جسر:صحافة:
تتجه “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) إلى تكريس الوضع القائم في منطقة شرقي نهر الفرات، من خلال إطلاق حوار بين المكونات العرقية والسياسية في المنطقة التي تشهد اضطرابات أمنية متفاقمة، خصوصاً في ريف دير الزور الشرقي، في ظل تحرك مجموعات يُعتقد أنها تابعة لتنظيم “داعش”، أو للنظام السوري، لضرب الاستقرار ودق أسافين تفرقة بين العرب، الذين يشكلون غالبية سكان شرقي الفرات، التي تعادل ثلث مساحة سورية، وبين الأكراد الذين يتحكمون بمفاصل القرار في المنطقة، معتمدين على ذراع عسكرية تتلقى دعماً من التحالف الدولي، بقيادة أميركا.
وأعلن “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، وهو الذراع السياسية لـ”قسد”، الخميس الماضي، نيّته عقد ملتقى حواري يجمع بين أبناء منطقتي الجزيرة والفرات شمال شرقي سورية، بهدف “تعزيز الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سورية”. ومن المنتظر أن يوجه “مسد” دعوة إلى جميع أبناء المنطقة، سواء من الموالين لـ”الإدارة الذاتية” أو معارضيها، على أن تسبق المؤتمر خطوات تمهيدية، منها عقد ملتقيات وندوات حوارية مصغرة على مستوى كل المناطق التابعة إلى “الإدارة”، وهي القامشلي والحسكة ودير الزور والرقة والطبقة ومنبج وعين العرب (كوباني).
وفي حديث مع “العربي الجديد”، أوضح الرئيس المشترك لـ”مسد”، رياض درار، أن الاجتماع المقرر عقده “جزء من الحوار السوري السوري الذي عقدنا منه ثلاث جولات خلال السنوات الماضية في الداخل السوري”، موضحاً أنه بعد ذلك عقد مؤتمرا للعشائر في بلدة عين عيسى شمال الرقة، بالإضافة إلى ست ورشات عمل في مدن أوروبية. ولفت إلى أن كل ما سبق كان مقدمة لاجتماع للقوى الديمقراطية، وما زلنا في مرحلة التحضير ووضع الأوراق والشخصيات المشاركة في الملتقى. وأشار إلى أنه سيكون “هناك ندوات مع ممثلي المناطق في شرق الفرات من وجهاء وشيوخ عشائر وأكاديميين، تنتهي بمؤتمر حوار سوري سوري لأبناء منطقة الجزيرة والفرات.
وحول مستقبل شرقي الفرات، أشار درار إلى “أننا في خضم صراع متشابك تتدخل فيه قوى إقليمية ودولية”. وتحدث عن وجود جهات تحاول بث الفوضى في المنطقة لأن مشروعها لم ينجح. ومن بين هذه الجهات، وفق درار، “النظام السوري، والمعارضة السورية الموجودة في تركيا لفشلها في قيادة المسار السياسي”. وبرأيه فإن غاية هذه الجهات “إفشال المشروع الوحيد الناجح في سورية، وهو مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشمال شرقي سورية، لأن نجاحه يعني كشف الفشل في مواقع أخرى”، معتبراً أن “هذه الجهات تريد أن يصيب العمى الجميع”. وأعرب عن اعتقاده بأن التفاهم الموجود في شرق الفرات سببه “وجود حكماء بين شيوخ القبائل والعشائر والوجهاء المتنورين لا يريدون الذهاب إلى مشاريع تخريبية”. واعتبر أن “النجاحات المرحلية المتدرجة لمشروع الإدارة الذاتية سوف تزيح الخصوم”.
من جانبه، قال بسام إسحق، رئيس المجلس السرياني السوري وعضو الهيئة الرئاسية بـ”مسد”، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “بعد انتهاء قسد من حربها مع الإرهاب في شرق الفرات أصبح الطريق ممهداً للالتفات إلى قضايا أهل المنطقة الداخلية، وتطوير تجربة الإدارة الذاتية وتوسيعها”. واعتبر أن “هذا التوسع يتطلب منصات للحوار لجميع أبناء المنطقة، وهذا هو الهدف من الملتقى الحواري”. ونفى وجود تنسيق مع الجانب الأميركي حول الملتقى، مشيراً إلى أن التحالف الدولي “مهتم باستقرار المنطقة حتى لا يستطيع الإرهاب الظهور في المنطقة”، مؤكداً أن الملتقى يأتي من أجل “الالتفاف على التدخلات الخارجية من دول إقليمية في المنطقة”. وحول دور المكون العربي في مستقبل المنطقة، أكد إسحق أن الملتقى “يسعى لتعزيز دور هذا المكون في إدارة المنطقة، وترتيب أموره الداخلية بحيث يعمل بشراكة حقيقية مع باقي مكونات الجزيرة السورية من أجل مستقبل سياسي، يضمن الحرية والكرامة والازدهار الاقتصادي لجميع مكونات المنطقة”.
ويأتي تحرك “مسد” في وقت تواجه فيه “قوات سورية الديمقراطية”، التي يتولى الأكراد مهام القيادة والتوجيه فيها، عقبات عدة، خصوصاً في ريف دير الشرقي شمال النهر، الذي لا يزال يشهد غلياناً شعبياً في ضوء عمليات الاغتيال التي طاولت شيوخا ووجهاء قبائل معروفين، إضافة إلى تردي الحالة المعيشية، رغم أن هذا الريف يعوم على بحر من النفط والغاز. كما يشهد هذا الريف فلتاناً أمنياً سمح لخلايا ناشطة من تنظيم “داعش” بتنفيذ عدة هجمات غايتها خلق فوضى يمكن أن تكون سبيله للعودة إليه. ويحاول النظام السوري استغلال التوتر في ريف دير الزور لصالحه، من خلال تحريك مؤيدين له لزعزعة الاستقرار.
كما تأتي الدعوة لعقد الاجتماع في خضم حوار كردي كردي بين أحزاب “الإدارة الذاتية”، وفي مقدمتها “حزب الاتحاد الديمقراطي” المهيمن على “قسد”، وبين أحزاب “المجلس الوطني الكردي” الذي يبحث عن دور رئيسي في إدارة منطقة شرقي نهر الفرات، بالإضافة إلى لعب دور سياسي في المشهد الكردي السوري. وكانت ظهرت أخيراً حركة تضم شخصيات من مكونات الجزيرة السورية وحوض الفرات تدعو إلى “استقلال” المنطقة عن الدولة السورية، بسبب “الإهمال والإقصاء والإفقار الممنهج” الذي تعرضت له الجزيرة وحوض الفرات من قبل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في سورية منذ الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي.
ويصب الاجتماع الذي ينوي “مسد” الدعوة إليه (في حال انعقاده) في صالح ترسيخ الوضع القائم اليوم في المنطقة الأكثر غنى في سورية لجهة الثروات الطبيعية. ورغم أن العرب يشكلون غالبية سكان المنطقة، إلا أنها تتميز بـ”التنوع العرقي”، حيث تضم العدد الأكبر من أكراد سورية، والسريان والأشوريين، وجزءا من تركمان سورية، إضافة إلى عدد محدود من الأرمن والشركس. وتشهد المنطقة تململاً عربياً بدأ يطفو على السطح أخيراً خصوصاً في ريف دير الزور، من تحكّم الأكراد، الذين يملكون “الوحدات” التي تمثل العمود الفقري لـ”قسد”، بمفاصل القرار العسكري والسياسي والأمني والاقتصادي والتعليمي. ومن الواضح أن الوضع غير المستقر في ريف دير الزور الشرقي كان دافعاً رئيساً لفتح أبواب الحوار في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث تخشى “قسد” من خروج الأوضاع عن السيطرة، وهو ما قد يغري مناطق أخرى بإعلان التمرد عليها.
وبينما يشهد ريف دير الزور استياء شعبياً متصاعداً، يعم الهدوء محافظة الرقة التي يقع أغلبها تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية”، حيث لم تشهد اضطرابات كبيرة حتى الآن، ما خلا احتجاجات بين وقت وآخر على تردي الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار. وكذا الوضع في مدينة منبج الواقعة غربي نهر الفرات. إلا أن محافظة الحسكة تشهد بين وقت وآخر احتجاجات من المرجح أن النظام السوري، الذي لا يزال يحتفظ بوجود في هذه المحافظة الواقعة أقصى الشمال الشرقي من سورية، هو المحرك الرئيسي لها.