جسر – دمشق (نهى قنص)
حالة من التخبط تعيشها الأسواق السورية بعد سقوط نظام الأسد، فبينما يتجه أغلب السوريين إلى شراء المنتجات الغذائية بكثرة، تعاني باقي الأسواق الأخرى من انعدام الحركة. صحيفة “جسر” توجهت إلى سوق الحميدية، السوق الأكبر والأقدم في دمشق، والذي بدأ يستعيد حيويته وعافيته عقب الإطاحة بالنظام البائد، وفق ما أكده تجاره وزواره، يُظهر بوادر تغيير إيجابي.
“سوق تفضلي يا ست”، أحد أكثر الأسواق الدمشقية القديمة ازدحاماً بالناس والزوار والسياح، ويعتبر وجهة فريدة، حيث أن غالبية المتسوقين هم من النساء ومن مختلف الأعمار، ويتخصص هذا السوق في تلبية حاجات النساء، خاصة فيما يتعلق باللباس، والمكياج، ومفردات الزينة.
رغم ذلك، شهد السوق حالة من الكساد في العديد من السلع، وأبرزها الألبسة والأقمشة، نتيجة ارتفاع أسعارها مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن السوري، حيث أصبحت هذه السلع تُعتبر كماليات، بينما يركز المواطنون اليوم على تأمين الغذاء والمواد الأساسية لأسرهم.
فادي حواصلي، تاجر أقمشة، تحدث لصحيفة “جسر” قائلًا: “السوق بشكل عام في حالة ركود بالنسبة للمنتج السوري، إلا أن وجود المنتج التركي فيه، وخاصة الأغذية، أنعش الحركة وزاد الإقبال عليه”.
وأضاف: “يهمنا توفر كل السلع في السوق وليس فقط التركية، وحالياً نلاحظ تحسناً في مجالات كثيرة، وإن شاء الله الخير قادم”.
نبيل عابدين، تاجر آخر في سوق “تفضلي يا ست”، أشار إلى أن حركة السوق سيئة، خاصة فيما يتعلق بتجارة الألبسة والأقمشة، التي تعتبر كماليات في ظل الأولويات اليومية. وقال: “المواطن السوري الأولوية عنده اليوم تأمين الأكل والشرب”.
في هذا السوق، تسمع روايات قاسية عن معاناة الناس بسبب الضرائب ومنع التداول بالعملات الأجنبية في ظل النظام السابق. كانت مراسيم وقوانين نظام الأسد البائد تركز على احتكار الحكومة وكبار المستفيدين من سلطته القمعية للقطع الأجنبي، وكان التعامل بالعملات الأجنبية يُعاقب عليه بالسجن من 5 إلى 15 سنة.
أما اليوم، وبعد التحرير، تم رفع الحظر والسماح بإجراء العمليات التجارية بالعملات الأجنبية والدولار، ما أتاح للتجار والمواطنين مرونة أكبر في التعاملات. يقول أبو زيد، تاجر إكسسوارات: “صحيح أن حركة البيع والشراء ضعيفة، لكن أصبح هناك ازدحام بالسوق منذ سقوط النظام. الناس فرحون ينزلون إلى السوق ويتفرجون.. ارتحنا نفسيا وصار لدينا الإمكانية لعرض بضاعة أجنبية، لأننا كنا نخاف ونهربها تهريباً، لكن الآن والحمد لله البلاد تشهد انفتاحاً”.
“خلصنا من الإتاوات، ومن الرشوة. شاهدوا وجوه الناس وانظروا إلى الفرح والتفاؤل”، بهذه الكلمات أيضاً لخص التاجر أبو كرم ما تقرأه وتشاهده في وجوه زوار السوق.
تعود المحال التجارية في أشهر الأسواق القديمة بدمشق لتفتح أبوابها مجدداً، معلنة إصرارها على رسم حياة جديدة وسط فرحة الناس وآمالهم بغد مشرق.. في هذه الأماكن التي تمثل القلب النابض للمدينة القديمة، تتداخل ملامح التاريخ والحياة اليومية في مشهد سوري أصيل، يجمع بين التجارة والتراث والأصالة.