جسر: متابعات:
لم ينجز الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أي عملية ديمقراطية أو انتخابات حقيقية. منذ تشكيله ضعفت القوى الثورية والعسكرية والحكومة المؤقتة، ومُنع التوحد وجرت محاربة الشباب بغية استمرار تربعه على عرش “التمثيل المزيف”. وها هو الآن يعلن عن إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات” بهدف “تمكين القوى الثورية”.
بهذه الكلمات وصف مصطفى سيجري القيادي في “لواء المعتصم” التابع للجيش الوطني، وهو من الشخصيات المقربة من قادة الائتلاف، قرار الأخير تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، والذي أثار ردود فعل غاضبة على نطاق واسع في أوساط المعارضة، خاصة مع مضمونه الذي يوحي بشكل كبير بالتحضير للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وفور الإعلان عنه، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام المعارضة بردود الفعل الغاضبة على هذا القرار، الذي رأت فيها الغالبية إعلاناً غير مباشر، وجريئاً في الوقت نفسه، عن استعداد الائتلاف للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي من المقرر أن يجريها النظام في تموز/يوليو 2021.
وأمام الهجوم العنيف الذي تعرض له الإئتلاف، سارعت دائرة الاعلام التابعة له إلى إصدار توضيح أكدت فيه “أنه لا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم، وأنه التزاماً من الائتلاف بتنفيذ مسؤولياته تجاه قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف لعام 2012، ولكي تكون كوادر الثورة السورية وقواها مستعدة لكامل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحل السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات دون الأسد، وفقاً لخطة السلال الأربع، قرر الائتلاف إنشاء مفوضية وطنية للانتخابات استعداداً للمرحلة الانتقالية وما بعدها..شرط توفر مقومات إجراء انتخابات نزيهة لا مكان فيها لرأس النظام وكبار رموزه”.
لكن رغم هذا التوضيح، ورغم مسارعة رئيس الائتلاف نصر الحريري وعدد من المسؤولين فيه إلى التأكيد على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي عدم القبول بالانخراط في أي انتخابات يشارك فيها بشار الأسد، إلا أن الانتقادات تواصلت بحدة أكبر لتشمل القرار وتوضيحاته، من حيث الشكل والمضمون والتوقيت، حيث اعتبره الكثيرون، وإلى جانب الشكوك التي يثيرها، قراراً غير شرعي وليس من صلاحيات الائتلاف إصداره.
المعارِضة السورية وعضو الائتلاف سابقاً سهير الأتاسي قالت ل”المدن”، إن الخطوة مثيرة للشكوك، خاصة من ناحية التوقيت، كما أنها تخالف النظام الداخلي للائتلاف وتتعارض مع صلاحيته. وأضافت “في قراءة سريعة للقرار أرى أنه بمثابة بالون اختبار للشارع الثوري من أجل جس نبضه، ناهيك عن أن نصه مليء بالتناقضات”.
واستغربت الأتاسي صدور هذا االقرار عن الائتلاف الذي “يُفترض أنه يمثل قوى الثورة ومع ذلك لا يجرؤ على تعريف البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات التي يقول إنه سيشارك بها متى توفرت، ولا تحديد شروط هذه البيئة، وبدلاً من ذلك اعتمد مصطلحات فضفاضة على مبدأ الغموض البناء، لكن في الواقع غموض النص هنا كان هداماً”.
وتابعت أن هذا القرار يقوض اثنين من الأساسيات التي قام عليها الائتلاف، وهما أن “جميع أعضائه لا يحق لهم الترشح في المرحلة الانتقالية”. والثاني أن “وثيقة تأسيس الائتلاف تقول بأن المؤسسة تعتبر منحلة متى تم البدء بالعملية الانتقالية، فكيف ستعمل هيئة الانتخابات هذه المنبثقة عنه في تلك المرحلة المنتظرة؟”.
وأضافت أنها “لن تكون شرعية قانونياً وقتها!، وبالتالي فالقرار مليء بالتناقضات وأنا لا استطيع أن أقرأه بشكل بريء، وأكرر أنني أنظر إليه كبالون اختبار، خاصة وأن هناك دولاً بدأت تدفع باتجاه سلة الانتخابات بذريعة أن سلة الدستور تشهد استعصاء، ناهيك عن عامل التوقيت، فمن الغريب جداً أن يتزامن صدور القرار مع تحضير النظام للانتخابات الرئاسية في صيف العام المقبل”.
لكن قتيبة إدلبي ممثل الائتلاف في واشنطن يؤكد في رده على الاتهامات والاستفسارات أن “الهدف من إنشاء الهيئة هو تهيئة الأجواء وتمرين السوريين على موضوع الانتخابات والمشاركة السياسية في استحقاقات المرحلة الانتقالية، إن كان من غير المستغرب التشكيك بهذه الهيئة وتوقيتها في غياب أي أجواء للثقة ما بين السوريين بشكل عام وما بينهم وبين الائتلاف بشكل خاص”.
وأضاف ل”المدن”، “رغم ذلك، لا أرى أي مانع في البدء بتأسيس بنية للتفاعل السياسي بيننا، إذ لسنوات طويلة وإلى اليوم نلوم المعارضة بأنها تعمل دون استراتيجية ودون خطة عمل، وهذه الهيئة، إن قامت بما يجب عليها القيام به، هي خطوة جيدة للعمل بشكل استراتيجي للتحضير لاستحقاقات القرار 2254”.
أما بالنسبة للتوقيت يشرح إدلبي أنه “جزء من استراتيجية الائتلاف لتعزيز تواصله مع السوريين، بدءاً من نقل ما يمكن من مؤسسات الائتلاف إلى الداخل، وعقد أول اجتماع للهيئة العامة في ريف حلب، وتشكيل المفوضية هو جزء من هذا التوجه وهذه الخطوات، فمن من جهة نحضر لمرحلة قادمة 2254 عاجلاً أم آجلاً، ومن جهة أخرى نتيح المجال أمام السوريين لاختيار ممثليهم في مؤسسة الائتلاف”.
ورغم أنه رأى أن صياغة القرار لم تكن موفقة، لفت إلى أنه قانونياً “يحل الائتلاف نفسه فور البدء بالمرحلة الانتقالية وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي من صلاحياتها الاشراف على كل جوانب المرحلة الانتقالية، والائتلاف يدرك ذلك وعليه أصدر البيان التوضيحي بهذا الشأن”.
لم يكن الإدلبي هو الوحيد بين مسؤولي وأعضاء الإئتلاف الذين سارعوا إلى توضيح القرار، لكن مع ذلك تواصل الهجوم عليه، وأكد المنتقدون أن المطلوب ليس توضيح القرار أو تفسيره بل إلغاؤه بشكل عاجل ورسمي خشية أي تبعات مستقبلية قد تترتب عليه، في وقت لا تبدو واضحة للكثيرين، بمن فيهم أعضاء في الائتلاف تواصلت معهم “المدن” الدوافع الحقيقية لاتخاذ هذه الخطوة بهذا الشكل المفاجئ.
القرار ترك الباب مفتوحاً على كم كبير من التكهنات والتفسيرات، بعضها يتعلق بالدول المؤثرة على المعارضة وتوافقات ربما تمت بينها، وبعضها يتعلق برئيس الائتلاف وطموحاته الشخصية، بينما يتعلق بعضها الآخر بالصراع أو التنافس بين قادة المعارضة أنفسهم.
المصدر: المدن ٢١ نوفمبر تشرين الثاني ٢٠٢٠