جسر: متابعات
“في المدى الزمني القصير، التهديد الأخطر بالنسبة إلى إسرائيل هو حزب الله، وفي المدى البعيد قنبلة إيران النووية”.. هذه الخلاصة التي وصل إليها تقييم الاستخبارات “الإسرائيلية” السّنوي، توحي بأن “التهديد” العسكري المباشر هذا العام ينطلق من لبنان أكثر من أي مكان آخر مع إسقاط فرضية الحرب الشاملة مع إيران لأسباب ظرفية وموضوعية معلومة.
بالنظرة العامّة، يَظْهرُ هذا التقدير وكأنه يهدف إلى وضع “الجيش الإسرائيلي” على أهبة الاستعداد وخاصة لأي مواجهة محتملة من جهة لبنان – حتى لو كانت ضئيلة- على الأقل طيلة هذه السنة؛ من باب أن “حزب الله واصل تعاظمه العسكري والسياسي”، وفق الزعم “الإسرائيلي”.
وترتكز قراءة “إسرائيل” الأمنية في مخاوفها على ثلاثة دوافع رئيسية؛ الأول: سيناريو “استخدام” ايران لحزب الله من أجل الإنتقام من “اسرائيل”، بناء على تطورات الصراع الأميركي- الإيراني في المنطقة، لا سيما وأن أمين عام الحزب حسن نصر الله هدد قبل أيام بالرد على اغتيال قائد “فيلق القدس” اللواء قاسم سليماني.
وأما الثاني، فيتعلق بمشروع إنتاج الصواريخ “الدقيقة” في لبنان، وإحتمالات دفع الحزب قدماً بهذا المشروع ولو بإمكانات متواضعة، رغم وضعه المالي الصعب في هذه الأثناء.
بينما يتّصل الدافع الثالث بتعاظم القلق “الإسرائيلي” من سيناريو أن تدفع الإحتجاجات الشعبية الدائرة في لبنان، حزب الله إلى المجازفة بتصعيد “مهم” مع إسرائيل من خلال الإصرار على ألّا يتيح لهذه الأخيرة إمكانية تغيير معادلة الرد.. لكن هذا السيناريو، ترى الدوائر الإستراتيجية في تل أبيب أنه لا يزال مستبعداً؛ ذلك أن الأوضاع اللبنانية الداخلية تجعل الحزب غير معني بالقيام بأي عملية “طارئة” ضد هدف إسرائيلي ما.
الحال، أن المتتبع لتقرير الاستخبارات يلحظ أنه متناقض بعض الشيء.. فبينما يعتقد أنّ احتمال شن ما وصفها ب”أطراف معادية” حرباً على “إسرائيل” “ضئيل”، يعود التقرير ويصنّف جبهة لبنان على أساس أنها الأكثر احتمالاً لإندلاع مواجهة مباشرة، بغض النظر عن مستواها وشكلها.
الكاتب الصحافي المتابع للشأن “الإسرائيلي” سهيل كيوان يرى، أن التقدير الإسرائيلي المذكور ينطلق من أن تطورات متسارعة تحصل في المنطقة قد تقود إلى المواجهة مع حزب الله، بالرغم من أن “إسرائيل” تعتبر هذه المواجهة “ضئيلة” حتى اللحظة، لكنها مُرجَّحة أكثر من أي جبهة ثانية.. ذلك أن الجبهة السورية لم تعد مُربِكة مقارنة بذي قبل، كما أن إحتمالية إطلاق مجموعات مسلحة مقربة من إيران في العراق لصواريخ تجاه “إسرائيل” مستبعدٌ على الإطلاق، وقد تم تحييد هذا السيناريو بمساعدة أميركية.
بيدَ أنّ كيوان يعتقد أنّ “إسرائيل” تُضخّم خطر جبهة لبنان، إيذاناً بتكثيف “عمليات أمنية” ضد حزب الله قد تقود إلى رد من الأخير، وبالتالي تتدحرج الأمور إلى مواجهة نتيجة عملية إسرائيلية ما، إذا ما ردّ الحزب عليها بإطلاق صواريخ اتجاه “العمق الإسرائيلي” في غضون ثوانٍ.
الواقع، أن ثمة تلميحات “إسرائيلية” لإمكانية تنفيذ اغتيالات في صفوف حزب الله، لا سيما ما صدر على لسان وزير خارجية “إسرائيل” يسرائيل كاتس مؤخراً بهذا الشأن.
ولهذا، يقول كيوان إن التقدير الإستخباراتي “الإسرائيلي”، يندرج في سياق “تحذير” حزب الله، ثم تحميله مسؤولية تسابق الأحداث جراء عملية “استباقية” محتملة ضد الحزب.
لو افترضنا أن التقييم “الإسرائيلي” المذكور يندرج في سياق التهيئة لعمليات سرية أو علنية قد تقود لرد حزب الله، فإن إسرائيل فعلياً تكثف في هذه الأثناء “جهودها العملياتية” لأي نقل لأسلحة إلى حزب الله من جهة سوريا.
ووفق معلومات خاصة، فإن “القصف الإسرائيلي” الذي طاول مطار “تي فور” في ريف حمص الشرقي الليلة قبل الماضية، استهدف مخازن أسلحة إيرانية، وبعضها كان سيُنقل إلى حزب الله في لبنان.
لا أحد من المراقبين يحسم مسألة إن كانت “إسرائيل” ستقوم بعمليات ما في العمق اللبناني إذا ما ارتأت أن ذلك “َضرورة”.. لكن، هناك مطالبات من جهات استراتيجية في تل أبيب، بضرورة القيام بعمليات “استباقية” للحيلولة دون تعاظم قدرات حزب الله العسكرية، وذلك لمنع “الكارثة” في حال نشبت الحرب القادمة.
بالرغم من تأكيد الدوائر الإستراتيجية في الدولة العبرية أن أحداً لا يريد الحرب، إلا أن القلق من التصعيد الذي يقود إلى الحرب في الجبهة الشمالية أمرٌ قائم.. ويرى مختصون بالشأن “الإسرائيلي”، أن أيّ عمليات إسرائيلية “خاصة” في لبنان لن تكون قبل انتخابات الكنيست المُزمعة مطلع آذار المقبل.
ويفسر هؤلاء المراقبون تحليلهم هذا، بأن “الجيش الإسرائيلي” غير معني بالدخول بحرب ستُفهم أنها لأسباب شخصية وحزبية خاصة برئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو والذي يواجه ملفات فساد متهم بها.. ناهيك عن الأزمة الداخلية الحاصلة في الدولة العبرية بسبب وجود حكومة انتقالية وغير مستقرة منذ أحد عشر شهراً.
وبحسب اعتقاد الدوائر الإستراتيجية في “إسرائيل”، فإن حزب الله لا يفضل الحرب مع “إسرائيل” خاصة أنه يواجه أزمة اقتصادية وسياسية في لبنان.. لكن أن أي “عملية إسرائيلية” قد تقود إلى التصعيد وربما الحرب التي لا يريدها أحد، تماماً كما وقعت حرب تموز 2006 بالرغم من عدم رغبة “إسرائيل” وحزب الله بها.
في المقابل، هناك من يعوّل في “إسرائيل” على أن اغتيال سليماني سيؤدي إلى تغير في نهج حزب الله وأسلوبه، فتزداد “صبغته المحلية والوطنية”، وبالتالي تقليل هامش تأثره بالسياسات الإيرانية… وهذا يعني أن الحزب ما بعد سليماني بات تحت “المجهر الإسرائيلي” بشكل أكبر، ومروراً بانعكاسات التطورات الداخلية في لبنان وكذلك الإقليمية عليه.
لا يُمكن فصل تركيز التقييم الإستخباراتي “الإسرائيلي” على حزب الله، عن منطلق أنه الوحيد الذي تبقى بالمنطقة من ناحية امتلاكه لقدرات عسكرية تقلق إسرائيل، وهو ما يجعل من أي خطأ في الحسابات شرارة لانطلاق حرب مؤذية ومدمرة للطرفين.
المصدر: موقع المدن