جسر – هبة الشوباش
تُعَدُّ سوريا مهداً للحضارات وموطناً للعديد من الأدباء والمفكرين والشعراء وعشاق الفن، إلا أن النظام السابق سعى إلى تهجير العقول وتدميرها والتحكم بها، مما أثر سلباً على صوت الفنان والشاعر وقلم الكاتب والأديب، حيث لم يسلموا من قبضة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. هذا الظلم والاستبداد طال أي نشاط فكري، سواء كان سياسياً أو دينياً، وعمل النظام بشتى الطرق على إضعاف الفكر السوري.
اليوم، وفي ظل الظروف السياسية الجديدة، يتفق السوريون على أنهم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء دور الثقافة من مراكز ثقافية ومسارح ومعارض، ومواكبة كل ما يحدث من تغييرات في عصر السرعة والعولمة. للأسف، فالشعب بلا وزارة للثقافة، على الرغم من دورها الكبير في نهضة المجتمع وتطوره، فكلما زادت ثقافة المجتمع، زاد رقيه وتقدمه، والجميع يتساءل: إلى متى؟
تحدث المخرج المسرحي الأستاذ علي صقر لصحيفة جسر قائلاً: “قبل استيلاء حزب البعث على الحكم في سوريا، كانت البلاد تعيش حالة مدنية مع وجود أحزاب وصحف. ففي حلب، على سبيل المثال، كان هناك صحيفتان تصدران صباحاً ومساءً. أما في ظل النظام السابق، فقد كانت المسارح محتكرة بيد الدولة، سواء المسرح القومي أو المسرح الثقافي وغيرها، وكان هناك رقابة على النصوص”.
وأضاف: “لا يمكن إنكار دور وزارة الثقافة قبل السقوط، مثل إقامة المعهد العالي للفنون المسرحية وتخريج طلاب مثلوا في الدراما العربية، ولكن هناك أيضاً سلبيات لهذه الوزارة يجب تفاديها”.
وعن آماله وتطلعاته في الأيام القادمة، قال: “نأمل أن تكون الثقافة نابعة من وجع الناس وغير مقيدة بشروط أو رقابة. ففي السابق، كانت هناك لجنة نصوص مسرحية تراقب، وبعدها كانت هناك مراقبة تسمى المشاهدة لتقييم العرض. هذه الأمور يجب إلغاؤها كما تم إلغاؤها في كل دول العالم، فالمشاهد هو الذي يقرر الذائقة الفنية وليس الموظفون. نأمل إعادة هيكلة الوزارة وقلبها رأساً على عقب”.
وأكد على أن نشر الثقافة والتوعية لا يحدث في يوم أو يومين، بل يحتاج إلى وقت، مشيراً إلى ضرورة أن تكون وزارة الثقافة ورشة عمل تشاركية، قائلاً: “نحن السوريون منارة الشرق بالثقافة والفكر والأدب”.
على الرغم من كل الصعوبات، وبعد سقوط النظام، شاهدنا فعاليات ثقافية وفنية مثل حفل موسيقي لفرقة أرجوان بقيادة الأستاذ بشر عيسى في الحديقة العامة بطرطوس، وحفل موسيقي لفرقة عبق للموسيقى منذ أيام على صالة المركز الثقافي، كما شهدنا عرضاً فنياً راقصاًَ ومسرحياً بالمركز الثقافي بطرطوس بعنوان “طريق إدلب طرطوس سالك بالحب” بمشاركة المسرحي وليد أبو رشاد.
تحدث الصحفي والكاتب الأستاذ علي الراعي لصحيفة “جسر” قائلاً: “إحدى هذه الضغوط هي احتكار المنابر الثقافية لبعض الكتّاب والفنانين دون غيرهم، وتسليم المنابر الإبداعية للكثير من النكرات، وهو الأمر الذي هجّر الكثير من المبدعين بعيدًا عن مؤسساتهم الوطنية”.
وأكد الراعي أن “هناك الكثير من الكتب التي تم منعها، وهي لا تزال مخطوطات قبل الطباعة والإصدار، فطباعة الكتب كانت تخضع لجهتين من الرقابة: الهيئة العامة لوزارة الثقافة، ورقابة اتحاد الكتّاب العرب”.
وأشار إلى أن هناك جهة رقابية أخرى تتعلق بالإصدارات السياسية. وتابع حديثه قائلاً: “الكتاب السعيد الحظ هو من يوافق عليه قراء تلك الرقابات، الذين غالباً ما يكونون أقل سوية إبداعية من صاحب الكتاب نفسه”. وأضاف: “هذا الأمر ذاته ينطبق على العمل الدرامي وحتى النشاط الثقافي، كما كان هناك عشرات الكتب والصحف القادمة من الخارج تُمنع لأسباب غير مقنعة”.
تحدث الراعي عن ضرورة إعادة بناء دور الثقافة في سوريا لتقديم إنتاجات إبداعية تليق بالبلد. وأكد أنه “لابد من تولي مبدعين حقيقيين منابر الثقافة الوطنية، وليس المدعومين من أصحاب النفوذ الأمنية والحزبية وحتى الدينية”.
وشدد على أهمية “إلغاء كل الرقابات المسبقة على الإبداع، بحيث يُترك للعمل الإبداعي حرية الصدور والعرض، ومن ثم يكون المتلقي والنقاد هم من يقررون جودته من عدمها”.
الثقافة ليست ترفًا بل هي أسلوب حياة للمجتمع، وروح الديمقراطية، وتعبير عن الحياة وذاكرة الشعب، كما تحمل في طياتها هوية البلد العريق، واليوم، بجهود السوريين الذين يحاولون نفض الغبار عن أكتافهم، يتم إحياء النشاط الفكري والإبداعي من خلال إعادة تداول الكتب، وإخراج المسرحيات والمسلسلات، وإعادة هيكلة المراكز الثقافية والمنتديات والمكتبات، رغم الاعتراف بأن إعادة بناء التراث الثقافي المدمر في سوريا مهمة لن تكون سهلة.