وأظن أن فواز حداد أنفق في تلك الرواية من الجهد والوقت أكثر مما أنفقه في أي رواية أخرى من رواياته، ليس لأنها جاءت من الحجم الضخم، بل لما حفلت به من وقائع وما جاء فيها من تفكيك وإعادة تركيب لمجزرة حماة وما ترتب عليها أو نتج عنها من استبداد ضرب الحياة السورية بالكامل، وهو يريد أن يقول إن ما عاشته سوريا منذ العام 2011 من رعب على يد النظام، إنما تأسس هناك في بداية الثمانينات، وهذه الوحشية ليست رد فعل على الثورة الجديدة، بل هي خميرة جاهزة جربها النظام وعرف مفعولها السحري، لكنه لم ينجح في تطبيق الوصفة نفسها، ولم يستفد مما راكمه من عنف كي يسكت الناس كما حصل في السابق. ويصف حداد هذه الرواية في شهادة له: “بدأت كتابة “السوريون الأعداء” بعد مضي نحو ستّة أشهر على الثورة، وأخذت منّي من الوقت ما يزيد عن عامين. كنت أكتب يوميًا ومن دون انقطاع، مُحاولًا تغطية أربعين عامًا من عمر النظام، الأمر الذي اضطّرني للعودة إلى الكثير من المراجع. أما القسم الثاني منها، خاتمة الرواية، ويتعرّض للسنة الأولى تحديدًا من الثورة، فكنت قد عشته يومًا بيوم”.
يكتب فواز حداد طيلة الوقت، وكلما رأيته أجده قد خرج من عمل أو أنه منشغل في عمل جديد. ويمكن هنا أن أسجل ملاحظات عديدة. الأولى هي أن حداد يشكل إضافة جديدة للرواية السورية وتعزيزاً لها بين ما ينتجه الروائيون العرب، ومن خلال تتابع أعماله إنما يرفع من مكانة الرواية السورية ضمن رؤية واعية لما يتصوره هو للكتابة الروائية السورية. الملاحظة الثانية هي أنه تجرأ اكثر من غيره، ونزل من البرج العالي إلى الشارع واستقى من الثورة مادته الخام، وهو بذلك يشتغل عبر “تعرية واقع يجري بمرمى أبصارنا، بالتوثيق والخيال والتأمّل. ليس لأنّه يمنحنا مادّة غزيرة للكتابة فقط، بل للتعرّف على أنفسنا أيضًا، وبلادنا وتاريخنا، والجنون البشري، والفساد المعمم، وجرائم التسلّط… والأهم، أنّه لا مفر من الحربة والعدالة.” وفي رواياته المتتالية بعد العام 2011، عمل، بحسب النقّاد، للولوج إلى قطاعات المجتمع السوري، راصدًا علاقة كلّ منها مع تقلّبات الوضع السوري التي أزهرت في الربيع، ثم تداعت إلى جحيم أرضي.
أما الملاحظة الثالثة فتتمثل في أن حداد صاحب النهايات المفتوحة في أعماله الروائية، في فترة ما بعد العام 2011، ما يعني أننا أمام مشروع روائي لن نجد له مثيلاً حين نرجع إلى سردية الثورة السورية بأكثر من قراءة.
الرواية المقبلة، وهي جاهزة لدى دار النشر، وعنوانها “يوم الحساب”، ستليها في العام المقبل رواية ضخمة عنوانها “النظام”، وهو لا يستبعد التورط في رواية سادسة تجول في رأسه، وبذلك يكون قد وضع نقطة الختام حول تصوره لهذا العصر الذي عاشه. بعدها تبدأ مرحلة أخرى في رحلته الروائية، من دون التخلي عن سورية موضوعه الأثير، “إذا منحت سنوات أخرى من العيش فلدي ما أقوله عن هذا العصر. هذا العالم لا يصح أن نخرج منه قبل أن نقول كلمتنا فيه”.
لماذا روايات عديدة؟ “لأنني في مواجهة عصر يمتد نصف قرن على الأقل، كل رواية من رواياتي تتعرض للحدث السوري من زاوية، تبرز جانباً، من دون إغفال الجوانب الأخرى، ما حدث في الربيع العربي، كان حدثاً هائلاً، ولا يمكن حصره في هذه السنوات، بل يعيدنا إلى ما سبقه، لا سيما النظام ككيان ضخم وجبار، راسخ ومشوه حتى العظم، حوّل سوريا إلى هولوكوست، لا يمكن الكتابة عنه من دون التوغل فيه”
المصدر: المدن