جسر: متابعات:
لم يكن خروج رامي مخلوف، رجل الأعمال الأشهر في سوريا، وابن خال رئيس النظام بشار الأسد، على وسائل التواصل الاجتماعي مطلع أيار/مايو الماضي، لتفجير الأزمة التي ظلت حتى ذلك الوقت تتصاعد بينه وبين النظام بشكل بطيء وقابل للاحتواء، نتيجة الضغوط التي مورست عليه من أجل التنازل عن الأموال والشركات التي يديرها وحسب، بل وكذلك بسبب تزايد الأسماء التي عمل النظام طيلة الأعوام السابقة على إبرازها بهدوء، تمهيداً لتسلمها إدارة أعمال الأسرة الحاكمة.
لم يخفِ رامي مخلوف، ومنذ ظهوره الأول، امتعاضه من ذلك، بل وخصّص جزءاً من حديثه للتهجم على (أثرياء الحرب) الذين ظهروا فجأة، والذين كان يعرف أنهم لا يشكلون منافسين اقتصاديين لامبرطوريته وفق معايير التنافس التقليدي وحسب، بل والأهم إدراكه لحقيقة أن النظام يريدهم كبديل عن آل مخلوف.
كان وسيم أنور قطان أحد هؤلاء الرجال الذين أوعزت عائلة الأسد لهم بالعمل على تقويض سطوة رامي مخلوف، ولكن ليس تدمير امبرطوريته الاقتصادية، التي هي في النهاية امبراطورية الأسرة الحاكمة، وهي العملية التي بدأت بالتنسيق مع مخلوف نفسه، على أساس أنها تهدف للتحايل على العقوبات المفروضة عليه وعلى الوجوه التقليدية في اقتصاد النظام، لكنها انتهت بالإجهاز عليه.
حتى عام 2017 لم يكن اسم القطان معروفاً في عالم الأعمال والاقتصاد، لكن نقطة التحول الأولى في مسيرته على هذا الصعيد بدأت في تموز/يوليو من ذلك العام، عندما فازت شركة “مروج الشام” للاستثمار والسياحة المسجلة باسمه، باستثمار “مجمع قاسيون التجاري” في العاصمة، بعد أن دفع مبلغاً يزيد على العقد السابق الموقع مع الحكومة لاستثمار هذا المجمع ب1.2 مليار ليرة، وبمبلغ كلّي وصل الى عشرين مليار ليرة.
صفقة ضخمة رست على اسم بلا تاريخ ولا مقدمات، ومعطيات أكدت بما لا يقبل الشك أن صاحبه مجرد واجهة جديدة لاقتصاد النظام والأسرة الحاكمة في سوريا، خاصة وأن الشركة التي يمتلكها وسجل باسمها عقد استثمار “المجمّع” كان قد تم تأسيسها قبل يومين فقط من المزاد.
وبالفعل، لم تكن هذه الصفقة سوى البداية، فمنذ تلك اللحظة بات الطريق أكثر من معبّد أمام وسيم قطان في عالم رجال الاعمال الذي بدأ يخطو فيه سريعاً، كما أنها لن تكون هذه المرة الأخيرة التي يقتنص فيها الفرص على هذا النحو المتعجل، فبعد تسميته خازناً لغرفة تجارة دمشق نهاية العام 2017، صدر قرار من الحكومة بحل مجلس إدارة الغرفة مطلع عام 2018، ومع التشكيل الجديد تمّت تسميته رئيساً لها.
وبعد ذلك، أسّس وسيم قطان شركة “مروج الشام” قبل يوم واحد من موعد فض عروض استثمار فندق الجلاء في المزة بدمشق، مقابل 5 ملايين دولار سنوياً ولمدة 25 عاماً، ما وضع حداً لكل التكهنات، وأكد بشكل قاطع أنه ليس مجرد مستثمر عادي، حتى بالمقارنة مع رجال الأعمال المقربين من النظام.
لاحقاً أيضاً، أسس وسيم قطان شركة “آدم للتجارة والاستثمار” التي بلغت حصته فيها 50 في المئة من الأسهم، وسريعاً حصلت الشركة على عقد من الحكومة في آب/أغسطس 2018 لتطوير وإدارة “مجمع ماسة بلازا” في دمشق.
وفي كانون الثاني/ يناير 2019، حصلت شركة “إنترسكشن” المحدودة المسجلة باسم قطان على عقد لمدة 48 عاماً لاستثمار “مجمع يلبغا” الشهير التابع لوزارة الأوقاف وسط دمشق، وذلك “لتحويله إلى مجمع تجاري سياحي”، وفق وزارة الخزانة الأميركية التي أدرجت وسيم قطان للمرة الأولى على لائحة العقوبات في تموز/يوليو 2020.
وبالإضافة إلى ما سبق، وخلال ثلاث سنوات فقط، بات وسيم أنور قطان يمتلك العديد من الشركات ذات رأسمال ضخم، مثل “شركة لاروسا للمفروشات” و”أفران هوت بيكري”، و”شركة آدم للتجارة والاستثمار” و”شركة نقطة تقاطع” و”شركة المنزل المثالي للاستثمار” و”شركة افينيو للتجارة والمقاولات” و”شركة تي دبليو A” و”شركة تي دبليو K” و”شركة أسطورة الشرق”.
ورغم أن معظم حلقات هذه السلسلة الضخمة من المؤسسات يشاركه فيها رجال أعمال معروفين سابقاً في سوريا، مثل فراس صباغ وباسل درويش وعماد كنيفاتي وغيرهم، إلا أن حصص هؤلاء الضئيلة في الشركات التي يهيمن عليها قطان، القادم من اللاشيء، تؤكد في النهاية أنه مجرد مدير لهذه الأموال والاستثمارات ليس أكثر.
بعد صدور قرار وزارة الخزانة الأميركية بادراج إسمه وشركاته في لائحة العقوبات الأخيرة المفروضة على شخصيات ومؤسسات تابعة للنظام في سوريا، عبّر وسيم قطان عن اعتزازه بهذا الإجراء، الذي رأى فيه “شهادة تقدير لن تثنيه عن المتابعة في خدمة الوطن” وهو التعاطي التقليدي لرجال الاعمال السوريين المرتبطين بالنظام مع هذا النوع من العقوبات علنياً.
أما عملياً، فتتباين التقديرات حول نجاعة العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على النظام ورجالاته وواجهاته الاقتصادية. فبينما يرى البعض أنها لا تؤثر بشكل فعال ولا تحقق النتائج المعلن أنها تسعى لها، كما أن النظام يعمل بشكل مستمر على الالتفاف عليها بطرق عديدة، من بينها استبدال الشخصيات المعاقبة باسماء جديدة “نظيفة”، يرى آخرون أن مجرد لجوء النظام إلى ذلك يؤكد تضرره من هذه العقوبات بالفعل، وبشكل يضطره لاتخاذ مثل هذه الخطوة التي تعني في النهاية أن وسيم قطان لن يكون سوى “رجل مرحلة” مثله مثل الكثيرين، لا أكثر.
المصدر: موقع المدن 9 آب 2020