت الولايات المتحدة في 27 أكتوبر، مقتل البغدادي في عملية نفذتها وحدة كوماندوس أميركية في شمال غرب سوريا على بعد كيلومترات من الحدود التركية.
أما العملية التركية فقد أطلقتها أنقرة في التاسع من الشهر ذاته، ضد وحدات حماية الشعب الكردي، العمود الفقري لقسد، وكان هدفها المعلن إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومترا لإبعاد تلك القوات عن حدودها.
لكن تركيا أوقفت الهجوم في أعقاب اتفاقين منفصلين مع الولايات المتحدة وروسيا.
وفي حين أعرب سجناء تحدثوا للحرة عن ندمهم وتساءلوا عمن يسمون بالأمراء الذين فروا وتركوهم يواجهون مصيرا مجهولا، لم يخف آخرون ولاءهم لداعش ولم ينكر بعضهم حمل السلاح لصالح التنظيم الذي شن هجمات إرهابية وهتك أعراضا وشرد مواطنين آمنين وبث الرعب في دول عدة، ولا سميا في العراق وسوريا.
محمد ديميل، داعشي ألماني من أصول سورية، قال للحرة “لست نادماً على انضمامي إلى التنظيم فقد اكتسبت خبرات جديدة، وقد يبدو هذا من الجنون لكنني قابلت بعضا من خيرة الناس من ثقافات مختلفة، وتزوجت أفضل امرأة ورزقت منها بأطفال”.
لكن ديميل قال إنه لن ينضم إلى أي مجموعة إرهابية إذا تم الإفراج عنه، لأنه “منهك جراء القتال”، مع تأكيده في الوقت ذاته “أنا شخصياً لم أكن مقاتلاً، كنت حارسا لحدود الدولة الإسلامية”.
إدارة السجن اشترطت عدم مشاركة أي معلومات عن الأوضاع السياسية والميدانية في المنطقة مع المعتقلين، خشية أن تؤثر تلك الأنباء عليهم. وفيما قد يثير خبر مقتل البغدادي غضب كثيرين منهم، قد يرفع نبأ الانسحاب الأميركي من مواقع في شرق سوريا، معنوياتهم.
ويخضع المعتقلون في سجن الحكسة، لمراقبة حراس قسد على مدار 24 ساعة من خلال تفقدهم ومراقبتهم بالكاميرات.
لكن مدير السجن، هفال دجوار، صرح للحرة بأن “وضع السجن قبل الهجوم التركي كان جيدا”، وأن انسحاب قسد من المنطقة “أثر على الأمور إذ أصبح الوضع صعبا بسبب نقص عدد الحراس الذين توجه كثير منهم إلى الجبهات الأمامية”.
وسلمت قسد قناة الحرة، مقطع فيديو التقطته كاميرات المراقبة، ويبدو فيه أحد المعتقلين وهو يتظاهر بأنه يعاني من أزمة صحية استدعت تدخل الحراس. وما أن دخل هؤلاء حتى هجم عليهم الدواعش الذين كسروا الكاميرات وخلعوا بعض الأبواب.
أحد الحراس في سجن داعش بالحسكة، واسمه ديار ولات، تحدث للحرة عن تفاصيل الحادث الذي قال إنه وقع داخل المهجع الأخير في السجن.
وأوضح أن نزلاءه، أبلغوا الحراس بأن أحدهم توفي ودعوهم إلى إخراج جثمانه. وعندما دخل عناصر قسد إلى المكان، هاجمهم السجناء الذين كان عددهم حوالي 150.
وتمكن السجناء الغادرون من احتجاز ثلاثة حراس كرهائن، ثم خرجوا من باب المهجع وأخرجوا بقية المعتقلين بعد كسر أقفال مهاجعهم، بحسب ولات الذي أوضح أن العملية أحبطت بعد وصول المعتقلين إلى الباب الثالث حيث تدخلت غرفة الكاميرات وأعلنت أن الوضع خرج عن السيطرة، فتم استدعاء قوات خاصة مهمتها التدخل السريع أثناء الاستعصاء.
القوات الخاصة، استخدمت الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لإعادة النظام، وتمكنت من السيطرة على الوضع وتحرير الرهائن.
مدير المعتقل كشف للحرة أن السجن ينقصه الكثير من المرافق وأنظمة المراقبة، ولا يزال في مرحلة الإنشاء، متهما الدول المعنية بعدم تقديم أي مساعدات لتطوير أنظمة الحماية.
ولا يسمح للسجناء بالتجمع بأعداد كبيرة أو التحدث بنبرة عالية، خشية أن تحمل محادثاتهم رسائل سرية للتخطيط لهروب جماعي، كما أن بعضهم يفتعل مشاجرات لدفع الحراس إلى فتح الزنازين واستغلال الفوضى للفرار.
ويرتدي الدواعش المسجونون لباسا موحدا برتقالي اللون، يشبه البدلات التي كان يرتديها ضحايا التنظيم الإرهابي الذين ظهروا في عمليات قتل وتعذيب صدمت وحشيتها العالم.
وأعربت إدارة السجن عن خشيتها من أن تستغل الخلايا النائمة في المنطقة، الانفلات الأمني جراء العمليات العسكرية في شمال سوريا، للهجوم على السجن وإطلاق سراح المعتقلين، فضلا عن محاولات المعتقلين المتكررة للهرب، لذا يمنع على الحراس اصطحاب أسلحتهم إلى داخل المهاجع خشية أن يستولي عليها السجناء.
وتخشى قسد أيضا، ظهور تنظيم جديد أكثر تطرفا من داعش في أروقة سجن الحسكة الذي كان من المرافق العامة قبيل معركة الباغوز وتم تحويله إلى سجن مؤقت، إذ تمنح ظروف الاحتجاز الحالية المعتقلين فيه، حرية الاتفاق والتشاور والتخطيط للهروب الجماعي.
ويؤكد حراس السجن أن المعتقلين يطرقون الأبواب ويتشاجرون فيما بينهم لدفعهم إلى فتح الأبواب أملا في اغتنام فرصة للفرار.
قسد تحذر أيضا من أن المحتجزين قد ينجحون في إعادة تنظيم صفوفهم من جديد داخل المهاجع المكتظة، خصوصا في غياب أي برامج إصلاحية أو دورات لإعادة تأهيلهم.
“هذا التنظيم الإرهابي داخل سجوننا وكذلك في المناطق التي يمتلك فيها حاضنة شعبية، قادر على إعادة إنتاج نفسه في أي لحظة إذا سنحت له الفرصة. والخطر لا يزال قائما في درجته القصوى ولم يزل كما يعتقد البعض”، هكذا وصف مسؤول المكتب الإعلامي لقسد مصطفى بالي، التهديد القائم خلال تصريحات للحرة.
وشدد بالي على أن مكافحة داعش تحتاج إلى جهود تستمر لأعوام طويلة. وأوضح أنه في حين انتهت مرحلة مكافحة الإرهاب عسكريا على مستوى الجبهات، إلا أن تفكيك خلاياه يتطلب سنوات، أما مكافحة فكر داعش وتخليص المجتمع من تبعات انتشاره، فيحتاج إلى سنوات من منهاج التعليم وبرامج التنمية الاقتصادية ووضع خطط برامج لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة.
المعتقلون الأجانب في هذا السجن يطلبون تسليمهم إلى بلدانهم التي تحظر فيها أحكام الإعدام، خلافا لدول مثل العراق وسوريا.
الداعشي الأميركي المتحدر من كوسوفو، ليرم سليماني، أعرب عن رغبته في العودة إلى بيته في مدينة شيكاغو، وقال للحرة “رسالتي للحكومة الأميركية أن عليها أن تعيد المواطنين الأميركيين إلى البلاد ولا تتركهم في بلد غير مستقر” مضيفا “لقد قمنا بتسليم أنفسنا وسوف نتحمل العواقب”.
وزعم سليماني أنه لم يرتكب جرما وإنما كان فقط يقيم في “دولة” يعتبرها العالم إرهابية. وقال “بإمكانهم أن يحاكمونا، وأن يواجهونا بالتهم، وإن وجدوا أدلة حول ارتكابنا جرما يمكنهم مقاضاتنا بحسب أعمالنا”، مضيفا “أنا لم أقاتل خلال تلك الثلاث سنوات، كنت فقط أعيش في دولة كانت تسميها بقية الدول منظمة إرهابية”.
غالبية المعتقلين داخل سجن الحسكة، خرجوا من قرية الباغوز أثناء العمليات العسكرية التي انتهت بالقضاء على”دولة الخلافة” المزعومة بعد سقوط آخر جيب للإرهابيين في الريف الشرقي لدير الزور.
وأعلنت قسد في 23 مارس القضاء على “خلافة داعش”، بعد طرده بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من الباغوز، ليقتصر وجوده بعدها على خلايا نائمة ومقاتلين منتشرين في مناطق صحراوية.
ويرفض كثير من المعتقلين لدى قسد، التحدث لوسائل الإعلام كي يبقى وجودهم طي الكتمان، فيما يقدم بعضهم معلومات مغلوطة بانتظار فرصة للهرب، ومن وافق منهم على التحدث مع الحرة، طلب أن يتم ذلك خارج زنزانته خوفا من تعرضه للانتقام من قبل زملائه.
الداعشي الأميركي من أصول مغربية، عبدالحميد المديوم، تساءل خلال حديثه مع الحرة عن “أمراء” التنظيم وكبار قادته. وقال “أين الأمراء والقياديون؟ تركوا وذهبوا من زمان! أكيد هم الآن في تركيا أو العراق أو أوروبا. قسم منهم اعتقل في العراق”.
واتهم “قيادات” التنظيم بالفرار بالأموال وترك المقاتلين في الباغوز، وتابع “هم ظلوا مع مال الركاز ومال النفط، وبقينا نحن مع الأطفال والنساء والعوام وبعض المقاتلين في الباغوز. فأين هي القيادة؟ ما ظل أحد منهم إلا طلع وهرب”.
تجدر الإشارة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تحتجر قرابة 12 ألف معتقل من داعش في سبعة سجون سرية، ترفض دولهم تسلمهم، إضافة إلى آلاف النساء والأطفال من أقارب هؤلاء في مخيمات للنازحين.
واقترحت الإدارة الذاتية تشكيل محكمة دولية في شمال شرق سوريا لمقاضاة الدواعش، لكن ذلك الاقتراح لم يلق قبولا من الدول المعنية.
المصدر: الحرة