انهيار قبضة طهران: انتكاسات إقليمية وتفكك شبكة المخدرات

شارك

ضياء قدور

تعيش إيران، تحت حكم نظام الملالي، واحدة من أحلك مراحلها في العقود الأخيرة. فقد واجه مبدأ “العمق الاستراتيجي”، الذي طالما روّج له المرشد الأعلى علي خامنئي، هزائم متتالية، فيما تتسع الانقسامات الداخلية، ويصل الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار. وفوق هذا كله، تتلقى طهران ضربة موجعة جديدة: تفكك شبكتها الإقليمية لتهريب المخدرات، خاصة بعد تراجع نفوذها في سوريا، التي كانت حتى وقت قريب مركزًا عالميًا لإنتاج وتصدير الكبتاغون. من منظور سوري، يعكس هذا التحول نهاية حقبة من الهيمنة الإيرانية وفجرًا جديدًا لسوريا المحررة.

سوريا: ركيزة الإمبراطورية الإيرانية غير المشروعة

خلال العقد الماضي، تحوّلت سوريا إلى مركز رئيسي لإنتاج وتهريب الكبتاغون، المنشط الشبيه بالأمفيتامين. في ظل نظام بشار الأسد، ازدهرت هذه التجارة غير المشروعة، محققة عائدات سنوية تُقدر بعشرة مليارات دولار بين عامي 2018 و2019. كانت إيران وحليفها حزب الله العنصرين الأساسيين في هذه العملية، حيث استغلا البنية التحتية للتهريب ليس فقط لنقل المخدرات، بل أيضًا لتوزيع الأسلحة، الأموال، والوقود عبر الحدود السورية اللبنانية والأردنية.

لم يكن الكبتاغون مجرد مصدر دخل، بل أداة لتعزيز النفوذ الإقليمي. فقد استخدمت إيران هذه الشبكة لدعم أهدافها الاستراتيجية، بما في ذلك تمويل الجماعات المسلحة وزعزعة استقرار المنطقة. لكن مع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، بدأت هذه الإمبراطورية غير المشروعة في الانهيار، مما شكّل ضربة قاصمة لطهران.

سوريا الجديدة: تفكيك شبكة التهريب

بعد الإطاحة بنظام الأسد، اتخذت الحكومة السورية الجديدة إجراءات صارمة لتفكيك شبكة التهريب الإيرانية. تركزت هذه الجهود على الحدود السورية-اللبنانية، التي تمتد على طول 375 كيلومترًا، والتي كانت شريانًا حيويًا لعمليات حزب الله والنظام الإيراني. في مدينة القصير، كشفت القوات السورية عن 15 مصنعًا لإنتاج الكبتاغون كانت تُدار من قِبل حزب الله وموالين للأسد. كما صادرت مخزونات ضخمة من الصواريخ، الطائرات المسيرة، والذخائر الإيرانية الصنع، في عملية شملت تفكيك مستودع أسلحة يعادل مساحة 50 ملعب كرة قدم.

هذه الحملة لم تقتصر على القصير، بل امتدت إلى مناطق أخرى مثل القلمون وجنوب سوريا، حيث كانت عشرات منشآت إنتاج المخدرات تحت سيطرة حزب الله وعملاء إيرانيين. معبر نصيب/جابر الحدودي، الذي كان ممرًا رئيسيًا لتهريب المخدرات والأسلحة بإشراف الفرقة الرابعة وحزب الله، أصبح الآن تحت سيطرة السلطات السورية الجديدة، مما أضعف بشدة قدرة إيران على الاستمرار في عملياتها غير المشروعة.

الإرهاب المموّل بالجريمة

لم تكن شبكة التهريب الإيرانية مجرد مصدر مالي، بل منصة استراتيجية لتحقيق أهداف طهران العسكرية. فقد استُخدمت طرق التهريب لنقل الأسلحة إلى الأردن ومناطق أبعد مثل الضفة الغربية، مما دعم الجماعات المسلحة وزاد من عدم الاستقرار الإقليمي. ونسّقت هذه العمليات قوات النخبة الإيرانية، مثل الوحدة 840 من فيلق القدس والفرع 4000 من جهاز استخبارات الحرس الثوري، اللذين كانا مسؤولين عن تنفيذ العمليات السرية في الشرق الأوسط.

هذه البنية التحتية الإجرامية لم تكن مجرد مصدر دخل، بل أداة لتوسيع النفوذ الإيراني. لكن مع انهيارها، يتراجع نفوذ طهران بشكل ملحوظ، مما يضع النظام الإيراني في موقف حرج.

ضعف النظام الإيراني: أزمات داخلية وخارجية

فقدان سوريا كمركز للتهريب يضاف إلى سلسلة من الانتكاسات التي يواجهها النظام الإيراني. داخليًا، تعاني إيران من انقسامات سياسية، وتدهور اقتصادي، وغضب شعبي متصاعد. خارجيًا، يتراجع “العمق الاستراتيجي” الذي طالما تفاخر به خامنئي، مع فقدان حلفاء رئيسيين مثل نظام الأسد وتقلص نفوذ حزب الله.

هذه الضربات تزيد من عزلة النظام وتفاقم أزماته. فبدون عائدات المخدرات، التي كانت تموّل جزءًا من عملياته الإقليمية، ومع ضعف شبكاته العسكرية والاستخباراتية، يواجه النظام ضغوطًا غير مسبوقة. هذه الظروف تجعل من الصعب على طهران استعادة هيمنتها السابقة، خاصة في ظل حكومة سورية جديدة مصممة على قطع أواصر الارتباط مع إيران.

إن تفكك شبكة التهريب الإيرانية في سوريا ليس مجرد خسارة مالية، بل ضربة استراتيجية لنظام الملالي. سوريا، التي كانت ركيزة للإمبراطورية الإيرانية غير المشروعة، أصبحت اليوم رمزًا لتراجع نفوذ طهران. مع تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية، يواجه النظام الإيراني تحديات قد تكون الأصعب منذ عقود. بالنسبة للشعب السوري، فإن هذا التحول يمثل فرصة لبناء مستقبل خالٍ من هيمنة إيران، بينما يظل النظام الإيراني عالقًا في دوامة ضعفه وهشاشته.

شارك