جسر : متابعات
بينما تنتشر في دمشق العاصمة وكبريات المدن السورية لوحات ضخمة جداً، صور لبشار حافظ الأسد بوضعيات مختلفة مع عبارة سوريا الله حاميها، تسري هذه الجملة كـ”تعويذة نجاة” لدى مؤيدي الأسد من كل الشرور، وكردّ تهكمي على كل من يسأل عن وضع سوريا وخلف تلك الصور الهائلة التي قد تكون معلقة على جدران الفروع الأمنية يمكث معتقلون منسيون في كل الأزمان، يحميهم الله من قتل بشار الأسد لكن عذابهم مستمر.
مؤكد أن أغلب المعتقلين أولئك لم يسمع شيئاً من طوفان الأخبار وسيل المعلومات عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي يجتاح الكوكب -إلا بلاد الأسد المحمية به، وبتعويذة النجاة- لا أحد من المعتقلين يعرف أن الصين صدرت فيروسا فتاكا وقالت لاحقا إنها انتصرت عليه، وأن إيران الشريكة بما آل إليه وضعهم أصبحت بؤرة للمرض القاتل، وإيطاليا الجميلة تئن، والمسجد الحرام في مكة مغلق ولا صلوات في المساجد، فالمعتقلون في سجون الأسد الحي منهم كالميت، وهم كثر يملؤون الأقبية، محتجزون بحكم الجلاد ينتظرون الموت، وليسوا محتجزين بأمر يضمن سلامتهم.
فماذا لو وصل كورونا إليهم؟ وما يدرينا أو يدريهم أنه لم يصل؟ فالموت في الأقبية عادة يومية، أثبت عناصر الأسد أنهم لم يوفروا سبيلاً إلا وجاؤوا به لقتل المعتقلين تعذيباً مرضاً إهمالاً جوعاً برداً، وقتلاً مباشراً.. فهل موت بالكورونا سيكون مختلفاً وإذا المعتقل أصيب بالفيروس ونقل إليه فحتماً سيكون ضحية مجدداً فهو المحجور عليه من سنين كجماد يتنفس لا يستطيع نقل الوباء بل مؤكد أنه سيتلقاه من جلاده أو حارس زنزاته أو المحقق، ومن الممكن جدا أن يكون أحد هؤلاء -الجلاد أو الحارس أو المحقق- إيرانيا عائدا من بلاده الموبوءة أو أنه عنصر أسدي خالط إيرانياً أو عراقياً مصاباً فالبلاد مفتوحة لهؤلاء دون غيرهم، لكن ما الذي سيتغير لو أصيب المعتقلون وسرى بينهم الفيروس هل سيكون أخطر مما يسري بينهم من أمراض التعذيب والقذارة والجوع والبرد والجروح النتنة وكيف تعالج هذه كلها ليعالج مرضى الفيروس. تعالج بالأهمال حتى الموت أو القتل المباشر أو النقل للموت في الــ 601 المشفى العسكري ذي السمعة السيئة مشفى القتل، فلعمري لو خُيّر المعتقل بين كورونا والمشفى لاختار موته المحقق بالفيروس خلال أيام، بل سيختار أي معتقل الفيروس الذي سيقتله بعد معاناة أيام على معاناة مستمرة وتعذيب لا ينتهي ليصبح أمله الموت المحقق بالفيروس أخف من سجنه.
تقول الأمم المتحدة “إن ظروف الاعتقال في سجون الأسد غير الصحية بلغت درجات خطيرة وممنهجة، وهي ترقى إلى مرتبة عمليات الإبادة”. أفليس الموت بكورونا أرحم من هذا الاعتقال وهل يملك النظام أن يقدم لهؤلاء المعذبين سوى عنفه وبشاعته وحقارته وإجرامه التي تجلت فيما تسرب ويسرب من مشافيه العسكرية على رأسها الــ 601 المسلخ البشري ليكون مكانا مناسبا للرعاية والعلاج، وعن هذا المشفى الذي ضم مرآبه الجثث التي صورها قيصر وعن القتل فيه تنقل صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق نشرته في 2019 عن شهود قولهم “كان هناك رجل يعمل في المشفى كممرض وحارس في نفس الوقت، ويسمي نفسه “عزرائيل” حيث كان يأخذ أحد المرضى وراء الباب الزجاجي، يشبعه ضربا ثم يقتله ويرمي جثته في الممر المؤدي إلى المرحاض.
يقول المعتقلون كنا نشاهد الجثث مكدسة، صباحا وأحيانا كنا نمشي فوق جثث رفاقنا ونحن حفاة”. ويضيف تحقيق الصحيفة عن عزرائيل هذا أنه سمع أحد السجناء مبتوري الأطراف يئن من الألم ويطلب المسكنات، فقال سوف أجعله يرتاح. ثم صرخ أنا عزرائيل وقام بتحطيم وجه ذلك المريض بعصا حديدية وترك الدماء تنزف منه حتى مات”. فإن كانت هذه حال المشفى فهل يكون كورونا قاتلا أكثر إجراما، بل هذا الفيروس موته أرحم من عزارائيل ومشفاه وأمثاله من عناصر الأسد.
بين تفشي فيروس كورونا في صفوف المعتقلين وظروف اعتقالهم في سجون الأسد، يبدو الفيروس أكثر رفقا بهم فهو يحقق لهم موتا خلال أيام أو نجاة، وهذه المعادلة الصعبة المفترضة لن تتحقق وتقدم كخيارات لأولئك المعتقلين مسلوبي الإرادة، لكن لابد للعالم الذي يحاول أن ينقذ نفسه بشتى السبل أن يتحرك أولا تجاه السوريين جميعا كونهم في سجن كبير اسمه سوريا الأسد وثانيا تجاه المدفنون أحياء في سجون الأسد وعلى هذا العالم الذي عافهم طويلاً وترك هذا الألم يستمر أن يتدخل لحفظ أرواحهم وهي فرصة أيضا لحفظ ماء وجه الكوكب الزاهد تجاه السوريين عله ينقذ ما تبقى منهم ويعيد لهم الثقة بأن ثمة في هذه الأرض من يتذكرهم ويتألم لأجلهم كما يتألم الجميع اليوم لما يفعله كورونا بالبشر.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا