“الهبّول”.. حلوى شعبية لذيذة ومفيدة من تاريخ السوريين

شارك

جسر – (عبدالله الحمد)

“الهبّول” أو التين المجفف، هي أكلة شعبية تراثية شهية وغنية بفوائدها، وتعد من أساسيات المؤونة لفصل الشتاء، ويتفنن بصناعتها أهالي قرى ريف حمص الشمالي الغربي وريف محافظة حماة الغربي، فهم من توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، وتعتبر أيضاً مورداً اقتصادياً لكثير من العائلات.

العم أبو علي والذي تجاوز الخامسة والسبعين من العمر وأحد أبناء ريف محافظة حماة قال لصحيفة “جسر” إن قرى مصياف تعد من أكثر المناطق المصنعة للهبول، مبيناً أن “هناك عدة أصناف كالفريزي والمرملي والأحمر والشبلاوي”.

وعن وقت تصنيعه، أوضح أبو علي أنه يبدأ مع نضوج ثمار التين جيداً في نهاية فصل الصيف، مستشهداً بمثل عامي يقول: “آب طبّاخ التين”، كما نوه بأن أجواء هذا التحضير في الماضي تعكس روح وتآلف أبناء الريف، حيث كان يجتمع رجال ونساء وأطفال القرية بنوع من الفرح والحماسة مع سماع الأغاني التراثية أثناء قيام النساء بعملية تهبيل التين على الحطب.

وتعتبر صناعة الهبول هي أمتع ما تقوم به العائلة في تلك القرى الوادعة بين أحضان الطبيعة، حيث يحضّر على مراحل سواء بالطريقة التقليدية القديمة أو ما يمكن تسميتها بالطريقة العصرية، فيختار الأهالي التين الناضج بعد قطافه ويقومون بفتحه على قطعة قماشية أو وعاء مفتوح وكبير لعدة أيام على سطح المنزل تحت أشعة الشمس. ثم توضع في إناء مثقب، ويُرفع هذا الإناء فوق قدر يحتوي مياهاً ساخنة حدّ الغليان، ويغطى بقماش أبيض، وتتعرّض حبات التين لبخار الماء أو هبلة الماء، ومن هنا يأتي سبب تسميته بـ “الهبّول” إشارة إلى عملية التبخير أو التهبيل التي تحوّله من الشكل القاسي للشكل الطري المطلوب.

بعدها يتم تفتيت وهرس حبات التين، إما طحناً أو بدقّه ضمن الجرن الحجري التراثي، حتى تصبح عجينة طرية ليّنة تفوح منها رائحة التين العبقة، وبعد تشكيل الهبول بالشكل المطلوب، يحشى بالمكسرات ومن ثم تغطى الحبات بالنخالة أو تغطى بالسمسم أو جوز الهند.

الخالة أم جعفر الثمانينية من العمر والمتمرسة في صناعة هذه الحلوى ذات القيمة الغذائية العالية، بينت أن التّجفيف يتم بطريقتين، الأولى هي فتح حبات التين و يسمى “تشقيع” باللهجة العامية، لكي تتعرض الفاكهة للشمس، مايساعد على تجفيف اللب، أما الطريقة الثانية فهي تجفيف الثمرة دون اللجوء لتشقيعها، وبذلك تحافظ الحبة على شكلها خارجياً بينما يحتفظ اللب بقليل من الطراوة كونه لم يتعرض لحرارة الشمس المباشرة.

أما الشاب مازن ابراهيم والذي يعمل في تسويق تين الهبول فقد اعتبر أثناء حديثه لصحيفة “جسر” أن هذه الصناعة تعدت كونها تقليداً تراثياً فقط، إذ أصبحت الآن كل أسرة تصنع الهبول في منزلها في أرياف حمص، كاشفاً أن “هذه الصناعة المحلية تعد من المشاريع المدرة للدخل لأصحابها وجميع العاملين فيها”.

طبياً، بينت اختصاصية التغذية سماح عيسى أن التين فاكهة مميزة كونها تحوي عناصر غذائية هامة للجسم، وتساعد بشكل كبير على تعزيز صحة الجهاز الهضمي وتحسين صحة الأوعية الدموية والقلب وضبط السكر في الدم، إضافة لدوره في علاج أعراض الالتهابات الجلدية، مضيفة في لقائها مع “جسر” أن إضافة التين المجفف للنظام الغذائي اليومي أمر صحي جداً، كونه يحتوي على نسبة عالية من العناصر الغذائية، مثل فيتامينات C وK، والكالسيوم، والمغنيسيوم، والألياف.

طازج أو مجفف، وعلى شكل قلائد أو مطحون.. مع المكسرات أو بدونها.. هي حلويات البيت التراثية التي لا ينقطع عن تقديمها أي منزل في قرى ريف حماة وحمص، فهذه الفاكهة المميزة كانت وستبقى شيئاً من تاريخ المنطقة.

شارك