جسر: صحافة:
بشكل مفاجئ أعلم اسماعيل، وهو مقاتل سابق في أحد فصائل “الجيش الحر” التي كانت عاملة في ريف إدلب، أسرته نيته التوجه إلى أذربيجان، ضمن قوة تجهزها بعض فصائل المعارضة السورية بطلب من تركيا.
حدث ذلك قبل شهر ونصف تقريباً، لكن يوم الجمعة الماضي، أبلغ اسماعيل، الذي تجاوز السابعة والثلاثين من العمر، زوجته وذويه بأن موعد سفره قد تحدد خلال أسبوع، وأنه سيتوجه ضمن الدفعة الأولى من مقاتلي المعارضة الذين خضعوا لتجهيز سريع على مدار الأسابيع الأربعة الماضية، في معسكرات الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني” تمهيداً لإرسالهم إلى أذربيجان.
وحسب معلومات حصلت عليها “المدن” فإن قادة في الفيالق الثلاثة التي يتكون منها “الجيش الوطني” المدعوم من قبل تركيا، تم تكليفهم منذ منتصف أب/اغسطس الماضي بالعمل على استقطاب الراغبين بالتوجه إلى أذربيجان وتجهيزهم للسفر إلى هناك.
المصادر التي كشفت هذه التفاصيل، أبلغت “المدن” أن تركيا طلبت من قيادة “الجيش الوطني” أن يتم استقطاب المتطوعين من خارج ملاك الفصائل التي يتكون منها “الجيش”، ولكن بشرط أن يكونوا ممن لديهم خبرة بالتعامل مع السلاح، أي من المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، وهو تماماً ما ينطبق على إسماعيل، الذي تعارض عائلته وزوجته قراره.
مغريات مادية
وحسب شقيق اسماعيل، فقد حاول الجميع ثنيه عن خياره الذي لم يكن متوقعاً، خاصة وأنه رفض من قبل وبشكل قاطع العروض التي قدمت له من أجل السفر إلى ليبيا والانضمام إلى قوات حكومة الوفاق، عندما أرسلت تركيا المئات من زملائه في فصائل المعارضة للقتال في ليبيا، لكن عاملان أساسيان أسهما في قبوله للعرض الجديد مؤخراً.
ويؤكد الشاهد الذي روى ل”المدن” التفاصيل السابقة، أن الدافع الأول الذي أدى لقبول شقيقه العرض هو أن القتال في أذربيجان سيكون بجانب (جيش الحكومة المسلم) ضد جيش (ارمينيا المسيحي)، أي أن المقاتل لن يكون في موضع شبهة كالذي يفرضه القتال في ليبيا، حيث الطرفان الذين يتواجهان هناك مسلمان، أما العامل الثاني فهو الراتب الضخم مقارنة حتى بالراتب المخصص للمقاتلين الذين توجهوا إلى ليبيا على مدار الأشهر الماضية.
وواجهت عمليات تجنيد متطوعين بين المقاتلين السورين للقتال كمرتزقة في قوات حكومة الوفاق من جانب تركيا ،بعض الصعوبات بسبب العامل الديني، ورغم العمل على إقناع المقاتلين المستهدفين بحملات التجنيد، بأن الجيش الذي يقوده اللواء خليفة حفتر في ليبيا، هو جيش يقاتل ضد “الحكومة الإسلامية الشرعية” في طرابلس، ومدعوم من قبل روسيا والغرب، إلا أن هذه العقدة لم يكن من السهل تجاوزها.
بالمقابل كان الأمر أكثر سهولة عند طرح عرض التوجه إلى أذربيجان على اسماعيل وغيره العديد من المقاتلين السابقين في فصائل “الجيش الحر” التي كانت ناشطة في إدلب ونجحت “جبهة النصرة” بتقويضها على مدار الأعوام السابقة، فارضة على من اعتزل القتال من عناصر هذه الفصائل عدم حمل السلاح في مناطق سيطرتها.
لكن الأمر عاد وواجه صعوبات مع اكتشاف الكثيرين للمرة الأولى أن الشعب الآذري يتبع المذهب الشيعي، ما جعل غالبية المقاتلين الذين وافقوا على العرض في البداية، وعددهم نحو ثلاثة آلاف، يتراجعون عن قرارهم، على الرغم من التوضيحات التي قدمها القادة الذين تكفلوا بتجنيد المتطوعين، ومحاولة الفصل بين شيعة أذربيجان وشيعة إيران وإبراز الاختلافات بينهم، إلى جانب توضيح الموقف السياسي المختلف للحكومتين الآذزية والتركية من روسيا وتركيا ومن القضية السورية أيضاً.
لكن العرض المادي الاستثنائي الذي حصل عليه اسماعيل وبقية المقاتلين الذين وافقوا على التوجه إلى أذربيجان، ساهم في تجاوز العقدة المذهبية. وسيحصل المتطوع على مبلغ يتراوح بين 1500 و1800 دولار شهرياً، وهو مبلغ ضخم ليس فقط بالمقارنة مع الواقع البائس الذي يعيشه الشباب في سوريا، من حيث انتشار البطالة وانخفاض الأجور إلى ما دون 30 دولاراً في الشهر، بل حتى مع الراتب الذي يُقدم للمرتزقة الذين توجهوا للقتال في ليبيا، والذين لا يحصلون على أكثر من 500 دولاراً.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن ما أغرى المتطوعين الذين وافقوا على القبول بهدا العرض هو أن جبهات القتال على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان شبه باردة ولا تشهد توترات إلا بشكل محدود ومتباعد، على عكس الجبهات المشتعلة في ليبيا، والتي سقط فيها عشرات المرتزقة السوريين من المتطوعين لدى طرفي المعركة خلال الأشهر الماضية.
الدفعة الأولى جاهزة
وبخلاف ليبيا، حيث كانت الحكومة التركية قد أكدت منذ البداية إرسالها مقاتلين سوريين للمشاركة في المعارك هناك، فإن أنقرة لم تعلق على هذه المعلومات حتى الآن، وكذلك قادة فصائل المعارضة المدعومة منها.
لكن المعلومات التي حصلت عليها “المدن” حتى الآن تشير إلى إنهاء الضباط المسؤولين عن إعداد الدفعة الأولى من المتطوعين في الدورة التدريبية التي التحق بها نحو ألف من المقاتلين السابقين بفصائل المعارضة وأقيمت بمعسكر تدريبي بالقرب من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي.
وتشير المصادر إلى أن المقاتلين الذين أنهوا هذه الدورة تم رفع أسماءهم إلى الطرف التركي، بعد تنسيبهم على الفيالق الثلاث التي يتكون منها “الجيش الوطني”، ومُنحوا إجازات لمدة أسبوع على أن يتم نقلهم إلى تركيا براً ومنها إلى أذربيجان عن طريق الجو، ليمضوا ثلاثة أشهر في أول مهماتهم على الحدود مع أرمينيا.
بعد ليبيا يصل القطار إلى أذربيجان، ومعه يستمر استغلال السوريين وسط تردي أوضاعهم الاقتصادية وتفشي البطالة والفقر في المجتمع بشكل غير مسبوق. وتُعتبر المشاركة السابقة في العمليات العسكرية رأسمال الشباب السوري الذي بقي داخل وطنه اليوم، حيث تتنافس العديد من الدول على استثمار هذه الخبرة في توظيف أصحابها كمرتزقة في خدمة أهدافها السياسية.
المصدر: صحيفة المدن ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠