جسر: متابعات:
تكررت حادثة قصف الجيش التركي من قبل القوات الروسية وقوات النظام السوري، يوم الخميس الماضي غرب مدينة إدلب، بعد أن استهدفت المدرعات التركية أمام مدينة العاب الرابية الخضراء غرب بلدة النيرب، في الخامس من شباط/فبراير الجاري، وقتل جنديين تركيين وجرح خمسة في نقطة انتشار للجيش التركي قرب بلدة قميناس قرب إدلب.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن مصدر عسكري يتبع قوات النظام أن كتيبة الـ م/د “دمرت أربع دبابات وست عربات مدرعة تركية على محور النيرب”. وأكد المصدر أن “وحدات المدفعية والصواريخ وجهت ضربات مدفعية باتجاه مصادر الإطلاق”. مضيفا أن القصف المدفعي “تزامن مع تنفيذ الطيران الحربي السوري والروسي سلسلة غارات استهدفت خطوط إمداد المسلحين”.
ما يشير إلى ضلوع القوات الروسية وراء الهجوم على النقطة العسكرية التركية، ويتقاطع التصريح مع الشريط المصور الذي بثه إعلام النظام والذي التقط بواسطة طائرة استطلاع روسية ترصد القصف المدفعي المركز على نقطة الجيش التركي قرب النيرب في الأسبوع الأول من هذا الشهر. وكذلك تناقلت حسابات لراصدين عسكريين، لقطة مأخوذة من الجو، قيل إنها للقصف الذي استهدف نقطة الجيش التركي قرب قميناس يوم الجمعة.
وشنت فصائل المعارضة السورية هجوما يوم الخميس بهدف استعادة بلدة النيرب الإستراتيجية والواقعة على طريق حلب-اللاذقية بين مدينتي أريحا وسراقب. وتمكن مقاتلو المعارضة من التوغل والسيطرة على البلدة للمرة الثانية خلال أسبوع، لتعود قوات النظام وتتمكن من السيطرة عليها بعد ساعات.
وشنت المدفعية قصفا صاروخياً ومدفعياً ظهر الجمعة على مواقع قوات النظام في النيرب والمحور الممتد بين بلدة سرمين وآفس شمال غرب سراقب، واستمرت مدفعية النظام بالقصف العشوائي على القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس بين الطرفين.
ودَعت وزارة الدفاع الروسية تركيا لـ”وقف دعم الفصائل السورية ووقف تزويدها بالأسلحة” وبررت قصفها الجوي على محافظة إدلب بـ”خرق الفصائل المسلحة” لدفاع قوات النظام. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع أنها “أوقفت الضربات المدفعية على قوات الحكومة السورية بعدما تواصلت موسكو مع أنقرة” الأمر الذي نفته المصادر التركية.
واتهمت وسائل إعلام روسية تركيا بإغلاق مجالها الجوي، أمام الطائرات العسكرية الروسية، على خلفية الأوضاع في منطقة “خفض التصعيد” في إدلب شمال غربي سوريا، عازية ذلك إلى فشل المباحثات بين وفدي البلدين في موسكو حول إدلب. وعنونت صحيفة “ننيزافيسيمايا غازيتا” خبرها الرئيسي “أنقرة ستغلق المضيق أمام روسيا” واصفة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأنه “تخلى عن تأييد خطط روسيا فيما يخص حل مسألة إدلب”. وأشارت الصحيفة إلى أن “أنقرة لم تسمح بعبور طائرة نقل عسكرية من طراز Tu-154 ومقاتلتين سوخوي-24 من أجوائها وهي في طريقها إلى حميميم”. ونوهت إلى أن “طائرة للحرس الوطني الروسي غيرت مسارها وعبرت من فوق بحر قزوين وإيران والعراق”. محذرة من إغلاق تركيا “مضيقي اسطنبول وجناق قلعة، أمام السفن الروسية التي تقل مستلزمات عسكرية إلى سوريا، عبر البحر الأسود.”
في سياق التوتر، طلبت أنقرة من واشنطن نشر منظومة باتريوت قرب الحدود مع سوريا، الأمر الذي لم يتم حسمه بعد. وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار وجود تهديدات صاروخية موجهة نحو تركيا، كما أن أمين عام الناتو لديه تصريحات بهذا الصدد.
وعن تحرك الناتو لمساندة تركيا إثر توتر الأوضاع مع روسيا في إدلب، نفى أكار أن يكون هناك دعم بالجنود على الأرض في إدلب أو أن يكون للناتو أي خطط وتحركات خلال الأيام المقبلة، مشيرًا إلى إمكانية أن تقدم دول أوروبية أخرى بطاريات باتريوت” في الوقت ذاته لفت أكار إلى أن عملية تركيب وتدريب الكوادر التركية متواصلة على منظومة الدفاع الجوي إس -400 التي اشترتها بلاده من روسيا. وستكتمل عملية نصب المنظومة والتدريب في الربيع المقبل.
وسرعت تركيا وتيرة إرسال جنودها إلى إدلب، وارتفع عدد الجنود من 1200 العام الماضي، ليصل إلى عشرة آلاف جندي خلال الشهر الجاري، ودفعت بنحو ألفي آلية عسكرية منذ مطلع العام. وأصبح عدد النقاط التركية 21 نقطة مراقبة ومعسكر بدل الـ 12 نقطة مراقبة التي نشرتها إبان توقيع اتفاق “خفض التصعيد” وهي أكبر قوة عسكرية تركية مقارنة بالقوات التركية المنتشرة في عفرين أو “درع الفرات” أو تل أبيض، كل على حدة.
وتعكس حدة التصريحات وتصاعدها حجم الخلاف السياسي بين الضامنين في مسار أستانا، تركيا وروسيا، ولكنها بطبيعة الحال، لا يمكن أن تتطور إلى حرب واسعة النطاق بين النظام السوري وتركيا، رغم محاولة تركيا فرض رؤيتها للحل في إدلب، فمن غير المستبعد أن تدعم فصائل المعارضة لشن هجمات متكررة على مناطق استراتيجية، على غرار الهجومين الأخيرين على بلدة النيرب.
على صعيد الروسي، وفي محاولة تجنب الغضب التركي والحفاظ على التقدم الميداني، تفضل قيادة العمليات الروسية في سوريا فتح محور هجوم جديد، يكون بعيدا قليلاً عن كثافة التواجد العسكري التركي ويتجنب مزيداً من الاشتباك بين القوات التركية وقوات النظام، ولا يورطها بقتل الجنود الأتراك من خلال القصف المركز والمباشر من قبل الطيران الروسي. وهنا، يُرجح اشتعال جبهات ريف معرة النعمان الغربية والتوجه غربا باتجاه المحور الواصل بين بلدتي البارة وكفرنبل، ويشكل هذا المحور خطورة على المعارضة، فهو ذات التكتيك المتبع في محاصرة سراقب ومعرة النعمان وريف حلب الغربي، وفي حال التقدم والسيطرة على كفرنبل، سيتقدم النظام غربا باتجاه كفرعويد، وتصبح قواته مطلة على سهل الغاب وترصد نقاط سيطرة المعارضة بالكامل وستنهار جبهات ريف حماة الشمالي بالكامل، وتعجل انسحاباها كي لا تقع في الحصار. ويعزز تلك الفرضية عاملان: الأول هو رغبة روسيا السيطرة على السفح الغربي لجبل الزاوية، وهو المكان الذي حددته وزارة الدفاع الروسية لوفد استانا سابقا، كمصدر للهجمات ضد مطار حميميم بطائرات درون الموجهة. والثاني هو عدم مقدرة قوات النظام على خرق تلة الكبانة وسهل الغاب بالهجوم عليها من مناطق السيطرة، فيكون الإلتفاف عليها من سهل الغاب، شرقاً أقل كلفة من فتح الهجوم من محور آخر.
وتبقى علاقة الضرورة بين روسيا وتركيا هي الأساس بضبط النفس وعدم الانجرار إلى ارتكاب خطأ كبير، مثل إسقاط طائرة روسية، في حين تتسامح موسكو مع الهجوم على طائرات النظام المروحية، ومقتل جنوده. وبخلاف الحديث عن طلاق في العلاقات الروسية التركية، فإن ما يجمع الجانبين أكثر مما يفرقهما بكثير.
وتتمسك أنقرة بالعلاقة الروسية ليس من أجل الحفاظ على مناطق نفوذها الأنية في إدلب وريف حلب الشمالي، وانما تتعداها لحاجتها في الضغط على وحدات “حماية الشعب ” الكردية في شرق الفرات، وهو الأكثر أهمية لتركيا كونه التهديد الأكبر على أمنها القومي، كما ترغب في تصنيفه. إضافة لعدة أسباب أخرى، مثل حجم التبادل التجاري بين الدولتين، ومحطة مرسين النووية التي تبنيها روسيا، وخط السيل الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
في النهاية، سترضى تركيا بمنطقة صغيرة تستوعب المهجرين على الشريط الحدودي. أما الحديث عن حرب، يشتهيها المبعدين من بيوتهم، فهي مفهومة في ظل الانكسار الحاصل، لكنها غير مفسرة في العلاقات الدولية أو في ظل المصالح الروسية التركية الاستراتيجية، فتركيا أدارت ظهرها إلى الغرب منذ تخلي الأخير عنها نهاية 2015 عقب إسقاط طائرة السوخوي الروسية، وتكرست القطيعة مع الصمت الأمريكي وشبهة التواطؤ في محاولة الانقلاب على اردوغان.
(القدس العربي)