جسر: متابعات:
وأكد قائد الحركة السابق حسن صوفان التدخل العسكري لـ”تحرير الشام” في الصراع من خلال اعترافه بقيام الهيئة “بإفراغ مقرات طرفي النزاع في الفوعة وأريحا” وهو ما وصفته الهيئة في بيان لها، بعد ظهر الجمعة، قيام “أحد الأطراف بالهجوم على مقرات الحركة الرئيسية في منطقتي أريحا والفوعة”. والغريب أن صوفان الذي يقود الانشقاق اليوم، استقال في حزيران (يونيو) 2019 من “أحرار الشام” وكتب في تغريدة على حسابه الشخصي على تويتر “لأسباب خاصة أعلن استقالتي من مجلس قيادة الجبهة الوطنية وحركة أحرار الشام الإسلامية، مع بقائي جندياً مع جميع جنود الثورة المباركة في معركتها الشرسة ضد النظام الكيميائي والاحتلالين الروسي والإيراني دون انتماء لأي فصيل أو جماعة وثورتنا محمية ونصر الله قريب والعاقبة للمتقين”. ويظهر صوفان مع أنباء تشير إلى وجود أفكار غير متبلورة في رأس الجولاني تتعلق برغبته بتعيينه كمسؤول سياسي خارجي أو مسؤول علاقات خارجية في “تحرير الشام”.
وتهدف “تحرير الشام” من دعم صوفان وعناد درويش إلى مسألتين، يعتقد الجولاني بأهمية ربح حسن صوفان وهو الذي كان حياديا في اقتتال الحركة و”تحرير الشام” وقت هجومها على باب الهوى، رغم قيادته للحركة، ولعل مجلس شورى أحرار الشام، أدرك اليوم الفخ الذي أوقعهم به وما حصل في مفاوضات التسليم التي قادها شخصيا في تموز (يوليو) 2017. وهو المفاوض البارع الذي فاوض آصف شوكت شخصيا عقب استعصاء سجن صيدنايا الشهير عام 2008.
ويعتقد الجولاني وقادته أن حصول انقسام جديد في الحركة سيكون ضربة قاضية للحركة التي عانت ظروفا صعبة منذ اغتيال قادتها المؤسسين في 2014 في بلدة رام حمدان شمال إدلب، وبهذا تتمكن الهيئة من إخراج منافسها السلفي السوري الوحيد المتبقي في الساحة. وتعتقد “تحرير الشام” أن إبعاد الأحرار سيجعل الصراع الإسلامي في إدلب يختزل بينها وبين الإخوان المسلمين، تضم هي التيار السلفي بتنويعاته وتتوجه باقي تيارات الإسلام السياسي المعتدل إلى حضن الإخوان المسلمين.
المسألة الثانية هي رغبة الجولاني السيطرة على المجلس العسكري الذي شكلته تركيا في تموز (يوليو) الماضي والذي تضم قيادته ثلاثة قادة عسكريين، هم النقيب المهندس عناد درويش، القائد العسكري المعزول لحركة أحرار الشام، وقائد أركان الجبهة الوطنية للتحرير في ذات الوقت، والقيادي العسكري البارز في فيلق الشام (الذراع العسكري للإخوان المسلمين) والذي يشرف على غرفة عمليات الجبهة الوطنية للتحرير، وأبو الحسن 600 القائد العسكري لهيئة “تحرير الشام” الذي شغر سابقا منصب نائب رئيس سجن العقاب ذائع الصيت وأحد أبرز سجون جبهة النصرة وأكثرها وحشية، وقسم المجلس إلى 40 كتلة عسكرية، 25 للجبهة الوطنية و15 كتلة لتحرير الشام.
وتسعى قيادة “تحرير الشام” إلى من دعم النقيب “درويش” في تمرده ضد قيادته في “أحرار الشام” إلى احتوائه في قيادة المجلس العسكري لاعتبارات عدة، أهمها أنه مفروض من أنقرة في قيادة المجلس العسكري وبسبب كفاءته العالية عسكريا، وكونه الضابط الوحيد في قيادة المجلس العسكري وإضافة لاعتماد قادة العمليات الأتراك عليه بشكل كبير كونه الأكاديمي العسكري الوحيد. ولن تقبل “تحرير الشام” بعزل (أبو المنذر) من قيادة “أحرار الشام” فخروجه دون حصول انقسام في الحركة قد يدفع قيادة “أحرار الشام” إلى الطلب من أنقرة استبداله بقائد عسكري آخر من الحركة. ويشجعها على ذلك، أن الأخيرة لم تتدخل في الخلاف الحاصل، على العكس فقد تسلمت قائد حركة “أحرار الشام” الإسلامية الكتلة المالية الشهرية عن الشهر الأخير كما المعتاد، في حين جرت العادة على إيقاف المخصصات المالية عن الفصائل في حال حصول خلافات وانشقاقات كما جرى لشهور مع “جيش إدلب الحر”.
وستسيطر هيئة “تحرير الشام” على قرار المجلس العسكري وتوجهاته من خلال دعمها “التمرد” العسكري الحاصل داخل صفوف “أحرار الشام” والمتوقع نجاحه بكل تأكيد كون الهيئة دعمته عسكريا. ولا يمكن أن ينجح تمرد أبو المنذر- صوفان دون المساندة العسكرية من قبل تحرير الشام، خصوصا بعد إعلان كل قادة القطاعات العسكرية في الحركة الوقف إلى جانب قيادة الحركة بعزل النقيب أبو المنذر. حيث تقدر نسبة المنشقين بنحو 5 في المئة من مجموعة مقاتلي الحركة في أحسن الأحوال. لكن سرعان ما سترتفع هذه النسبة في حال دخلت “تحرير الشام” على خط المواجهة بشكل علني ضد الحركة، وستتعرض إلى انشقاقات جديدة من معتزلي القتال من أبناء الحركة، وقد تتعرض الحركة إلى انشقاقات مناطقية كما حصل معها في قتال 2017 عندما خرج قطاع البادية ولواء الفتح ولواء الإيمان منها. إضافة إلى احتمال تعرض الحركة إلى خلاف جهوي بين الحمويين المدينيين الذين ينحدر منهم أبو المنذر وبين أبناء الحركة الحمويين الريفيين الذين ما زالوا يشكلون قوة ضاربة في الجناح العسكري وحتى داخل مجلس الشورى. ويقدر عدد مقاتلي حركة “أحرار الشام” حاليا، بنحو 7500 مقاتل، خمسة آلاف منهم في إدلب، وقرابة 2500 عنصر في عفرين ودرع الفرات.
وفضلت قيادة الجبهة “الوطنية للتحرير” عدم التدخل لحل النزاع الحاصل في صفوف الحركة منسحبة لصالح تحرير الشام، وشجع البيان الخجول الذي أصدرته الوطنية “تحرير الشام” على الهجوم على مستودعات الحركة في أريحا والفوعة، وهو ما يشير إلى عدم ممانعة فيلق الشام من توجيه ضربة جديدة لـ “أحرار الشام” تزيد من ضعفها وتشرذمها، حتى لو كانت نتيجتها الآنية سيطرة “تحرير الشام” على قيادة المجلس العسكري. لكن على المستوى الاستراتيجي سيصب ذلك في إخراج “أحرار الشام” كحركة إسلامية منافسة لجماعة الإخوان المسلمين من الصراع في الشمال السوري، وهو ما يسهل التحاق الحركات الصغيرة بالجماعة بعد أن كانت تستمد وجودها من قوة “أحرار الشام”.
القدس العربي ٢٥ تشرين الأول /اكتوبر ٢٠٢٠