مشروع متكامل يجمع بين الإنتاج الزراعي والحيواني في ريف طرطوس

شارك

جسر – طرطوس (نهى قنص)

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، برزت العديد من المبادرات التي تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتخفيف من الأعباء المعيشية على المواطنين. ومن بين هذه المبادرات، مشروع خيري متكامل في قرية مجبر بريف محافظة طرطوس، يجمع بين الإنتاج الزراعي والحيواني وتصنيع الأسمدة العضوية، مما يحقق فائدة بيئية واقتصادية للمزارعين.

وجاءت فكرة المشروع بعد إنشاء مزرعة أبقار بالقرب من المنازل السكنية، حيث كان لا بد من إيجاد حل للتخلص من روائح روث الأبقار بطريقة فعالة. ومن هنا، نشأت فكرة “الهاضم الحيوي”، الذي يعمل على تخمير الروث وإزالة الروائح والمواد الضارة.

يتحدث صاحب المشروع، ضاحي خليل، عن بداياته التي تعود لعام 2021، إذ بدأ بمزرعة أبقار ودواجن وماعز وطيور مختلفة (الوز، البط، الفري…)، ليقدم منتجات حيوانية متنوعة، إلى جانب إنتاج السماد العضوي السائل الذي لاقى انتشاراً واسعاً بين المزارعين، نظراً لعدم توفر الأسمدة المدعومة وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.

منتجات طبيعية 100%

يتميز المشروع بإنتاج الحليب ومشتقاته من ألبان وأجبان، بالإضافة إلى السماد العضوي السائل بأنواعه المختلفة، والذي يتم تصنيعه بإضافة الطحالب البحرية والبكتيريا الألمانية، وقشور البيض والموز، مما يزيد من فعاليته الزراعية. كما أن تصنيع الألبان والأجبان يتم بطرق طبيعية دون أي إضافات صناعية كالنشاء أو سحب الدسم، وهو ما يضمن جودة عالية وسلامة غذائية.

كما بدأ المشروع بإنتاج السماد العضوي بعد ستة أشهر من انطلاقه، حيث أثبت السماد فعاليته من خلال تحسين خصوبة التربة وخفض نسبة الملوحة فيها، مما يقلل من إصابة المحاصيل بالأمراض. وبعد جهد طويل، حصل خليل على ترخيص رسمي لإنتاج السماد، رغم العقبات التي وضعتها وزارة الزراعة السابقة.

يشير خليل إلى أن 40% من المزارعين في سهل عكار بطرطوس، و60% في صافيتا، و35% في حماه، و30% في السويداء يستخدمون السماد العضوي السائل، وذلك بعد أن أثبت جودته وتأثيره الإيجابي على المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة.

التسويق من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة

يتولى فريق من ذوي الاحتياجات الخاصة تسويق المنتجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تدريبهم على تقنيات التسويق الإلكتروني. ويعكس هذا التوجه البعد الإنساني للمشروع، الذي يسعى لدعم الفئات المحتاجة من خلال تشغيلهم وتمكينهم اقتصادياً.

الصعوبات والتحديات

واجه المشروع عدة عراقيل خلال النظام البائد، أبرزها الابتزاز من قبل حواجز “الفرقة الرابعة” التي لم تعترف إلا بالدفع، إلى جانب الجمارك والدوريات التي كانت تطلب المال بشكل غير قانوني، رغم أن السماد مرخص رسمياً.

كما أن وزارة التجارة الداخلية السابقة تأخرت لثلاثة أشهر في إصدار السجل التجاري لصاحب المشروع، ولا يزال ينتظر استكمال الإجراءات بعد تغيير الحكومة.

آراء المزارعين والخبراء

علي الآغا، وكيل السماد العضوي في سهل عكار، أكد أن السماد المنتج في المشروع عضوي 100% ولا يسبب أي ضرر للتربة أو المحاصيل، وقد ساهم في تحسين الإنتاج الزراعي بشكل واضح، ففي العام الماضي استخدمه 50 مزارعاً، بينما ارتفع العدد هذا العام إلى 300 مزارع، مما يدل على نجاح المنتج وفعاليته.

ولفت الآغا إلى تأثير السماد الجيد على الثمار أيضاً لجهة إنتاج ثمار صحية خالية من المواد الكيماوية، سيما وأن السماد يتضمن عناصر عدة كبرى وصغرى يحتاجها النبات في دورة حياته وإنتاجيته، فالعناصر الكبرى تتمثل بالآزوت والفوسفور والبوتاسيوم، في حين تكمن العناصر الصغرى بالمنغنيز والحديد والمغنيزيوم.

أما المهندس الزراعي ومعتمد السماد رضوان علي، فقد أوضح أن نتائج السماد تختلف حسب نوع المحصول، فمثلاً تظهر نتائجه على الخضروات خلال أسبوع، بينما تحتاج الأشجار المثمرة مثل الزيتون إلى عام كامل، مما يجعله خياراً فعالاً ومستداماً للمزارعين.

يعتبر هذا المشروع نموذجاً ناجحاً لتحقيق التنمية المستدامة، إذ يجمع بين الفائدة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال توفير منتجات طبيعية، وحلول بيئية للتخلص من النفايات الحيوانية، إلى جانب دعم الفئات المحتاجة عبر تشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة، ويبقى التحدي الأكبر هو توفير الدعم الحكومي للمشاريع المماثلة، لما لها من أثر إيجابي على الاقتصاد والمجتمع.

شارك