جسر: اقتصاد:
سعت روسيا منذ بداية تدخلها العسكري في سوريا لتعزيز نفوذها وتأكيد وجودها كلاعب أساسي في شرق البحر المتوسط، وفي الوقت نفسه، تعي موسكو الموقع الجغرافي المهم لسوريا المتوسط بين القارات، والذي يجعلها عقدة الأهداف الجيوسياسية الروسية طويلة الأمد في المنطقة.
ويأتي على رأس هذه الأهداف التحكم بطرق نقل النفط والغاز في العالم، وقطع الطريق على المساعي الأوروبية لأي استيراد للغاز من شرق المتوسط، وإبقاء اعتمادها على الغاز الروسي، وبالتالي التحكم بواردات دول القارة العجوز من الطاقة.
كما لا تنكر روسيا أهدافها ومطامعها في سوريا، ولا تساهم في الاقتصاد السوري بصفة “فاعل خير” أو “دولة مانحة”، على حد تعبير نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين، في أيلول من العام 2017.
حينها قال روغوزين بكل وضوح “سوريا بلد غني بلا حدود، يحصدون المحصول ذاته ثلاث مرات، وأحياناً أربع مرات، في العام، ولديهم ثروات باطنية وموقع جغرافي فريد، وفي سوريا أكبر حقل فوسفات يمكن استثماره، وستعمل موسكو مع دمشق لاستغلاله وتصدير إنتاجه”، مضيفاً “علينا أن نفكر كيف نجني الأموال لميزانيتنا، والشركات الروسية تملك الحق في تطوير مشاريع اقتصادية ضخمة، لا سيما في ظل وجود العسكريين الروس الذين سيبقون هناك للحفاظ على السلام والاستقرار”.
دمشق وجهة الشركات الروسية
شكّلت تصريحات روغوزين إشارة البداية للشركات الروسية، العملاقة منها والصغيرة، ومعظمها من الدائرة القريبة للكرملين والرئيس فلاديمير بوتين، للتوجه نحو الغنيمة السورية، حيث تشهد العاصمة السورية دمشق منذ مطلع العام 2018 زيارات متواصلة لرجال أعمال روس، ولقاءات مع مسؤولي حكومة نظام الأسد، وتوقيع الاتفاقيات والتفاهمات حول مشاريع النفط والغاز، وإعادة الإعمار والبنى التحتية والصناعات التحويلية والإنشاءات والموارد المائية والإنتاج الزراعي.
أولى هذه الزيارات كانت في حزيران 2018، وضمّت رجل الأعمال الملياردير رسلان مرزاغنيف، رئيس مجموعة شركات “KOBIT“، التي تضم 158 شركة عملاقة في مجالات الإنشاءات وإعادة بناء المدن والمطارات والمرافئ والشركات النفطية والزراعية، وشركات الإكساء، والمسح الجيولوجي والتنقيب عن النفط.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مرزاغنيف قوله “تم الاتفاق مع الجانب السوري على إطلاق مشاريع عديدة في غضون أشهر قليلة، تتضمن بناء صوامع للحبوب، ومصانع ومرفأ جديد في مدينة اللاذقية ومراكز تدريبية، بالإضافة لتمكين القنوات الإعلامية السورية من تجاوز الحظر المفروض عليها، والبث عبر أحد الأقمار الصناعية الروسية”، موضحاً أن لقاءات رجال الأعمال الروس تمت مع وزراء النفط والنقل والصناعة والزراعة والري والإعلام في حكومة نظام الأسد.
الثروات السورية بالأرقام
قدّرت “الوكالة الدولية للطاقة” في العام 2010 حجم الاحتياطي السوري من النفط بملياري ونصف المليار برميل، وبحسب بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، في نفس العام، وصل معدل الإنتاج لنحو 380 ألف برميل يومياً، توقف إنتاجها رسمياً بين النصف الثاني من العام 2012 ومطلع العام 2013، فيما يؤكد وزير النفط السوري، علي غانم، أن الحكومة تستهدف استعادة الإنتاج تدريجياً ليصل إلى 219 ألف برميل مع نهاية العام 2019، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
أما الغاز، فلا تتوفر إحصائيات دقيقة لحجم الاحتياطي، إلا أن بيانات وزارة النفط السورية تشير إلى أن إنتاج سوريا من الغاز قبل الحرب وصل 21 مليون متر مكعب يومياً، وكشفت “هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية – USGS” أن حقل قارة جنوب مدينة حمص يحتوي على 437 مليار متر مكعب من الغاز.
وتحتوي المياه الإقليمية السورية على كميات من النفط والغاز القابل للاستثمار، ونشرت شركة “CGG Vertitas” الفرنسية، تقريراً في العام 2011، تحدثت عن “نتائج مشجعة” لاحتياطيات الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية.
من جهتها، قالت “هيئة المسح الجيولوجي الأميركية“، في آذار من العام 2010، عن احتياطي كبير في حوض شرق المتوسط، قدرته بنحو 1.7 مليار برميل من النفط، و122 ترليون متر مكتب من الغاز، يقع جزء منها في المياه الإقليمية السورية.
ولا تقدم وزارة النفط التابعة للنظام أي معلومات حول الاحتياطيات السورية المؤكدة من النفط والغاز، لكن قالت صحيفة “الثورة”، التابعة للنظام، إن المياه الإقليمية السورية تضم نحو 6.5 % من الاحتياطيات التي تحدثت عنها الهيئة الأميركية.
ومنذ إعلان حكومة النظام عن نيتها بالشروع بأعمال التنقيب البحري في العام 2019، رجّحت مصادر إعلامية ودبلوماسية، أن تحصل الشركات الروسية على الأولوية في تراخيص الاستكشاف.
وذكر موقع “تركيش بولسي” أنه من المرجّح أن تحصل الشركات الروسية على حصة الأسد من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، وستسرّع من جهود التنقيب البحرية والبرية في سوريا، الأمر الذي يمنح موسكو قوة إضافية للتأثير في منطقة البحر المتوسط.
وبخصوص الفوسفات، فتعتبر الثروة الأهم، حيث احتلت سوريا المرتبة الخامسة عالمياً في قائمة الدول المصدرة في العام 2010، لما يتمتع به بمواصفات عالية وقادرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
ويقدّر الاحتياطي السوري المؤكد من الفوسفات بنحو ملياري طن، يوجد القسم الأكبر منها في مناجم “خنيفيس” و”الشرقية” في منطقة البادية السورية، والتي بلغ إجمالي إنتاجها في العام 2011 قرابة 3.5 مليون طن سنوياً.
النفط والغاز والفوسفات في قبضة أصدقاء بوتين
أمام هذه الأرقام، أعلنت وزارة الطاقة الروسية في تموز من العام الماضي، أن عدة شركات روسية هي “JSC Zarubezhneft” و”Zarubezhneft Geology” و”STG Engineering” و”TechnoProm Export“، باشرت بأعمال التنقيب الجيولوجي في حقول ومكامن الطاقة، جنباً إلى جنب مع أعمال إعادة تأهيل حقول ومصافي النفط والغاز، فضلاً عن صيانة وتحديث المحطات الكهروحرارية.
وتتبع الشركات الأربع الحكومة الروسية، والأخيرة منها جزء من مؤسسة “Ростех” الروسية المختصة بتصميم وتصنيع وتصدير المنتجات الصناعية ذات التقنيات العالية وبالطابعين المدني والعسكري.
ووفق مصادر خاصة، في وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام، لموقع “تلفزيون سوريا”، فقد حصلت شركات روسية أخرى على العديد من العقود طويلة الأمد في مجال الطاقة، منها عقد “عمريت”، الذي يتيح لشركة “Soyuz Nefte Gaz” المملوكة لرجل الأعمال غينادي تيموشينكو، صديق بوتين المقرب وأحد أبرز داعميه، حق التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ طرطوس إلى مدينة بانياس، وبعمق شاطئ 70 كيلومترا، وبمساحة تزيد عن 2190 كيلومترا مربعا في المياه السورية لمدة 25 عاماً، بالإضافة إلى عقد يعطي الشركة نفسها حق التنقيب في حقل قارة بريف حمص، الذي يحوي على كميات هائلة من الغاز الطبيعي.
كما أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية، في كانون الأول من العام 2019، عن إبرام عقدين من شركتين روسيتين لاستكشاف موارد الطاقة في القطاع البحري السوري، إحداهما شركة “كابيتال”، دون الإفصاح عن اسم الشركة الثانية.
في حين قال وزير النفط، علي غانم، أن هناك عقدا وقِّع سابقاً لاستكشاف موارد الطاقة في إحدى البلوكات في المياه الإقليمية السورية، دون أن يسميها، ورجّح مصدرنا في النفط أن تكون شركة “Soyuz Nefte Gaz”.
وفي كانون الأول من العام 2019، أقرّ مجلس الشعب تصديق العقود الموقعة بين وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة “ميركوري الروسية المحدودة المسؤولية”، وتعود ملكيتها لرجل الأعمال ديمتري غرين، للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه، في حقل نفطي يقع في الجزيرة السورية، ويمتد على مساحة 9531 كم مربعا.
كما أقر مجلس الشعب في الجلسة ذاتها، تصديق العقود الموقعة مع شركة “فيلادا المحدودة المسؤولية”، ويملكها رجل الأعمال اوليك كيريلوف، للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاج في حقل غاز يقع شمال دمشق، ويمتد على مساحة 2159 كم مربعا.
ويشير المصدر في وزارة النفط، في حديثه مع “موقع تلفزيون سوريا” حضرت شركات روسية كثيرة متخصصة بالنفط والغاز في معرض “سوريا الدولي للبترول والثروة المعدنية – سيربترو” الذي أقيم في مدينة دمشق في تشرين الأول من العام 2019، ومنها شركتا “أورال تكنو ستروي” و”أر إم إن تيخنو”، واللتان أكدتا عبر رؤساء مجلسي إدارة كل منهما وجودهما على الأراضي السورية، ومشاركتهما بأعمال التنقيب وتكرير النفط وفق عقود رسمية موقعة مع وزارة النفط التابعة للنظام.
أما قطاع الفوسفات، فكانت إيران تستعد للسيطرة على مناجم “خنيفيس” و”الشرقية”، أثناء المعارك التي شاركت فيها ميليشياتها إلى جانب قوات لاستعادة البادية السورية من “تنظيم الدولة”.
ووقّع حينها رئيس الحكومة السورية عماد خميس اتفاقاً مع الحكومة الإيرانية، خلال زيارته لطهران في كانون الأول من العام 2017، يقضي بمنح إيران السيطرة على هذه المناجم في مقابل الديون السورية المستحقة.
وأوضح المصدر أن نظام الأسد في نيسان من العام 2017، وقبل استعادة السيطرة على المناجم، غدر بالجانب الإيراني ووقّع عقداً مع شركة “STN Glogestic” الروسية التي تتبع شركة “Soyuz Nefte Gaz”، ينص على صيانة المناجم وإعادة تأهيلها، ومن ثم قدّم النظام خدمات حماية الإنتاج ونقله إلى لبنان للتصدير، عبر ميليشيات من قواته، وأكد المصدر أن الشركة بدأت عملها فعلياً بعد شهرين من توقيع العقد.
وبحسب المصدر، حصلت شركة “Story Trans Gaz”، بموجب عقد مع “المؤسسة العامة للجيولوجيا”، التابعة لوزارة النفط والثروة المعدنية، على حق استخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، لفترة 50 سنة وبحجم إنتاج 2.2 مليون طن سنوياً، تبلغ الحصة السورية 30 % من مجمل كمية الإنتاج، الذي بدأ استخراجه مطلع العام 2018.
وفي قطاع الإنتاج النفطي، وقّعت شركة “Evro Polis“، مذكرة تعاون مع وزارة النفط والثروة المعدنية مطلع العام 2017، ووفق بنود المذكرة، تلتزم الشركة بتحرير مناطق تضم آباراً ومنشآت نفطية وحمايتها، مقابل حصولها على 25 % من الإنتاج النفطي.
ويذكر أن شركة “Evro Polis” مملوكة لرجل الأعمال يفغيني بريغوجين، والمعروف في الأوساط الروسية بأنه “طباخ بوتين” كونه كان يعمل متعهداً لتقديم الوجبات إلى حفلات الكرملين، وتحول إلى ملياردير بسرعة فائقة، وتأسست شركته قبل شهور قليلة من توقيع المذكرة مع الحكومة السورية، وقد وضعتها الولايات المتحدة الأميركية في قائمة العقوبات في كانون الأول من العام 2018.
في هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “السيطرة الروسية على حقول البادية والواجهة البحرية السورية، من أكبر المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها موسكو”.
وأوضح كريم أن هذه السيطرة “حرمت باقي الدول من الوصول إلى الأسواق العالمية، حيث منعت روسيا دول الخليج وقطر من تشغيل خطوط نقل النفط والغاز عن طريق سوريا إلى البحر المتوسط ومن ثم أوروبا، الأمر الذي يبقي قطاع الطاقة الروسي متقدماً على منافسيه، نظراً لسهولة وصول منتجها إلى المستهلك”، مشيراً إلى أن قسماً كبيرا من تكاليف إنتاج الطاقة تتعلق بالنقل.
إعادة الإعمار فريسة الشركات الروسية
يعتبر ملف إعادة الإعمار من الملفات الشائكة في المسألة السورية، وتقدر الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار سوريا بين 250 – 400 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة إلى ستة أضعاف الناتج المحلي السوري قبل الحرب، ولا تستطيع روسيا، أو الحليف الآخر إيران، تحمل هذه الكلفة، فالاقتصاد الروسي لم يتعافَ بعد من صدمة الإفلاس في العام 1998، كما تواجه موسكو عقبات اقتصادية عدة تتجسد في العقوبات الغربية وتدني أسعار النفط، وفي الجهة الأخرى يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمة حادة بسبب العقوبات الأميركية بعد انسحابها من الاتفاق النووي، ما أدى لانهيار العملة وركود الإنتاج الصناعي.
هذا الأمر دفع روسيا لطرح ملف إعادة الإعمار في المحافل الدولية، لجذب الأوروبيين والأميركان ودول الخليج العربي للمساهمة فيه، واستخدمت موسكو ورقة اللاجئين أمام دول الاتحاد الأوربي، حيث قام مسؤولون روس بعدة زيارات إلى ألمانيا وفرنسا والأردن والسعودية، لإقناع هذه الدول بأهمية إعادة الإعمار لإعادة اللاجئين، لكن كل تلك الجهود قوبلت برفض واسع، فالدول المانحة لن تشارك في عملية إعادة الإعمار دون اتفاق سياسي برعاية أممية، فيما اشترطت الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي رحيل بشار الأسد والدائرة المحيطة به قبل الشروع بإعادة الإعمار.
إلا أن التشدد الدولي في هذا الملف لم يثن موسكو عن تشجيع الشركات الروسية عن البدء فعلياً بالانقضاض على الفريسة السورية، وإبرام الصفقات والأعمال المتعلقة بالبناء والمدن السكنية في مختلف المناطق.
وبحسب رئيس “مجلس رجال الأعمال السوري الروسي” سمير حسن، فإن “نحو عشرات الشركات الروسية من قطاع البناء زارت سوريا خلال عامي 2018 و2019، وشهدت الزيارات تفاهمات بشأن عدة استثمارات ومشاريع حيوية، من بينها مشاريع تتعلق بالكهرباء والبنى التحتية والاستثمارات السياحية”.
كما زار دمشق ممثلون عن مئات الشركات الروسية المتخصصة في مجالات إعادة بناء المدن والمطارات والمرافئ والشركات النفطية والزراعية والصناعية، وشركات الإكساء والمسح الجيولوجي والتنقيب عن النفط وغيرها، والتقوا بالعديد من رجال الأعمال السوريين ومسؤولين في الحكومة السورية، وتم الاتفاق على عشرات المشاريع في مجال الإعمار والبنى التحتية، فضلاً عن طرح مشروع توسعة مرفأ طرطوس، وبناء مرفأ جديد في اللاذقية، وتطوير معدات شركة الطيران السورية، وإنشاء خط بحري مباشر ما بين ميناء اللاذقية وميناء نوفوروسيسك، عبر سفن الشركة نفسها.
إلى جانب الاستثمارات الروسية في قطاع الطاقة السوري، أقامت الشركات الروسية مواطئ قدم لها في قطاعات أخرى في الاقتصاد السوري كي تضمن قيام دمشق بإبرام عقود معها.
ففي آذار من العام 2018، استحصلت شركات روسية على عقود مسبقة لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة في حمص، وسكة حديد تربط مطار دمشق الدولي بوسط المدينة، ومجموعة من المصانع الصناعية التي ستؤدّي دوراً أساسياً في تطوّر سوريا مستقبلاً. بفضل هذه العقود، ستتمكّن روسيا من الإفادة اقتصادياً من تدفّق الاستثمارات الخارجية في سوريا، والتي تأمل بأن تأتي بشكل طبيعي بعد العملية السياسية.
من جهة أخرى، أعلنت شركة “AtomstroyExport” الممولة من الحكومة الروسية والمختصة في المقاولات والتشييد السريع، عن افتتاح فرعها في سوريا، وأكدت في بيان أصدرته أنها ستعمل في مجال بناء مواد البناء والإكساء والخرسانة والأخشاب والحديد وكل ما يتعلق بالمقاولات، وأكد مدير الشركة، دينيس موتوز، جاهزية الشركة لتنفيذ المشاريع السكنية التي تم الاتفاق عليها مع الجانب السوري.
وأفادت مصادر خاصة، لموقع “تلفزيون سوريا”، أن شركة “AtomstroyExport” الروسية، الخاصة بالإنشاءات والتعمير، تسعى للدخول كجهة استثمارية في مشروع “Marota City“، الذي يجري بناؤه على أنقاض حي بساتين الرازي، الذي هجّر أهله في العاصمة دمشق، بهدف إنشاء مدينة ذكية تمتد على مساحة مليونين و149 متراً مربعاً.
وبحسب المصادر، فإن الشركة تسعى لأن تكون بديلاً منفذاً للمشروع، عن شركة “شام القابضة”، المملوكة لرامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، والتي كانت تشرف على المشروع قبل الخلاف بين مخلوف والأسد.
ويستند هذا المشروع إلى المرسوم “رقم 10”، الذي أصدره الأسد في نيسان من العام 2019، ويقضي بإعادة صياغة المخططات العمرانية لمناطق عديدة في مختلف المحافظات السورية، أبرزها ثلاثة أحياء في العاصمة دمشق هي (داريا، الرازي، اليرموك) ومعظم أهالي هذه الأحياء مهجرون، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية سورية ودولية تشريعاً لاغتصاب أراضي وعقارات المهجرين واللاجئين.
وفي مدينة حلب، يجري مجلس المحافظة مفاوضات مع إحدى الشركات الروسية على مشروع بناء 82 برجاً سكنياً في مناطق تمتد من حي الأشرفية إلى حي الشيخ مقصود، وهي من أحياء حلب الشرقية التي استعاد النظام السيطرة عليها بمساعدة القوات الروسية مطلع كانون الثاني من العام 2016.
وفي السياق، نقل موقع “Drekul” الروسي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية، عن رجل الأعمال أرتور ديرباسكا إن شركته “Gigan” حصلت على مجموعة من الأراضي في مدن اللاذقية وطرطوس وحمص، سيتم استثمارها داخل المدن على شكل أبراج سكنية.
واللافت في مشروع ديرباسكا التسهيلات التي يقدمها للسوريين للاستكتاب في المشروع، فبحسب إعلان الشركة ستكون كلفة الشقق أقل من سعر السوق بنسبة 50 في المئة، فضلاً عن إمكانية حصول المستكتبين على قروض من البنوك الروسية، التي ستُفتح فروعاً لها في سوريا.
أما في مجال السياحة، فقد أطلقت شركة “Story Trans Gaz” أولى المشاريع السياحية الروسية على الأراضي السورية، بعد وضع حجر الأساس لمشروع إعادة تأهيل قرية “المنارة” السياحية بمحافظة طرطوس، وهو عبارة عن مشروع فندق خمس نجوم يقع على شاطئ مدينة طرطوس. ويتضمن المشروع أسواقاً تجارية وخدمات سياحية بكلفة 90 مليون دولار أميركي.
وفي آب من العام 2017، قال وزير السياحة السابق في حكومة النظام، بشر يازجي، إنَّ النظام يعتمد على مساعدة المستثمرين الروس في ترميم البنية التحتية لقطاع السياحة السوري.
وأوضح يازجي أن وزارته خصصت مشاريع خاصة ومغرية للمستثمرين الروس في الساحل السوري ومناطق أخرى، مؤكداً أنه “سيكون للمستثمرين الروس حصة كبيرة من التسهيلات وفق شروط تجعل منه المستثمر الأول في سوريا”.
وأشار يازجي إلى أنه “تم إعداد قانون استثمار يهدف إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تحديد أنواع الاستثمارات السياحية وأشكالها، والأسس والمعايير المتعلقة بالاستثمار السياحي، على أن تكون الأفضلية للمستثمر الروسي والمستثمرين من الدول الصديقة”.
هذي هي الحال في سوريا
تنامى الدور الروسي في سوريا حتى بات متحكماً بكل مفاصل البلاد، وبات الاقتصاد السوري شأناً روسياً، وخسرت البلاد معظم مواردها من خلال عقود الاستثمار طويلة الأمد مع الشركات الروسية، وبات النظام يشتري ثرواته منها بأقل الأثمان، بما فيها القمح، الذي كانت سوريا تصدره قبل الحرب.
وتدرك موسكو حجم الدمار الهائل الذي حل بالبنية التحتية في سوريا على جميع الصعد، كما تدرك أن المجتمع الدولي لن يكون شريكاً في إعادة الإعمار ضمن شروطها، وفي الوقت نفسه تخشى من المنافسة الإيرانية والصينية، لذلك تحتاج لإقامة المشاريع والمنشآت في الداخل السوري للأثرياء ورجال الأعمال والطبقة الاجتماعية التي أنتجتها الحرب، وتحتاجها الشركات الروسية للسيطرة على الواجهة الاقتصادية المحلية، دون أن تستفيد غالبية الشعب السوري من هذه المشاريع.
في المقابل، لم يعد بإمكان نظام بشار الأسد الحد من هيمنة الروس على البلاد، فالاتفاقيات التي وقعتها حكومته جعلته خارج المعادلة فعلياً، ورمت بالاقتصاد السوري إلى الهاوية بالمعنى الحرفي.
موقع تلفزيون سوريا ١١ ايلول/سبتمبر ٢٠٢٠