جسر:مقالات:
عاد الحديث مجدداً حول “مجلس القبائل والعشائر السورية” المعارض والمدعوم من قبل تركيا، بعد انشقاق شيخ عشيرة الفواعرة ممدوح الفدعوس، نائب رئيس المجلس السابق، وعودته إلى مناطق سيطرة النظام مؤخراً.
ويرى الكثيرون أن أنقرة فشلت في الاستفادة من هذه الكتلة الوازنة في شمال وشمال شرق سوريا، مع فشل المجلس الذي تأسس في نهاية العام 2018، ويضم أكثر من مئة وخمسين عشيرة عربية وكردية وتركمانية، بلعب دور سياسي مهم.
وجاء تأسيس المجلس تزامناً مع إعلان تركيا اطلاق عملية “غصن الزيتون” التي سيطرت بموجبها على مناطق بريف حلب الشمالي والشرقي أبرزها مدينة عفرين، حيث اعتبر الكثيرون وقتها أن تشكيل المجلس كان أحد مظاهر الدعاية وحشد الرأي العام من قبل تركيا تمهيداً لتنفيذ تلك العملية.
رأي يتفق معه حتى أعضاء في المجلس تواصلت معهم “المدن” وفضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، مؤكدين أنه بعد المؤتمر التأسيسي تراجع الاهتمام التركي بمجلس القبائل والعشائر السورية، كما ضعفت فاعليته وفتر اهتمام الكثير من قادته وأعضائه بعد الحماس الكبير الذي بدؤوا به، نتيجة عدم حصول المجلس على أي امتيازات أو أدوار يمكن أن يثبت من خلالها حضوره السياسي والاجتماعي بشكل جدي.
ويقول أحد أعضاء المجلس تعليقاً على عودة الفدعوس إلى مناطق النظام: “مثل هذه الخطوة يجب أن تمثل إشارة تنبيه قوية لكل من أنقرة ومؤسسات المعارضة المرتبطة بها، إلى ضرورة إعادة النظر بملف المجلس، فالنظام وكذلك قسد يقدمان امتيازات كبيرة لشيوخ ووجهاء العشائر في مناطق سيطرتهما، وهؤلاء يمكن أن يساهموا بحل مشاكل أتباعهم أو أبناء عشائرهم في الدوائر الرسمية”.
ويضيف “لكن بالنسبة لنا فإنه ليس لدينا أي امتياز لدى الحكومة التركية، ونحن لا نستطيع حتى إدخال مريض من سوريا إلى تركيا، ولا حتى التوسط لأي سوري كي يحصل على ورقة الحماية مثلاً، وبالتالي فلا يوجد أي سبب كبير يجعل أبناء العشائر التي نمثلها يحترمون تمثيلنا ويقبلون بما يمكن أن يقرره مجلسنا”. ويوضح أنه في “العرف العشائري فإن الشيخ أو الوجيه ترتبط مكانته بما يقدمه لأبناء عشيرته، وهي نقطة في غاية الأهمية غابت عن الأتراك وأدت إلى تراجع الاهتمام الشعبي بالمجلس”.
لكن مضر الأسعد، عضو مجلس القبائل والعشائر السورية، يرى أن “هذا التقييم غير موضوعي”، ويؤكد في حديث ل”المدن” أن المجلس يلعب دوراً سياسياً واجتماعياً مميزاً خاصة في الداخل السوري، وأن عودة عضو واحد فيه إلى حضن النظام لا يجب أن تعتبر مؤشراً على فشل المجلس أو حتى التقليل من أهميته”.
ويضيف أنه “بعد الإعلان عن وفاة والده محمود الفدعوس شيخ العشيرة السابق بأقل من أسبوع وانتقال المشيخة إليه، تفاجأ الجميع بانتشار صوره في مضافة العشيرة بريف حمص حيث كان والده يستقبل فيها ضباط النظام والجيش الروسي، وهو أمر صادم لكنه لا يعني أن المجلس يتحمل مسؤولية ذلك”، مذكراً بأن “مختلف قطاعات الثورة ومؤسسات المعارضة شهدت عودة أعضاء وقادة فيها إلى حضن النظام ولأسباب مختلفة”.
ورداً على التقليل من أهمية المجلس في الوقت الحالي، يؤكد الأسعد أن “المجلس لم يفشل، بل على العكس يلعب دوراً كبيراً في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وخاصة على صعيد السلم الأهلي وفضّ النزاعات وتقديم المساعدات والإغاثة، أما على الصعيد السياسي فالمجلس ممثل في الائتلاف بكتلة وازنة تضم 17 عضواً، ولديه وزير في الحكومة المؤقتة، والعشرات من أعضائه هم رؤساء أو أعضاء في المجالس المحلية التي تدير المناطق المحررة”.
وكانت تركيا قد بدأت الاهتمام بملف العشائر السورية منذ إطلاقها العملية العسكرية الأولى لجيشها داخل الحدود السورية نهاية العام 2016، والتي عرفت بعملية “درع الفرات” وانتهت بطرد تنظيم “داعش” من مدينتي الباب وجرابلس ومناطق أخرى بريف حلب الشمالي الشرقي، فعملت على عقد مؤتمر أول لممثلي العشائر والقبائل المعارضين عام 2017، لكن هذا المؤتمر لم يحقق نتائج كبيرة، حيث منعت الإدارة الذاتية وهيئة تحرير الشام الكثيرين من شيوخ ووجهاء العشائر من السفر إلى إسطنبول لحضور هذا المؤتمر.
إلا أن هذه الدعوة جعلت الأطراف المنافسة لتركيا تنتبه مجدداً إلى أهمية الاستثمار في ملف العشائر، خاصة وأن 60 في المئة من سكان سوريا ينتمون إلى هذا المكون الذي وإن تراجع دوره على مدار العقود الماضية، إلا أنه استعاد الكثير من فاعليته خلال سنوات الحرب، حيث كان تنظيم “داعش” أول من تعاطى مع هذا الملف باهتمام كبير، كما أن غالبية المقاتلين في مختلف الأطراف ينتمون إلى المكون العشائري.
وخلال السنوات الثلاث الماضية أوعزت “هيئة تحرير الشام” بتشكيل مجلس للعشائر في مناطق سيطرتها، كما عمل النظام على إعادة الاعتبار لهذا المكون ومنح وجهائه امتيازات إضافية، وعمل على تشجيع المحايدين والصامتين منهم على الالتحاق به.
ومن جهته فإن حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على الإدارة الذاتية شمال شرق البلاد، وبعد تهميشه السابق للعشائر العربية في مناطق سيطرته، عاد وأولى اهتماماً بها، ومنح شيوخها المقيمين في تلك المناطق امتيازات على صعيد المناصب المدنية، كما أتاح لهم دوراً كبيراً في التوسط لاطلاق سراح دفعات عديدة من المعتقلين في سجون الإدارة الذاتية من أبناء العشائر.
سباق محموم شهدته السنوات الأخيرة الماضية على المكون العشائري بين القوى المتصارعة في سوريا، يرى الكثيرون أن تركيا كانت الطرف الأقل نجاحاً به على الرغم من المحاولات الواضحة خلال الأشهر العشرة الأخيرة لتلافي القصور في هذا الملف، إلا أنها محاولات ما تزال غير كافية من وجهة نظر الكثيرين من أبناء هذا المكون من المعارضة.