جسر – متابعات
نشرت “منظمة العفو الدولية” تقريراً اليوم الثلاثاء، أكدت فيه قوى الأمن اللبنانية ارتكبت “انتهاكات مروعة” بحق اللاجئين السوريين الذين تم اعتقالهم، بشكل تعسفي في كثير من الأحيان، بتهم تتعلق بالإرهاب.
وقالت المنظمة في تقريرها إن قوى الأمن اللبناني استخدمت بعض أساليب التعذيب المروعة، نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعةً في سوريا.
ويوثق تقرير منظمة العفو الدولية بعنوان “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان” سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبتها بشكل أساسي مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزاً، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكبلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية. كما وصف المحتجزون عمليات تعليقهم رأساً على عقب، أو إرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة لفترات مطولة من الوقت.
وقالت “ماري فورستيي”، الباحثة المعنية بحقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية، إن “هذا التقرير يقدم لمحة سريعة عن المعاملة القاسية والمسيئة والقائمة على التمييز المجحف التي تمارسها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين المحتجزين للاشتباه بهم بشأن تهم تتعلق بالإرهاب. وفي حالات عديدة، فإن اللاجئين الذين فروا من الحرب، والقمع القاسي، والتعذيب واسع الانتشار في سوريا، وجدوا أنفسهم معتقلين تعسفياً، ومحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي في لبنان، حيث يواجهون العديد من الأهوال نفسها التي تحدث في السجون السورية”.
وأشارت إلى أنه “لا ريب في أن أفراد الجماعات المسلحة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان يجب أن يخضعوا للمساءلة على أفعالهم، لكن الانتهاك الصارخ من جانب السلطات اللبنانية لحق اللاجئين السوريين في الإجراءات القانونية الواجبة قد شكّل استهزاءً بالعدالة؛ ففي كل مرحلة بدءاً من التوقيف، ومروراً بالاستجواب والحجز، وانتهاء بالمقاضاة في محاكمات جائرة، ضربت السلطات اللبنانية عرض الحائط تماماً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وأردفت: “ينبغي على السلطات اللبنانية أن تبادر على الفور إلى تطبيق قانون مكافحة التعذيب الذي أصدرته، واحترام الواجبات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويجب عليها أن تضمن إجراء تحقيقات فعالة في مزاعم التعذيب، ومساءلة أولئك المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات المروّعة”.
ويوثّق تقرير منظمة العفو الدولية حالات 26 لاجئاً سورياً –بينهم أربعة أطفال– احتُجزوا في لبنان بتهم لها صلة بالإرهاب بين عامي 2014 و2021. وهو يستند إلى مقابلات أجريت مع محتجزين سابقين وحاليين، ومحامين، واطلاع على وثائق القانونية.
وأفاد اللاجئون في جميع الحالات الست والعشرين التي وثقتها منظمة العفو الدولية –ما عدا حالة واحدة– بأنهم تعرضوا للتعذيب إما خلال الاستجواب أو في الحجز. وفي معظم الأحيان، كان التعذيب يستمر ويتكرر في مركز مخابرات الجيش في أبلح، أو في مكتب الأمن العام في بيروت، أو في وزارة الدفاع.
وكان اثنان من ضحايا التعذيب في سن 15 و16 سنة فقط في وقت حدوثه. وقال أربعة رجال على الأقل إنهم تعرضوا لضرب مبّرح لدرجة أفقدتهم الوعي، وكُسرت أسنان اثنين منهم.
وقال المحتجزون إنهم تعرضوا لبعض من أساليب التعذيب ذاتها المستخدمة على نحو مألوف في السجون السورية مثل “بساط الريح” (حيث يُربَط المرء بلوح قابل للطي)، أو “الشَّبْح” (عندما يُعلّق الشخص من معصميه ويتعرض للضرب)، أو طريقة “البلانكو” التي تتضمن تعليق الشخص طوال ساعات مع تكبيل معصميه خلف ظهره.
وقال عدد من المعتقلين إن قوى الأمن اللبنانية أشارت إلى معارضتهم للرئيس السوري بشار الأسد أثناء الاعتداء عليهم بالضرب، ما يؤشر إلى أن الاعتداءات، ربما تكون نابعة من دوافع سياسية.
لم يُجرَ أي تحقيق في أي من مزاعم التعذيب التي وثّقتها منظمة العفو الدولية، حتى في الحالات التي أبلغ فيها المحتجزون أو محاموهم القاضي بأنهم تعرضوا للتعذيب. وفي بعض الحالات، طلب عناصر الأمن إرجاء جلسات المحكمة حتى اختفاء الندب الناجمة عن عمليات الضرب أو غيرها من صنوف التعذيب.
وقد وثّقت منظمة العفو الدولية إساءة معاملة امرأتين تعرضتا للتحرش الجنسي والإساءات اللفظية في الحجز. وأُرغمت إحداهما على مشاهدة عناصر الأمن وهم يُعذّبون ابنها، وأُرغمت الأخرى على مشاهدة زوجها وهو يتعرّض للضرب.
وحُرم جميع المحتجزين الستة والعشرين، الذين وثّقت منظمة العفو الدولية حالاتهم، من الاستعانة بمحام خلال الاستجواب الأولي، في انتهاكٍ لقوانين لبنان نفسها، وللقانون والمعايير الدولية. وقد قوّض ذلك قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم أو الطعن في شرعية احتجازهم. وغالباً ما ذكر اللاجئون أنه عقب توقيفهم اضطروا إلى الانتظار عدة أسابيع للمثول أمام قاضي تحقيق، وفي تسع حالات تأخرت المحاكمات مدداً، وصلت إلى السنتين، في انتهاك للقانون الدولي.
وفي حالات عديدة، اعتمد القضاة اعتماداً شديداً على الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب، أو على أدلة استُمدت من مخبرين غير جديرين بالثقة. واستندت الإدانات إلى تهم غامضة وفضفاضة إلى حدّ لافت تتعلق بالإرهاب. وأَخبر 14 محتجزاً، على الأقل، منظمة العفو الدولية بأنهم “اعترفوا” بارتكاب جرائم لم يرتكبوها، عقب تعريضهم للتعذيب أو تهديدهم.
ومنذ عام 2011، احتُجز مئات اللاجئين السوريين في لبنان، غالباً تعسفياً بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب وأحياناً بتهم مرتبطة بالانتماء إلى جماعات مسلحة.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليون نسمة تقريباً، في حين تقدّر السلطات اللبنانية عددهم بمليون ونصف، ومعظمهم يعانون من أوضاع إنسانية صعبة.
للاطلاع على التقرير كاملاً اضغط هنا.