جسر: سياسة:
عززت القوات الأمريكية وجودها في منطقة شرق الفرات للمرة الثانية خلال أيام، بعد أن استقدمت نحو 100 جندي من قوات المارينز وعربات برادلي القتالية، التي سحبت من منطقة شرق الفرات، قبل عام، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من المنطقة. وقالت القيادة الأمريكية المشتركة في منطقة الشرق الأوسط أنها نشرت رادار نوع “سنتينل” قصيرة ومتوسطة المدى.
وتأتي هذه التعزيزات مع خلافات متصاعدة بين القوات الروسية والأمريكية في منطقة شرق الفرات، وتصادم دوريات البلدين بشكل مستمر ومتكرر كان آخرها نهاية آب (أغسطس) الماضي. فيما اعترضت دورية أمريكية، يوم الاثنين دورية روسية بالقرب من منطقة المالكية أقصى شرق سوريا.
وتجولت دورية أمريكية في بلدة تمر القريبة من منطقة “نبع السلام” بحماية قوات سوريا الديمقراطية” قسد” ما أثار غضب الروس الذين يعتبرونها إحدى مناطق سيطرتهم الأساسية إضافة إلى القامشلي. وتجاهلت “قسد” التحذيرات الروسية التي طالبتهم بمنع دخول الدورية الأمريكية، ما دفع الضباط الروس إلى التهديد بالانسحاب من تل تمر وترك “قسد” تواجه مصيرها منفردة أمام القوات التركية وفصائل المعارضة الذين ينتشرون على الأطراف الشمالية للبلدة.
وعقدت القيادة الروسية وقادة في “قسد” اجتماعات في مطار القامشلي، هدد الروس خلاله بالانسحاب من بلدتي تل تمر وعامودا، القريبتين من راس العين التي يسيطر عليها الجيش التركي، في حال واصلوا ما يقومون به من استفزازات والاستقواء بالقوات الأمريكية. ويتهم مركز المصالحة الروسية في القامشلي “قسد” انها وراء تأليب الأهالي وتشجيعهم على إعاقة الدوريات الروسية التي تسير شرق القامشلي والمناطق النفطية، وأنها هي من قامت بالاعتداء على الدوريات الروسية التركية المشتركة في منطقة الـ 10 كم التي تسير فيها الدوريات الروسية التركية حسب نص اتفاق سوتشي لعام 2019 الموقع بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اروغان.
ويأتي التحذير الروسي بمثابة تهديد صريح أنه في حال الانسحاب فإن تركيا ستبدأ عملية عسكرية جديدة، حيث تتهم موسكو “قسد” بخرقها اتفاق سوتشي والذي نص صراحة على إبعادها 30 كم عن الحدود السورية التركية على كامل الشريط الحدودي، عدا مدينة القامشلي. وهو ما يعني عمليا خروجها من كامل المدن الحدودية ذات الغالبية الكردية في عين العرب/ كوباني وعامودا والدرباسية والمنطقة النفطية في الرميلان والمالكية وصولا إلى مثلث الحدود العراقية.
وطمئن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، السفير جميس جيفري، حلفائه الأكراد شرق سوريا بعدم وقوع أي معركة أو هجوم على المنطقة، مستندا إلى اتفاق أنقرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس. وترافق تصريح المبعوث الأمريكي مع جهود كبيرة يبذلها هناك، بين المكونات العربية والكردية، والحوار الكردي -الكردي، بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والإدارة الذاتية من جهة، والمجلس الوطني الكردي المعارض.
الحسابات الروسية
تحاول موسكو الضغط على قوات سوريا الديمقراطية بهدف استدراك ما فاتها في شرق الفرات، ومحاولة وضع موطئ قدم في المنطقة النفطية قبل أن تباشر شركة دلتا الأمريكية، بإعادة ترميم الحقول النفطية وتشغيلها. وتدرك موسكو ان تفعيل العمل بالاتفاقية النفطية يعني ان قرار الانسحاب الأمريكي أصبح مستبعدا، حتى لو خسر ترامب سباق الرئاسة الأمريكية ونجح منافسه جو بايدن.
وأمام المعطيات الجديدة، تفضل روسيا عدم الصدام المباشر مع القوات الأمريكية في المنطقة النفطية من سوريا، وستشجع تركيا على شن عملية عسكرية جديدة في منطقة النفوذ الأمريكية، بالتحديد شرق القامشلي وليس غربها أو في كوباني، كونها منطقة نفطية تتواجد فيها حقول المالكية والرميلان، وهي الحقول التي لم يشملها العقد الموقع بين الإدارة الذاتية وشركة النفط الأمريكية- كما هو معلن- التي ستعمل في حقول منطقة دير الزور على الضفة اليسرى لنهر الفرات. وبالطبع فإن كسب أنقرة لمباركة موسكو ضد القوات الكردية سيخفف من العوائق التي تواجهها هناك، فالعملية تعني موافقة ضمنية من النظام السوري أيضا ومن إيران بشكل أو بآخر.
وتعرض العملية العسكرية المتوقعة العلاقة التركية الأمريكية إلى اختبار جديد، تنزلق فيها إلى حدود القطيعة.
ويدرك النظام السوري من جهته، أن الهجوم التركي سيكسر البنى الصلبة لمناطق السيطرة الكردية وهو ما يتمناه بعد ممانعة قسد لتسليم مؤسسات “الدولة السورية” له وعدم سيطرته على الدوائر السيادية في المنطقة مثل الشرطة وأمانات السجل المدني والمؤسسات التعليمة كالمدارس والجامعات. كذلك، يدرك النظام ودول محوره، أن الفرصة الوحيدة لكسر منطقة النفوذ الأمريكية، هي ضرب الأصدقاء (أمريكا وتركيا) ببعضهم. وفي نهاية المطاف ربما ينجح الروس بعقد تفاهم وصفقة مع تركيا في حال سيطرتها على بعض المنابع النفطية، ولكنه مستحيل في حال بقيت المنطقة تحت النفوذ الأمريكي وحده.
إيران الغاضبة
عبر وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف عن عدم ارتياح بلاده للتحركات التركية في سوريا، واصفا أفضل طريقة لمعالجة مخاوف تركيا بشأن الفصائل الإرهابية في سوريا “تتمثل بنشر قوات سورية على حدودها”.
واعتبر في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الخميس، أن سياسة تركيا بتواجدها في دول خارج أراضيها كسوريا والعراق، باعتبارها تساعد على حماية أمنها، “من شأنها أن تخل بأمن المنطقة”. ووصف السياسة التركية “نحن لا نعتبر السياسة التي تنتهجها تركيا بتواجدها في دول خارج أراضيها كسوريا والعراق تساعدها على حماية أمنها”. وفي سياق العلاقة التركية الإيرانية، أشار المكتب الإعلامي في السفارة الإيرانية في أنقرة، الثلاثاء، في تصريح خاص لوكالة “سبوتنيك” الروسية أن الزيارة التي كانت مقررة لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف إلى تركيا قد أُلغيت.
وتشير التصريحات إلى بدء نشوب خلاف بين أنقرة وطهران حول التدخل التركي في عدة مناطق مجاورة لإيران أو تعتبر منطقة نفوذ لإيران، وتفضل القيادة الإيرانية عدم دخول تركيا فيها. ورغم حديث ظريف عن سوريا والعراق، يمكن يفهم الخلاف المحتمل بين الدولتين على انه تحذير إيراني لتركيا بعدم التدخل في أذربيجان التي تعتبرها تركيا امتدادا لمناطق نفوذها التاريخية منذ ما قبل السلطنة العثمانية.
وتفضل وحدات حماية الشعب “الكردية” المراهنة على أمريكا بطبيعة الحال ولا تفضل الاقتراب من موسكو إلا إذا كانت مكرهة للغاية، كما حصل سابقا، حين استقدمتها وقوات النظام لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من مربع راس العين – تل ابيض بشكل مفاجئ، ومحاولة إيقاف توغل القوات التركية ورسم حدود للهجوم عليها. وتحاول قسد عدم إغضاب موسكو والحصول على مباركتها في العملية السياسية والضغط على أنقرة لتوافق على ادخال الإدارة الذاتية إلى اللجنة الدستورية.
وتفتح عملية عسكرية شهية أنقرة لطرد القوات الكردية من حدودها، وحفظ أمنها القومي الذي تعتبره مهددا بسبب وجود المقاتلين الأكراد على حدودها الجنوبية، والذين تصنفهم منظمة إرهابية تتبع لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب العالمية. وبالتأكيد، فإن السماح الروسي لتركيا بعملية شرق الفرات ستكون مقابله عملية عسكرية في شمال غربي سوريا، تسمح للنظام بقضم جديد يستهدف طريق حلب- اللاذقية/M4 وأجزاء من إدلب.
القدس ٢٧ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠