مقهى “الروضة” يحتضن حواراً حول معاناة المحررين وذوي المفقودين

شارك

جسر – دمشق (هبة شوباش)

نظّمت مبادرة “بدايتنا” جلسة حوارية في مقهى “الروضة” بدمشق، استضافت خلالها أخصائي الطب النفسي الدكتور جلال نوفل، وحاوره أخصائي علم النفس الأستاذ فراس شهابي، تحت عنوان “قضايا المحررين والمفقودين وذويهم من وجهة نظر نفسية واجتماعية وإعلامية”.

وجاءت هذه الجلسة في سياق المشاهدات الصادمة التي أذهلت العالم عند فتح السجون يوم انتصار الثورة، حيث خرج معظم المحررين وهم يعانون من أوضاع نفسية وجسدية سيئة للغاية، كما ظهر في وسائل الإعلام. فقد كان بعضهم لا يعرف اسمه، وبعضهم لا يريد الخروج، وآخرون لا يتذكرون عائلاتهم. هذه الحالات تحتاج إلى رعاية طبية ونفسية مكثفة، إلى جانب دعم المجتمع المدني.

نبذة عن المتحدثين

الدكتور جلال نوفل: مدرب في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، تعرّض للاعتقال عدة مرات، إذ سُجن بين عامي 1983 و1991 بسبب انضمامه إلى حزب العمال الشيوعي، كما اعتُقل مجدداً عام 2011 بسبب نشاطه في تنسيقية أحياء دمشق.

الدكتور فراس شهابي: مدرب واستشاري في مجال الصحة النفسية، اعتُقل عام 2014 بسبب إحيائه نشاطاً سلمياً في دمشق. وهو ناشط سياسي ومدني ومن مؤسسي مبادرة “بدايتنا”، مما يجعله على دراية عميقة بقضايا المعتقلين.

الشق النفسي

تحدث الدكتور فراس عن أن كل من تعرّض للاعتقال يحتاج إلى دعم نفسي، وقد يكون مصاباً باضطرابات نفسية تستدعي العلاج. وطرح عدة توصيات في مجال الصحة النفسية للمحررين، أهمها: الاهتمام بالصحة الجسدية: معالجة الأمراض وإجراء الفحوصات اللازمة، إذ يعاني أغلب المعتقلين من سوء التغذية، وتجنب الإلحاح بالأسئلة وذكر التفاصيل: خاصة في الفترة الأولى بعد الإفراج عنهم، والتخفيف من الضغط الاجتماعي، فكثرة زيارات الأهل والأصدقاء قد تؤثر سلباً، حيث يحتاج المحررون إلى الراحة والاستقرار النفسي.

من جانبه، أكّد الدكتور جلال نوفل أن بعض المحررين يبدون ردود أفعال غير طبيعية تجاه أمور عادية، وهو أمر متوقع بسبب ما مرّوا به. وأوضح أنه لا يجب تكرار الأسئلة عن تفاصيل الاعتقال لأن ذلك قد يذكّرهم بجلسات التحقيق، ما يخلق لديهم مشاعر الخوف والقلق.

كما نبّه إلى ضرورة عدم التعامل مع المحررين بنظرة شفقة، لأن ذلك قد يزيد من إحساسهم بالإهانة والعزلة. وشدد على أهمية توفير بيئة داعمة لهم تساعدهم على استعادة حياتهم الطبيعية.

الشق الاجتماعي

تحدث الدكتور فراس عن تأثير المجتمع على المعتقلين المحررين، مؤكداً أن هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد ضحايا، بل هم ناجون يمتلكون طاقات هائلة يمكن توظيفها لصالح المجتمع. وأوضح أن تجاربهم القاسية جعلتهم أكثر نضجاً ووعياً، مما يستدعي إعادة دمجهم في المجتمع بطريقة صحية.

وأشار إلى أن النظام السابق حوّل الناس إلى رهائن عبر اعتقالهم بناءً على هويتهم، وعند الإفراج عنهم حدثت فوضى أثّرت سلباً على المحررين وأهاليهم. لذا، دعا إلى ضرورة وضع خطة وطنية لمعالجة آثار الاعتقال، تشمل توحيد الجهود بين المنظمات والمبادرات، وعدم الاعتماد على الجهود الفردية فقط.

الجانب الإعلامي

تناول الدكتور جلال نوفل الفوضى الإعلامية التي رافقت تغطية قضايا المعتقلين، حيث لم يلتزم العديد من الصحفيين بضوابط أخلاقية عند إجراء المقابلات، مما أدى إلى انتهاك حقوق المحررين ونشر محتوى قد يزيد من معاناتهم النفسية لاحقاً. وشدّد على أهمية احترام خصوصية المعتقلين وأخذ موافقتهم قبل نشر أي مقابلة أو قصة عنهم.

المفقودون والمختفون قسراً

تطرّق الدكتور فراس شهابي إلى قضية المفقودين والمختفين قسراً، مشيراً إلى أن هذه المسألة من أعقد التحديات التي تواجه المجتمع السوري. فذوو المفقودين يعيشون بين الأمل واليأس، ما يؤثر على صحتهم النفسية بشكل كبير، كما أن القضية تخلق مشكلات قانونية، مثل الميراث والزواج، إلى جانب الأثر الاقتصادي، حيث إن العديد من المفقودين كانوا المعيلين لعائلاتهم.

وأوضح الفرق بين المصطلحين، فالمفقودين هم أشخاص غير معروف مصيرهم أو أماكن وجودهم، والمختفين قسراً هم محتجزون لدى جهات سياسية أو تنظيمات، لكنها تنكر وجودهم رسمياً، مما يسلبهم حقوقهم القانونية.

تؤكد هذه المبادرات الإنسانية أهمية دعم المحررين والمفقودين وذويهم، لمساعدتهم على تجاوز الآثار النفسية والاجتماعية التي خلّفتها سنوات الاعتقال، كما تسلط الضوء على ضرورة توحيد الجهود ووضع سياسات شاملة تعالج قضاياهم بفعالية، لضمان اندماجهم في المجتمع وتعويضهم عن المعاناة التي تعرضوا لها في سجون النظام.

شارك