جسر – عبد الله الحمد
تأتي مشاركة سوريا في القمة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس كخطوة هامة ضمن التحولات الاقتصادية التي تسعى الإدارة الجديدة في دمشق لتحقيقها. ينعقد المنتدى في الفترة من 20 إلى 24 كانون الثاني الجاري تحت عنوان “التعاون من أجل العصر الذكي”، بحضور قادة العالم.
وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن هذه المشاركة الأولى من نوعها في تاريخ سوريا تهدف إلى تقديم رؤية القيادة الجديدة حول مستقبل البلاد وتطلعات الشعب السوري، مما يمثل خطوة رمزية وعملية نحو كسر عزلة دامت لعقود، والسعي لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي.
أرقام كارثية خلفتها الحرب في سوريا
خلفت الحرب المستمرة منذ 2011 خسائر فادحة، حيث تشير تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة إلى تكاليف إعادة إعمار قد تصل إلى 300 مليار دولار. كما أوضح وزير المالية السوري محمد أبازيد أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض من 60 مليار دولار في 2010 إلى أقل من 6 مليارات دولار في 2024.
وكشفت الإعلامية الاقتصادية كوثر صالح في حديثها لصحيفة “جسر”، أن الناتج المحلي تقلص بنسبة 70% منذ 2011، ما أدى إلى تدهور قيمة الليرة السورية وزيادة معدلات الفقر، حيث يعاني أكثر من 6 ملايين سوري من فقر حاد، و13 مليوناً من انعدام الأمن الغذائي.
وأضافت صالح انه من المبكر جداً تحديد حجم الخسائر بدقة من الناحية الرقمية، خاصة أن هناك ملفات اقتصادية كبيرة متعلقة بالنظام البائد لم تكشف بعد.
رسائل سياسية وراء المشاركة السورية
أثارت مشاركة سوريا في المنتدى الاقتصادي العديد من التساؤلات حول رسائلها السياسية، خصوصاً مع اختيار وزير الخارجية أسعد الشيباني لتمثيلها، بدلاً من وزير المالية أو الاقتصاد.
وتسعى القيادة السورية الجديدة إلى طمأنة المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، عبر خطوات دبلوماسية مثل برقية التهنئة التي أرسلها القائد أحمد الشرع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معربة عن الأمل في بناء شراكة جديدة تعكس آمال وتطلعات الشعبين.
وفي ظل مطالبات سوريا المتكررة برفع العقوبات الاقتصادية، أبدت الإدارة الأمريكية مرونة عبر إعفاءات مؤقتة ومحدودة شملت القطاع الإنساني. كما يدرس الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات تدريجياً، حيث من المقرر مناقشة الأمر في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في 27 كانون الثاني الجاري.
الصحفي الاقتصادي همام طبلية قال إن “المشاركة السورية في المنتدى الاقتصادي العالمي يعطي الإدارة الحالية مساحة للتأكيد على رؤيتها الاقتصادية والسياسية للبلاد، ويزيد من انفتاحها على المستويين العربي والإقليمي، خصوصاً أنها أكدت في أكثر من مرة وأمام أكثر وفد على أنها تريد استعادة دورها عربياً وعالمياً”.
وأضاف طبلية بأن الجولة الخارجية للوفد السوري وخصوصاً إلى العواصم الخليجية “نجحت في اقناع واشنطن بخطوة رفع جزئي عن العقوبات المفروضة على سوريا وربما تمهد لخطوات أكبر خصوصاً مع تقارب الخليج مع إدارة ترامب، ومن المرجح بأن الإشارات أتت من الرياض لواشنطن في هذا الصدد”.
دعم عربي للجهود السورية
ضمن جولة عربية شملت السعودية وقطر والإمارات والأردن، حظي الشيباني بدعم عربي واضح لمساعي سوريا نحو رفع العقوبات. وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في المنتدى الاقتصادي أن الإدارة السورية الجديدة لديها رغبة حقيقية في التعاون الدولي، لكنه أبدى تفاؤلاً حذراً.
من جانبه، دعا رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى تقديم المساعدة لسوريا في مرحلتها الانتقالية، مشدداً على أهمية دعم استقرار البلاد.
الإعلامي والكاتب السياسي الدكتور أحمد الكناني أكد أن “هذه فرصة ذهبية للقيادة السورية الجديدة لزج أوراقها بقوة ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية ويجب ألا تفوت”، مشيراً لأهمية زيارة الشيباني وضرورة تقديمه تصوراً سياسياً واقتصادياً واضحاً للمرحلة المقبلة يقنع الغرب بمزيد من الخطوات نحو دمشق بما يهيء الفرصة لرفع كامل عن العقوبات.
أهمية مشاركة سوريا في دافوس
جاء المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس 2025) تزامناً مع تأدية دونالد ترامب اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، وهو ما يشكل محطة مفصلية قد تحمل معها تطلعات جديدة للسوريين والعالم في ظل تحديات اقتصادية متزايدة.
وفي ظل هذه التطورات، تبقى مشاركة سوريا في دافوس فرصة نادرة لإثبات جديتها في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والسياسي، والانفتاح على العالم. نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على تقديم خطط واضحة وواقعية تلبي تطلعات الشعب السوري، وتفتح المجال أمام استثمارات دولية تسهم في إعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار المنشود.