جسر: متابعات:
في الوقت الذي تسعى فيه معظم دول العالم وبكل ما تملك من وسائل للحد من انتشار فيروس كوفيد -19 (كورونا)، وتعلن بمختلف الوسائل الإعلامية فضلاً عن الطواقم على الأرض بضرورة البقاء في البيت (عزل ذاتي)، وغسل اليدين المتكرر بالماء والصابون، وترك مسافة لا تقل عن متر بين الأشخاص، وضرورة الغذاء الجيد، ومراجعة المراكز الطبية المختصة بحال الشعور بأي من أعراض ذلك الفيروس المعروفة، تبدو مثل تلك النصائح والإجراءات غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة لمئات الألوف من سكان المخيمات، ولأكثر من خمسة ملايين مهجر في مناطق الشمال السوري، والمخيمات في دول اللجوء.
ففي المخيمات الممتدة من إدلب حتى مدينة الباب مروراً بالشريط الحدودي على أطراف مدينة اعزاز، تتلاصق الخيام من دون مسافات بينها ومن دون تهوية معقولة، ناهيك عن الازدحام داخلها، يعيش في كثير منها أكثر من خمسة أشخاص بمساحة لا تتعدى الخمسة عشر متراً مربعاً.
في هذه الخيام، لا يتعذر فيها العزل فقط، بل حتى الهمس أيضاً، ناهيك عن اضطرار المهجرين إلى اقتطاع مساحة صغيرة من هذه الخيمة وتحويلها إلى مطبخ ومنتفعات “صحية”. أما قضية المياه فهي قصة أخرى، فمعدلها في اليوم وفي أفضل الأحوال ساعتان يسارع فيها الناس إلى تعبئة ما لديهم من براميل بلاستيكية وغيرها من الأوعية لتكفيهم لليوم التالي، ناهيك عن شحها الكبير في الصيف.
هذا بالطبع فيما يُدعى بالمخيمات “النظامية”، أما في الخيام العشوائية المنتشرة بين أشجار الزيتون على طول المنطقة الحدودية، وخاصة بعد التهجير الأخير من محافظة إدلب وريف حماة عقب الهجوم الأخير لكل من النظام وداعميه روسيا وإيران التي طالت حوالي المليون إنسان، حوالي نصفهم من الأطفال، فالأمر أكثر قسوة ويصعب تخيله، إذ يقترب كثيراً من الجحيم، حيث ينام العديد منهم في العراء وسط الظروف القاسية.
وسط هذه الكثافة السكانية الكبيرة، وانعدام فرص العمل بغض النظر عن الظرف الحالي وارتفاع معدل البطالة بين القادرين على العمل لدرجات مخيفة وهو الأمر الذي ينعكس على صعوبة تحمل تكاليف العيش، وبالطبع يصبح الحصول على الغذاء “الجيد”، من باب الترف، فأكثرهم يعيشون على حدود الكفاف. ففي ظل مثل هذه الظروف التي تفتقر إلى تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة، ناهيك عن التدمير المقصود من النظام ومعسكره للمشافي والنقاط الطبية في حملاته المتكررة، سيكون من الصعب للغاية منع انتشار المرض بين المهجرين السوريين، وخاصة بين سكان الخيام، في حال وصل هذا الوباء إلى تلك المناطق، وهو الخوف الذي صرحت به منظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الإنسانية العاملة في تلك المنطقة، ما لم يتم اتخاذ تدابير جدية من الدول، تدابير لا تقتصر على الدعم بأجهزة الاختبار والتنفس وغيرها من الملحقات وأجهزة الوقاية الشخصية التي لا يمكن لكثيرين حتى شرائها، وإن كانت ضرورية وملحة اليوم.
أما حال المهجرين الموجودين في المخيمات اليونانية، فليس أحسن حالاً، حيث يعيشون في مخيمات مكتظة بأضعاف طاقتها الاستيعابية. فمخيم موريا -جزيرة ليسبوس- الذي يشغل مساحة صغيرة بين أشجار الزيتون، والذي يسكنه 20,000 طالب لجوء في مساحة مخصصة لـ 3,000، يشكل بيئة مواتية لانتشار الفيروس الوبائي؛ فسوء المعاملة ونقص الخدمات الطبية والغذائية، ناهيك عن سوء الصرف الصحي في المخيم (صنبور مياه واحد لكل 1300 شخص، أما الصابون فهو نادر الوجود). وسط هذه الظروف السيئة التي يعيشها المهجرون، وكجزء من الإجراءات الاحتياطية تخوفاً من هذا الوباء، فرضت اليونان حظر التجول على اللاجئين والمهاجرين في هذا المخيم. ومع ورود أخبار عن أول إصابة بهذا الفيروس في المخيم، يصبح الأمر أكثر قلقاً على حياة الآلاف فيه، حيث: “سيكون من المستحيل احتواء تفشي المرض في مثل هذه المخيمات في ليسبوس وغيرها من المخيمات”، على حد قول المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليونان، الدكتورة فوشتن.
لم يكن هذا فقط ما يعانيه المهجرون في تلك الجزيرة، فتعامل المتطرفين اليمينيين معهم أكثر سوءاً، والذين ينشرون معلومات كاذبة مفادها أن اللاجئين والمهاجرين ينشرون الفيروس مما يزيد أكثر من المشاعر العدائية المتنامية بين أوساط اليمين الأوروبي، وحتى الصحفيين والأطباء والعاملين في المجال الإنساني لم يسلموا من تلك الشائعات والنبرة العدائية، إذ تعرض بعضهم للضرب، كما أحرقوا بعضاً من مستودعات لتخزين المواد الغذائية، ولم يقتصر الأمر على المتطرفين، فقوات الأمن شاركت بصورة بشعة من خلال مهاجمة بعض الزوارق للقادمين الجدد بقصد إغراقها.
بينما تحاول جميع البلدان التعامل مع الوباء بكل جدية، هناك خطر حقيقي جراء التغاضي عن وضع المهجرين السوريين وخاصة الذين يعيشون في الخيام، لكونهم الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس بسبب ظروفهم المعيشية واكتظاظ مخيماتهم. فكيف يمكن لسكان المخيمات أن يقوموا بالإجراءات التي تعلن عنها كل الدول وهم يفتقدون لأبسط مقومات الحياة من مياه وغذاء وخدمات طبية، ناهيك عن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة بين القادرين على العمل، حيث لا يقدم لهم سوى معونات شهرية لا تكفي ربع حاجاتهم، وكيف يمكنهم تحقيق العزل وهم يفتقدون لأدنى مساحة يرتاحون فيها، وأن الوقوف في طابور الغذاء في مخيمات اليونان قد يستغرق ساعات…
يأتي هذا الوباء في وقت محفوف بشكل خاص حيث إن مستقبل المهجرين واتفاق الهجرة بين الاتحاد بالمخاطر الأوروبي وتركيا موضع خلاف. بالتأكيد يتحمل المجتمع الدولي، وبالتحديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليس فقط المسؤولية في زيادة مساعدته الإنسانية والطبية وتقاسم العبء مع الجيران واستضافة اللاجئين ومعالجة طلبات اللجوء بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني، وإنما باتخاذ موقف جدي ضد روسيا ونظام الأسد نحو إيجاد حل جدي للمهجرين ولغالبية السوريين يزيل عنهم كابوس القهر الأسدي والانتقال لمرحلة جديدة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين والاتفاق على شكل الحكم المقبل الذي يضمن حياة كريمة لكل السوريين، وهذا الموقف لا يكون مرهوناً بوقف مساعدات إعادة الإعمار ورفع العقوبات، وإنما التلويح بالقوة إن اقتضى الأمر.
هل ستدفع كارثة وباء كورونا المجتمع الدولي نحو الالتفات الجدي لمأساة السوريين المتلخصة في بقاء هذا النظام المستبد والذي صار عائقاً أمام حياة جميع السوريين، وليس فقط المهجرين؟ فحياة عشرات الآلاف من المعتقلين مهددة، والملايين مهجرة في الداخل، ومثلهم خارج سوريا، وطوابير المواد الغذائية في عموم سورية مرعبة، والناس تعيش حالة افتقار تصل حد الجوع، أم أنها ستكون ردة كارثية تشجع المستبدين في حدود بلدانهم؟ وفي الجواب على هذا تتكشف صلابة القيم الديمقراطية التي قام عليها العالم الغربي اليوم.
تلفزيون سوريا